وماذا لم يُصنع في الصين؟!
صحيفة الاقتصادية السعودية: خالد صالح الحميدي:
من الصعوبة بمكان حصر المنتجات الصينية الرديئة التي غزت أسواقنا بصورة لم يسبق لها مثيل! من الإبرة والخيط، إلى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، والملابس والألعاب، ومستحضرات التجميل، والعطور والإكسسوارات.. والقائمة لا تنتهي!
كل أسبوع، تقريبًا، أضطر لتبديل لمبة بأخرى! أما بالنسبة للأفياش الكهربائية والمقابس، فحدِّث ولا حرج، وليت الأمر ينتهي عند رداءتها، بل، معظمها، يُشكِّل، حقيقة، خطراً على كل منزل! أما أم العيال، فتشكو دائماً من تعطل الأدوات الكهربائية، وتطلب استدعاء الفني لإصلاحها، إذ لم يعد للضمان أي قيمة في هذا التيه المعاش مع “شطارة التجار”، وما يستوردونه من منتجات صينية رديئة! وما عليك إلا أن تبتسم، ابتسامة صفراء، حين تشتري أي سلعة صينية مع “ضمان”، هو في الحقيقة “لا ضمان”، بل إسقاط لـ”قهر نفسي” يُمارس عليك غصباً عنك!؟
كان المستهلك، فيما مضى، يجد في الأسواق السلع المعمِّرة، كتلك المصنوعة في أمريكا أو اليابان أو إيطاليا، مثلاً.. كسلع ذات ثقة شرائية، أصبح وجودها نادراً، إذ حلّت محلها المنتجات الصينية، كسلع مفروضة علينا، وبغير رضانا! نستيقظ على رنات الساعة الصينية، بعد أن نمنا على السرير الصيني، وارتدينا “البيجاما” الصينية، حتى معجون الأسنان والفرشاة، وكذلك، سجادة الصلاة مصنوعة في الصين! نشرب بقدح صيني، والبراد صيني، البوتاجاز صيني، أطباق الطعام صينية، الثياب صينية.. حقيقة، لم يبق إلا أن نرسل لهم الهواء ليكتبوا عليه “صُنع في الصين”!
المُنكر في الموضوع، ليس الصين كبلد مُنتج، أثبتَ نفسه على الساحة الاقتصادية العالمية.. لا! وليس المُنكر أن الصين قامت بتقليد المنتجات كافة، فجعلت الجودة فيما تصدره للدول التي تحترم شعوبها، وصدرت إلى أسواقنا أردأها، فلاقت إقبالاً من ذوي الدخل المحدود، وهم الأغلبية، حتى على مستوى الطبقة الوسطى، الذين رأوا أنها تلائم دخولهم.. ولكن، حين اكتشفوا رداءة هذه المنتجات، ووقوعهم ضحية هذا الغش الصيني، المصرح له من قِبل المؤسسات المعنية، وبالطبع التجار، راحوا يبحثون عن البديل فلم يجدوه، وإن وجدوه فبأسعار تفوق قدراتهم! وإذا كانت الأكثرية قد استسلمت للصيني، غصباً وقهراً.. إلاَّ أن كثيرون يبحثون عن المنتجات المعمِّرة، حتى لو اضطروا للاستدانة، خاصة، حين علموا أن عليهم شراء السلعة الرديئة مرات ومرات.. ولسان حالهم يقول: أين المسؤولون؟!
فعلى الرغم من أن معظم الدول التي تحترم شعوبها، تحارب الغش، وتمنع دخول المنتجات الصينية إلى أراضيها، إلا بعد مطابقتها للمواصفات والمقاييس العالمية، نجد وزاراتنا المعنية تقوم بتشجيع استيراد المنتجات الصينية الرديئة! لا بل، نقرأ عن تلك التسهيلات لتوسيع القنوات التجارية مع الصين! ثم، تُنصح، كمواطنين، بتشغيل بعض أنوار المنزل حين نرغب في السفر.. يخافون على بيوتنا أن تُسرق، ولا يخافون عليها من حريق قد تسببه رداءة المنتجات الصينية؟!
إن اكتفاء المسؤولين بالتصريحات الصحفية، التي لم تعد تنطلي على أحد.. وعدم تنفيذ قرارات ولاة الأمر على أرض الواقع، لوقف هذا الغزو الصيني بمنتجاته الرديئة، ومنع التجار من استيرادها، يعني أن المؤسسات ذات الصلة، تَتَقَبَّل هذه السلع وتفسحها؛ لأنها تتقاضى نسبة معينة كضريبة على إدخالها للسوق المحلية، فيكون الرابح في نهاية الأمر: الصين والوزارات ذات الصلة والتجار، على حساب ميزانية الدولة ككل، والمواطن المقهور والمغلوب على أمره؟!
إن الواجب يقتضي تشجيع المواطنين على شراء السلع الصالحة للاستعمال، ودعم تكاليف وصولها إليهم، حتى تكون أسعارها في متناول الجميع، كما أن الواجب منع إدخال السلع الرديئة التي ترهق ميزانية المواطن، وتستنفذ وقته بما لا خير فيه، وتشكل خطراً، ليس على البيئة فقط، بل على حياة المواطنين!
طرفة: توقفت مرَّة عند إحدى محطات الوقود، وإذ ببائع يعرض عليَّ شراء ما يحمل من كتيبات: “أدعية السفر”، ومجسمات للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وأشياء أخرى تختص بتراثنا، وما لفت انتباهي ما نُقش عليها: “Made in China”! ألا نستطيع إنشاء مصنع في السعودية، وفي مكة المكرمة بالذات، لطباعة هذه الكُتيبات وصناعة هذه المجسمات البسيطة جداً، ونكتب عليها “صُنع في السعودية”، أو “صُنعَ في مكة المكرمة”؟!