الصين تنافس روسيا في عقر دارها
صحيفة الخليج الإماراتية ـ
غسان العزي:
تمثل منطقة الشرق الاقصى الروسية ثلث مساحة روسيا وخمسة في المئة من سكانها . وهي منطقة شاسعة غنية جداً بالنفط والغاز والخشب والمناجم وغيرها من المواد الاولية . ولكن لأسباب عديدة منها الوعورة وقساوة الطقس وغياب البنى التحتية والفساد والبيروقراطية والافتقار إلى اليد العاملة الماهرة وغيرها، ما تزال موسكو، منذ الحقبة السوفييتية الى اليوم، عاجزة عن وضع استراتيجية قابلة للتنفيذ من أجل استغلال وتنمية هذه المنطقة . كل المخططات والمشاريع، في هذا الصدد، فشلت لتبقى هذه المنطقة تعاني الفقر والتخلف وهجرة سكانها .
ومؤخراً حاولت روسيا إغراء جيرانها في آسيا الشرقية للمساهمة في تنمية هذه المنطقة عبر »شراكات تطوير وعصرنة« لكن من دون أن تلقى آذاناً صاغية . وحدها الصين أبدت استعداداً مقروناً بقدرات تنظيمية ومالية للاستثمار في هذه المنطقة كما في كل المناطق ذات المخاطر العالية، وذلك بهدف تأمين احتياجاتها من الطاقة على المديين المتوسط والبعيد . استغلت بكين الأزمة المالية التي عانت منها شركات الطاقة الروسية مثل روسنفط وترانسنفط، في العام ،2009 لإجبارها على القبول ببناء خط أنابيب بين الصين وروسيا، في مقابل قرض هائل بقيمة 52 مليار دولار أمريكي .
والطموحات الصينية تبقى مصدر قلق لروسيا التي ستبقى مرتهنة لصادراتها من الطاقة أكثر منها للمنتجات التنافسية، من أجل تمويل عملية تحديث شرقها الأقصى . أكثر من ذلك فقد تغدو روسيا أحد ملحقات الصين في ما يتعلق بإمداد هذه الأخيرة بالمواد الأولية . وهكذا ستكون قدرة الصين على التأثير في مستقبل الشرق الأقصى الروسي متنامية مع الوقت . فعلى سبيل المثال قامت روسيا، في العقد المتعلق بخط الأنابيب مع الصين الذي لم يتم تحديد مساره بعد، بتنازل واضح عندما وافقت على بيع الغاز إلى الصين بأقل من السعر العالمي (250 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز) .
والصين التي وقعت بالتوازي عقوداً مع تركمانستان وإندونيسيا وأستراليا، بشأن الغاز الطبيعي المسال، بينت عن قدرتها على إرغام روسيا على القبول بما لم تقبل به قط مع أحد في السابق . وهكذا بمعزل عن كل مظاهر التحالف الدبلوماسي القائم بين الصين وروسيا على الساحة الدولية، فإن موسكو تجد نفسها في وضع ارتهان »نيوكولونيالي« حيال بكين . في العام 2009-02010 استدان مصرف التنمية والعلاقات الدولية الاقتصادية الروسي المال من بكين التي أضحت أحد أهم مالكي الاسهم في شركة »لوك أويل« النفطية الروسية العملاقة .
أضف إلى ذلك أنه بعد أن استبعدت موسكو الشركات الاجنبية من المناقصات والمزايدات العلنية عن الاستثمار في مناجم النحاس الضخمة في أودوكان، فإنها سمحت للشركات الصينية والكازاكية والكورية الجنوبية بالدخول في هذه اللعبة .كذلك اضطرت موسكو إلى القبول بعودة شركة شل الانجليزية-الهولندية إلى جزيرة ساخالين بعد أن كانت قبل عامين ونصف العام قد أجبرتها على بيع حصصها في المشروع النفطي-الغازي الضخم القائم على هذه الجزيرة . قرارات كثيرة اتخذتها موسكو مؤخراً تشكل انعطافة كاملة بالمقارنة مع السياسة الموضوعة منذ العام 2003 في ما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية في حقول الطاقة والمناجم .
وبموجب معلومات نشرتها وكالة »بلومبيرغ« مؤخراً، أضحى بإمكان الشركات الروسية الاستثمار في مجال استخراج النفط والغاز وتوزيعهما في الصين، لكن من المعروف أن هذه الشركات تفتقر إلى الرساميل الضرورية لذلك . في المقابل تمتلك الشركات الصينية الحقوق نفسها في روسيا مع فارق مهم هو استحواذها على المال والقدرات . ولا يقف تأخر روسيا عن الصين عند حدود الاستثمار، بل بات يتعداه إلى مجالي البحث والتكنولوجيا . ففي العام 2008 أنتجت روسيا من المنشورات العلمية المحكّمة أقل مما فعلت الهند والبرازيل والصين . وفي العام نفسه قدّرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الاستثمارات المتراكمة لأعضائها في ميادين البحث والتنمية ب 818 مليار دولار، منها 330 ملياراً للولايات المتحدة وحدها، و90 للصين و42 للهند و20 لروسيا فقط . هذه الأرقام تفضح موقع روسيا المتراجع في أهم عامل من عوامل القوة وهو البحث العلمي والمعرفة والتكنولوجيا . من ناحية صادرات الأسلحة خسرت روسيا عدداً من الأسواق في الشرق الأوسط بفعل الربيع العربي وضعف أسلحتها التنافسي، لذلك أضحت أكثر ارتهاناً للشاري الصيني .
هذا في وقت تشعر فيه موسكو بالغيظ حيال بكين التي تشتري السلاح الروسي فتنسخه لتعيد صناعته وبيعه بأسعار أكثر تنافسية . كما تشعر بالقلق حيال تحول الصين إلى المستثمر الأول في آسيا الوسطى والشريك الأساسي لعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق . في المقابل تتقاسم الصين وروسيا الموقف نفسه تقريباً من العداء للولايات المتحدة وللديمقراطية الليبرالية بشكل عام، الأمر الذي يظهرهما كحليفين في الساحة الدولية رغم التنافس القائم بينهما في أرض الواقع المحلي والإقليمي . وروسيا الواعية للتغلغل الصيني في عقر دارها مضطرة إلى غض الطرف في وقت تعجز فيه عن استغلال موارد أراضيها الشاسعة في شرقها الأقصى، وعن إقامة شراكات حقيقية مع جيرانها القريبين في آسيا . أما الصين فماضية في صعودها الدولي والإقليمي ولكن بطريقة تنأى بها عن الظهور بمظهر القوة الكولونيالية الجديدة على الطريقة الغربية .