قونغ شياو شنغ وتشاركية سياسية وحضارية وثقافية
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأب الخوري محمد جورح الشرايحة*:
في استعراض للتصريحات والمحطات الرئيسة التي تناولها المبعوث الصيني الرسمي والخاص لشؤون الشرق الاوسط، قونغ شياو شنغ ، خلال زيارته الى الاردن مؤخراً، وتطرّقه إليها في أحاديثه مع المسؤولين ورجال الصحافة والإعلام، نلحظ ان الزيارة استهدفت بالدرجة الاولى عرضاً للمساعي الصينية، تلمّس إمكانيات العمل الجماعي على قضية حلحلة الاوضاع المتوتّرة في منطقتنا العربية الواسعة، التي ترزح منذ سنوات طويلة تحت ضغط حربي وسياسي وسيكولوجي كبير، اشتد على وجه التحديد من سنوات خمس من عمر الازمة السورية.
المبعوث الصيني قونغ شياو شنغ عقد مؤتمراً صحفياً يوم الثلاثاء الماضي في مقر السفارة الصينية في عمّان، أوضح فيه موقف جمهورية الصين الشعبية إزاء القضايا الإقليمية الساخنة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بما فيها الأزمة السورية، مع تعريف التطورات الأخيرة في مؤتمر فيينا للأزمة السورية المنعقدة قبل أيام.
وتطرق شياو شينغ إلى أن الاجتماعين اللذين عُقدا بشكل متتالٍ في غضون أقل من أسبوعين في فيينا، يَعكسان وجود عوامل إيجابية دافعة لحل الأزمة السورية وحلحلة الاوضاع الراهنة، وهذا دليل على أن المجتمع الدولي يَسعى جاهداَ وجاداً لإيجاد توافق في حل الأزمة السورية، يُمهّد لسلام المنطقة الذي يرنو إليه جميع ذوي الارادة الطيبة.
قونغ شياو شنغ قال.. للمرة الأولى جلست الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن للأمم المتحدة على طاولة واحدة، لمناقشة الأزمة السورية، بالإضافة إلى إيران والسعودية، برغم وجود خلافات كبيرة بينهما.. فرغم التمسّك بالمواقف والسياسات الخاصة من قِبل أطراف مختلفة، لكن لم تعد هذه المواقف والسياسات المختلفة من الشروط المُقدّسة والثابتة والمُسبقة لحضور مؤتمر فيينا أو المشاركة فيه، بل على العكس من ذلك، وافقت جميع الأطراف على إجراء المفاوضات..
وعلى الرغم من أن المؤتمر يُعدُ بداية جديدة لجميع الأطراف، لكن شياو شينغ أشار أيضاً إلى عدم تفاؤله في حل الأزمة السورية في المستقبل القريب، من خلال مؤتمر فيينا، وذلك نظراً لعوامل عديدة، بما فيها استمرار الأزمة منذ سنوات عددة، والخسائر الكبيرة الناجمة عنها، والأطراف المعنية العديدة المُتورّطة فيها.
لهذا، يرى شياو شنغ ان مؤتمر فيينا يُشكّل بداية فقط، لكنه يَدل على الحاجة الماسة لحل الأزمة السورية بالنسبة لكل الأطراف، وإرادة الأطراف الرئيسية في المفاوضات. وعلى الرغم من وجود عوامل إيجابية لحل الأزمة، ألا أنه مازالت هناك خلافات كبيرة بين الأطراف المختلفة، لذا، يبقى الطريق الطويل ماثل أمامنا لحل هذه القضية..
لكن حل الأزمة السورية لا يَعني بالضرورة حل القضية الفلسطينية التي يبدو أنها أعقد قضية على وجه الكرة الارضية، سيّما لأن أطرافاً عديدة متورطة في تعقيدها ورفض حلحلتها أو حلها. إلا ان المبعوث أوضح ان هذه القضية هي أم القضاياً، وأثنى على الحضارة العربية التي ولدت في منطقتنا، وهي أم الحضارات، إذ أن الحضارة لم تولد في الغرب الجغرافي كما نوّه المبعوث الصيني، الذي لاحظ ان البِقاع التي عانت من فراغ حضاري ارتدت على منطقتنا استعماراً وإهلاكاً، دون رحمة أو شفقة، تماماً كما ارتدت تلك البِقاع على الصين منذ مئات السنين، وعملت على تفتيتها ونشر الأفيون في شعبها، أو ذبحه كما في “نانجينغ”، وقتل 35 مليون صيني في الحرب العالمية الثانية، وما قبلها (منذ 1937 وحتى 1945)، ولم تعتذر الدول الاستعمارية عن قتلهم بوحشية منقطعة النظير، كما ولم تعوّض الصين ولا عائلاتهم عن سحلهم، بينما يتم تعويض جماعات قليلة اخرى في العالم عن قتل الأقل من القتلى عموماً، بدلاً من إحقاق أس العدالة وإعمال الحقوق بين جميع الاطراف، وعلى قدم المساواة بين جميع الامم والشعوب..
نرحب دائماً بالمبعوثين الصينيين الى الاردن ومنطقتنا العربية، فنحن والصين في مركب واحد، ونبني حضارة إنسانية واحدة في تشاركية وثيقة وواثقة، لا تغوّل فيها ولا استعلائية ولا إستضعاف، وننهل من بعضنا البعض ثقافاتنا ونتاجاتنا الانسانية برمّتها، بغية الشروع الواثق في بناء كوكب مُسَالم، وعلى هدي المُثل العليا، والمشاريع والافكار الصينية الخلاّقة التي آخرها مبادرة الحِزام والطريق، التي نتطلع لتفعيلها، لتصل الى منطقتنا، الاردن وفلسطين بالذات، فتنقذها من عثراتها، والى سوريا الكبرى ودول أفريقيا العربية بعد دول آسيا جميعاً.. فشكراً للرئيس شي جين بينغ الذي تقدّم بهذه المبادرة، وله منا كل تقدير وعرفان، والشكر موصول له لإبتعاث مبعوثيه الرفيعي المستوى الى الاردن ومنطقتنا العربية.
*رجل دين مسيحي اردني وناشط اجتماعي وثقافي ورئيس تحرير موقع نور سايت الإعلامي، وعضو ناشط في الفرع الاردني للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب حُلفاء الصين.