في رحيل كيم جونغ إيل.. ذكرى أليمة دافعة للتأثر
الاكاديمي مروان سوداح*
اليوم، حين تدلهم الخطوب على المنطقة العربية، وحيث يُصبح الإقتتال سُنّة بعض الامم المغلوب على أمرها، وتغدو التفرقة والتابذ الأَسودين “ديدنها”، نستذكر الزعيم القائد كيم جونغ أيل العظيم حقاً بفكره وجبلته وشخصيته، في ذكرى رحيلة الأليم للسنة الرابعة.
إستذكار القائد كيم جونغ إيل (1942-2011) واجب أممي وليس واجب كوري فحسب. فهذا القائد لم يُصلّب أركان بلاده فحسب، بل وشدّد كذلك من عزائم أهلها البررة لترابهم الوطني الطهور، وزرع فيهم ثقة مطلقة بعدالة قضيتهم الوحدوية والتحررية، فصارَ إذ ذاك قائداً لهم وللبشرية المتطلعة الى غدٍ حرٍ وعدالةٍ ناجزةٍ، ولأُلئك المُطالِبين برغادة عيش حقيقية لا كلامية. والأهم، أنه أرسى مدرسة نضالية أممية يَسطعُ نورها الوضاء في أركان الدنيا على كل المُتعَبِين والمُشرَّدِين والمُستضعَفِين (بفتح العين) والمُتغوَّلُ عليهم دهرياً بحرابِ الإستعمار والإحلالية والاستيطانية.
كرّس كيم جونغ إيل نفسه لخدمة كوريا والانسانية المتعَبة، وناضل في مواجهة الصهيونية ومقارعة “الإسرائيلية” التي حاولت التغلغل في كوريا زوتشيه وسونكون. لقد واجه الزعيم الخالد الأعداء بكل هدوء، لكن بقوة وصرامة لا مثيل لهما، وجعل من كوريا جنّة مُزهِرة ومُزدَهِرة، وفاء لغايات الرئيس المُؤسِّس كيم إيل سونغ وبرنامج تطوير كوريا وناسها وارتقاء البلاد في دروب العزّة وفضاءات المَجد، لخير شعبها والبشر، كدولة تنتمي إليهم ولكل العالم النامي المرتقي في سبيل الانسان ومصالحه الجمعية ومستقبله .
في اواخر القرن الماضي وبدايات الألفية الجديدة، كان الشعب الكوري مُنشغلاً بقضّه وقضيضه بالتكاتف وتعزيز القوى لرد تهديدات الامبريالية الامريكية، ومن أجل تعميق الإمكانات الوطنية والدفاعية، لردع كل مَن تسوّل له نفسه التعدّي عليها وعلى مقدساتها القومية والتقدمية، وقضية استقلالها وسيادتها.. عندها بالذات، في خضم الوضع القائم، صاغ القائد فكرة سونكون التي تولي الشؤون الدفاعية أولوية أولى، وتضعها في سُلّم الاهتمامات ودرجة البداية والتركيز الشامل من جانب القوى الاجتماعية والعسكرية الأفعل، بهدف حماية الجماعة الكورية وهِبة الحياة المقدسة التي تتمتع بها، ووصولاً لتصعيد قِواها النافذة وأوضاعها الى مرتبة تكون فيها قادرة على إفشال الخروقات الأجنبية والتعديات الخارجية التي كانت متلاحقة، فتواصلت توجيهات القائد الميدانية لقوات الجيش الشعبي الكوري لحماية المجتمع الاشتراكي، والتعامل الأنجح مع الكوارث الطبيعية، التي بالمناسبة كانت مُبرمَجة مِن جانب التقنيات الامبريالية ضمن مشاريع ضرب كوريا من خلال تغيير المناخ والتأثير السلبي على الزراعة، وبالتالي الاقتصاد الاشتراكي.
وفي تلكم الوضع، أصدر القائد توجيهاته العلمية بمزيد من إنهاض البلاد والعِباد، فدخلت الحوسبة في أضلاع الدولة وقلب البلاد على أوسع نطاق، وجرى إعداد “الإنسان الرقمي”، ليغدو مِثالاً عصرياً يُرتجى لبني البشر المستقبليين، القادرين على التعامل مع الحضارة والثقافة الرقميتين بإقتدار وموهبة بالغتين. وبالفعل، تحوّلت كوريا سونكون الى دولة متطورة تكنولوجيا ورقمياً، وزوّدت المؤسسات التعليمية من المدارس الى الجامعات بالحواسيب والانظمة الالكترونية التي أبدعها خبراء كوريا الديمقراطية، فحتى المكتبة الشعبية في العاصمة بيونغ يانغ صارت مؤتمتة كلياً، فقد شاهدت بأم عيني أن أي كتاب يتم إحضاره للقارئ بعد إصدار أمر حاسوبي “بإستجلابه”، حيث يتم حمله على عربة قطار صغيرة تسير على سكة حديد، تنطلق بروية من داخل المكتبة ومن بين أرففها، نحو أمينها، ليُسلّم للقارئ، فيا لها من مأثرة علمية وإنجاز لافت ومُبهر وممتع لا يتوافر حتى في دول رأسمالية كثيرة تتسابق للإشادة بإنجازاتها. وللحديث بقية عن كوريا الأخاذة والوضاءة.
- الكاتب هو حامل الاوسمة الكورية ورئيس المجلس العربي للتضامن مع الشعب الكوري ومُناصرة توحيد شطري كوريا.