تقرير إخباري: الصين وبريطانيا تشرعان في الإبحار نحو مستقبل “ذهبي” عقب زيارة شي التاريخية
إن الكلمة الرئيسية للعلاقات الصينية-البريطانية الحلوة المذاق كالعسل صارت الآن “ذهبي — سواء كان (عهدا أو عقدا أو عصرا أو فترة أو زمنا أو عاما”).
واستخدم الزعماء والمسؤولون ووسائل الإعلام من البلدين هذه الصفة بسخاء للاشادة بعلاقاتهما الوثيقة خلال الأيام الخمسة الماضية التي قام فيها الرئيس الصيني بزيارة دولة تاريخية إلى هذه القوة الغربية، وهي أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس دولة صيني منذ عقد من الزمان.
وتشمل التعبيرات الأخرى التي استخدمها القادة للتعبير عن آمالهم وتقديم عهودهم، “أفضل شريك” و”الدولة الأكثر انفتاحا” و”أقوى نصير” — وهي عبارات لم تستخدم من قبل قط منذ عام 1950 الذي صارت فيه بريطانيا أول دولة غربية كبرى تعترف بجمهورية الصين الشعبية الوليدة.
ومع اختتام شي لزيارته رفيعة المستوى يوم الجمعة في مدينة مانشستر الصناعية والساحلية بشمال أنجلترا، شرعت الصين وبريطانيا بالفعل في القيام برحلة جديدة –“عصر ذهبي في علاقاتهما يتسم بالتعاون الدائم والشامل والقائم على الكسب المتكافئ” كما اتفق الجانبان في إعلانهما المشترك.
لقد كان برنامج شي مزدحم للغاية خلال زيارته التي استمرت من 19 إلى 23 أكتوبر الجاري للندن ومانشستر، حيث التقى قادة سياسيين وتفاعل مع عامة الجماهير وألقى خطبا وقام بزيارة كليات وشركات.
ومن قصر باكنغهام إلى ويستمينستر، ومن داونينج ستريت إلى مبنى تشيكرز، ومن مدينة لندن إلى نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، ومن مراسم استقبال ملكية ضخمة استضافتها الملكة إليزابيث الثانية إلى احتساء للجعة وسط أجواء غير رسمية في حانة بالريف مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، كان الرئيس الصيني دائما محور اهتمام وسائل الإعلام الدولية.
إن زيارة شي، التي اشادت بها الملكة ووصفتها بأنه “تاريخية”، ارتقت بالعلاقات الثنائية إلى “شراكة إستراتيجية شاملة عالمية للقرن الـ21”.
وخلال المحادثات التي جرت بين شي وكاميرون، تعهد الجانبان بمواصلة تعزيز الثقة السياسية، وتوسيع الاستثمارات والتجارة الثنائية، وزيادة التبادلات الشعبية.
كما تعهد الجانبان بالتعاون في المبادرات الكبرى للآخر — مبادرة “الحزام والطريق” التي طرحتها الصين وخطة البنية التحتية الوطنية ومشروع القوة الشمالية اللذين طرحتهما بريطانيا.
وقد ذكر الدكتور رامون باتشيكو باردو الخبير في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي الدولي بكلية كينجز لندن “أظن أن الإعلان الذي صدر (حول بناء “شراكة إستراتيجية شاملة عالمية للقرن الـ21”) يظهر اعترافا من بريطانيا بأن الدول المختلفة لديها نظم سياسية واقتصادية مختلفة ولكن تقسيما جديدا على غرار الحرب الباردة أمرا ليس مرغوبا “.
وأضاف أن “الدول الغربية تدرك على ما يبدو تماما هذه الاختلافات وترغب في تعاون متبادل المنفعة وليس مواجهة قديمة الطراز”.
ومن المتوقع أن يساعد عدد ضخم من الاتفاقات التجارية التي وقعت خلال الزيارة على تأمين العلاقات التي تم الارتقاء بها حيث تحاول بريطانيا جذب الاستثمارات من ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ومع تركيزها على الاستثمار والبنية التحتية والابتكار، بلغ إجمالي قيمة هذه الاتفاقات 40 مليار جنيه استرليني تقريبا (حوالي 62 مليار دولار أمريكي)، بما فيها اتفاق هام حول مشروع بناء محطة هينكلى بوينت للطاقة النووية في جنوب غرب إنجلترا الذي سيخلق ما يقدر بـ 25 ألف فرصة عمل ويوفر الكهرباء لحوالي ستة ملايين منزلا.
وذكر ستيفن بيري رئيس “نادى المجموعة 48″، وهي شبكة أعمال بريطانية مستقلة تتعهد بتعزيز العلاقات مع الصين، “لقد شهدنا زيارة عظيمة”.
وصرح لـ((شينخوا)) قائلا إن “المناخ ممتاز والصفقات التجارية جيدة. والأهم من ذلك أن المرء لديه شعور بأن الصينيين والبريطانيين يتمتعون بالأوقات التي تجمعهم سويا. وهذا يحمل معنى أكبر بكثير من مجرد القيام بأعمال تجارية”.
وفي الواقع، إن زعماء وطنيين قلائل هم من أتيح لهم شرف لقاء هذا العدد الكبير من الأسرة الملكية البريطانية في يوم واحد. فقد أقامت الملكة مراسم استقبال كبيرة في اليوم الكامل الأول من زيارة الدول “الممتازة” التي قام بها شي حيث وضعت السجادة الحمراء وأطلقت 103 طلقات مدفعية وأقيم موكب رسمي للعربة المذهبة.
وحل شي وقرينته بنغ لي يوان في قصر باكنغهام بلندن ضيفين على الملكة التي أقامت غداء خاصا ومأدبة دولة رسمية لهما في حضور كبار أعضاء العائلة الملكية.
ورافق الرئيس أعضاء ملكيون كبار من بينهم الأمير فيليب والأمير تشارلز والأمير أندرو والأمير ويليام — في مناسبات مختلفة خلال زيارته.
وانضم كاميرون ووزير الخزانة جورج أوزبورون إلى شي خلال زيارته إلى مانشستر.
كما استضاف كاميرون شي على شرف ليلة ذات طابع بريطاني خالص في حانة بالريف مع تناول السمك ورقائق البطاطس وتناول كوبين من الجعة الإنجليزية من نوع “غرين كينغ أي بي أيه” قبل أن يوجه الدعوة إلى الرئيس وقرينته للانضمام إليه هو وقرينته سامانثا في مبنى تشيكرز– مقر الإقامة الريفي لرئيس الوزراء البريطاني — على مأدبة عشاء غير رسمية معا.
وقال كاميرون للصحفيين خلال زيارة شي إن “علاقاتنا تتجاوز التجارة والاستثمار”، لافتا إلى أن الصين وبريطانيا قوتان عالميتان لديهما “مصالح مشتركة” في عالم مستقر وحديث.
وشاطره الزعيم الصيني الرأي في هذا الصدد.
وذكر شي في خطاب أمام مجلسى البرلمان البريطاني “من الإنصاف القول أن الصين وبريطانيا لديهما اعتمادية متبادلة متزايدة وأصبحتها مجتمعا من المصالح المشتركة”.
وتظهر حقائق “أولية” قليلة علاقاتهما الآخذة في النمو، إذ تعد بريطانيا أول عضو بالاتحاد الأوروبي يقيم شراكة إستراتيجية شاملة مع الصين، وأول دولة غربية تصدر سندات سيادية مقومة بالرنمينبي، وأول دولة غربية كبرى تتقدم بطلب للحصول على عضوية كاملة في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي طرحت الصين فكرة إنشائه. كما إنها مركز رائد لتداول الرنمينبي في الخارج بعد هونغ كونغ.
وفي خطاب آخر ألقاه في مبنى البلدية بمدينة لندن، سلط الرئيس الضوء على تنمية العلاقات الودية بين الصين وبريطانيا، مستشهدا بقائمة أسماء بريطانية طويلة تتدرج من وليم شكسبير وحتى جيمس بوند وديفيد بيكهام.
وخاض في الحديث على وجه الخصوص عن تأثير شكسبير عليه من خلال تقديمه لمحة نادرة عن فترة شبابه العصيبة كمزارع في الريف الفقير بشمال غرب الصين عندما أسرت لبه أعمال شكسبير.
وقال للحضور البريطاني نقلا عن أستاذ الأدب البريطاني “وأنا واقف في شبابي على أرض شنشي الطينية الجرداء، لطالما تأملت في مسألة (أكون أو لا أكون)”.
وأضاف شي، الذي يقود دفة الدولة الأكثر تعدادا للسكان وثاني أكبر اقتصاد في العالم، قائلا “في النهاية حسمت أمرى بأن أكرس نفسي لخدمة وطني وشعبي”.
وبالعودة للوراء في التاريخ، نجد أن الصين وبريطانيا شهدتا تحولات وانعطافات خلال القرنين الماضيين كما اتضح من خلال حربي الأفيون، وتسليم هونغ كونغ، وقضية حقوق الإنسان، ولقاء كاميرون المثير للجدل مع الدالاى لاما في عام 2012.
ومستشهدا مرة أخرى بالخط الشهير لشكسبير “ما مضى مقدمة لرواية” ، فتح شي فصلا جديدا في العلاقات من أجل هاتين القوتين في الشرق والغرب.
“أظن أن الثقة والاحترام مهمان للغاية للعلاقات الثنائية. فأنا أقوم بالكثير بأنشطة الأعمال مع الصين. وأعرف الصين جيدا. يمكنكم التعاون مع بعضهم البعض عندما تثقون في بعضكم البعض”، هكذا قال سيمون بيفان، الشريك في ورئيس مجموعة الصين للخدمات البريطانية بشركة جرانت ثورنتون بريطانيا لـ((شينخوا)).
كما استخدم الرئيس الصيني الخطاب الذي ألقاه في مبني البلدية بلندن ليوضح للرأى العام الغربي سبب اختيار الصين طريق الاشتراكية وطمأنة العالم بأن هذا البلد الآخذ في النمو سريعا والمحب للسلام سيسعى على الدوام إلى تحقيق التنمية السلمية ولن يسعى قط إلى الهيمنة.
وذكر الدكتور تيم سمرز الزميل الاستشاري البارز في مركز “كاثام هاوس” البحثي البريطاني “من الواضح أن الصين تصبح مع نهوضها لاعبا أكثر نشاطا وتأثيرا في الشؤون الدولية، وهذا تطور طبيعي ينبغي الترحيب به”.
وقال إن “النهج الصيني يتطور تدريجيا، وهو ما ينبغي أن يتيح مساحة أكبر لاستجابة الدول الأخرى”.