لماذا تقدمت الصين على أميركا في أفريقيا؟
موقع دار الحياة الالكتروني:
عقد باراك أوباما أخيراً القمة الأولى في عهده بين أفريقيا وأميركا. والتقى في واشنطن حوالى 50 رئيس دولة للتداول في الشؤون الأمنية ومكافحة مرض «إيبولا» في أفريقيا الغربية، والبحث خصوصاً في المسائل الاقتصادية والتجارية وتلك المتعلقة بالطاقة.
وهيمن قانون «آغوا» («قانون النمو والفرص الأفريقي» الأميركي الذي أُقر عام 2000 بهدف تسهيل التجارة مع أفريقيا) وبرنامج «تمكين أفريقيا»، على النقاشات. وكان على أوباما انتظار ولايته الثانية ليحوّل انتباهه إلى أفريقيا وليعقد قمة أفريقية – أميركية.
بيد أن قمة واشنطن تأخرت كثيراً. حوّلت أفريقيا أنظارها إلى القوى الكبرى الناشئة خصوصاً الصين والهند والبرازيل. وفي هذا العالم الجديد الآخذ في الظهور «دخلت العلاقات بين الصين وأفريقيا عصراً ذهبياً» كما رأى رئيس الوزراء الصيني لي كيكيانغ أثناء جولته الأفريقية الطويلة في أيار (مايو) 2014 التي شملت إثيوبيا ونيجيريا وأنغولا وكينيا. وهو كشف نظرية صينية تؤكد الأهمية المتزايدة لأفريقيا بالنسبة إلى «امبراطورية الوسط».
الصين أصبحت منذ 2009 الشريك التجاري الأول للقارة الأفريقية، وفي 2013 بلغت الاستثمارات الصينية المباشرة 25 بليون دولار تشغّل أكثر من 2500 شركة. وارتفعت التجارة بين الصين والقارة إلى 210 بلايين دولار، والأهم هو الاعتقاد السائد بارتفاع التبادلات، لأن الصين تملك احتياطات ضخمة من السيولة لاستثمارها في العالم (حوالى 3800 بليون دولار) ولأن عليها العثور على قنوات تصريف جديدة لمنتجاتها، في الوقت الذي سيبلغ عدد سكان أفريقيا بليوني إنسان في 2050.
ثانياً، تحتاج الصين، للحفاظ على نموها على المدى الطويل، كميات هائلة من المواد الأولية والموارد الخام، وحدها القارة الأفريقية قادرة على توفيرها. وحتى عام 2030، ستكون الصين بمفردها مصدر 35 في المئة من النمو العالمي في الطاقة. وتكمن السمة الأولى للتجارة الصينية -الأفريقية في المكانة العليا التي تحتلها المواد الأولية. وتتيح أفريقيا للصين تحقيق استقلال في الوصول إلى المواد الأولية، وتطورت السياسة هذه علناً في نظرية «الخروج» الصينية الرامية إلى زيادة الشراكة الصينية في قطاع المواد الأولية في الخارج، خصوصاً في أفريقيا. وتوصلت بكين إلى العديد من الاتفاقات الطويلة الأمد مع الدول الأفريقية المنتجة للنفط خصوصاً نيجيريا وأنغولا، وسيرتفع مستوى العلاقات مع منتجي المواد الأولية.
ثالثاً، يقوم التحالف بين الصين وأفريقيا على رؤية جديدة إلى العالم، تعني تحديداً الدول الناشئة. ويسعى التحالف إلى تحدي النظام القديم الذي أقيم بعد عام 1945 وانطوائه خصوصاً على الهيمنة الغربية. في ما يتعلق بمسائل التنمية ومفاوضات المناخ والتوازنات الاستراتيجية، اتفق الصينيون والأفارقة على نظرة واحدة إلى العالم. ويصح ذلك أكثر عندما تنتقل دول أفريقية إلى مصاف الدول الناشئة، وفي مقدمها نيجيريا كما يبدو أكثر من إثيوبيا وأنغولا وموزامبيق أو غانا. بذلك تكون الصين «الأخ الأكبر» للدول الناشئة كما ستظهر المفاوضات حول المناخ في باريس في 2015، إذ ستكون الصين في مقدم «دول الـ77» غير المنحازة.
في العلاقة الاستراتيجية هذه، يبدو الجهد الأميركي لاجتذاب أفريقيا ولد ميتاً. غني عن البيان أن أميركا تحوز نمواً قوياً وتقدماً تكنولوجياً أساسياً. لكن مخازن النمو والمواد الأولية موجودة في أماكن أخرى، تحديداً في أفريقيا والصين. وعلى غرار ما قال لي كيكيانغ «أود التأكيد لأصدقائي الأفارقة، وبصدق كامل، أن الصين لا تنوي أبداً التصرف تصرفاً إمبريالياً على نحو ما فعل بعض البلدان سابقاً».
* أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات السياسية في باريس «سيانس بو»، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 8/8/2014، إعداد حسام عيتاني