روسيا بوتين والشرق العربي في اللحظة التاريخية
موقع الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:
من المؤكد أننا نعيش اليوم حَقبة الحرب العالمية الرابعة، التي أفضت إليها الحرب العالمية الثالثة الباردة التي دارت رحاها بين المعسكرين الدوليين أنذاك، الاشتراكي والمِيغا إمبريالي. ونلاحظ كذلك، أن هذه الحرب تشمل غالبية دول وشعوب العالم، وكل القارات، إذ تشارك فيها أنظمة حكومية قصية جغرافياً، وأُخرى لا يَجمع شعوبها جامع ولا رابط مع (العالم العربي) الذي يُعاني من صَقيعٍ كانت أوروبا قد عايشته وعانت من حروبه القتـّالة في مرحلة انتقالية سابقة، اخذت بها من التخلف والبربرية، نحو الحضرنة والتثاقف.
ما نشهده اليوم في العالم هو استنساخ حقيقي للهمجية التي ضربت العالم، وبضمنه الروسيا واوروبا، في عصور ظلامية طواها التاريخ ولقد خُيذل إلينا الى غير رجعة، حيث قاد المَنغول والتتار خلالها موجات القتلة واللصوص نحو قلب العالم القديم، أسيا و (العالم العربي)، ومِن قَبلهما وبَعدهما كانت اوروبا الغربية نفسها قد ساهمت في حروب تطويع العوالم السلافية وتلك السوداء والسمراء والكالحة، التي اعتبرها الجنس الابيض الأنغلوساكسوني مُتخلفة، وصاغ فلسفات إبادتها بالجُملة، – كما فلسفات إرهاب داعش والنصرة ومئات العناوين الراهنة – وعلى رؤوس الأشهاد، وبإسم الدين والمذهب تارةً، وفي أخرى بعناوين برّاقة منها (الأمن الاوروبي) و (الآمان الأمريكي)، فكانت إذ ذاك تصفية الجنس الأصفر، ثم إهراق دماء “الهنود الحمر” والإنيكا في شمال وجنوب القارة المتأمركة زجراً ورغماً عن أُنوف أًصحابها التاريخيين.
في العالم القديم الذي تغوّلت قِواه الظلامية على الكوكب الأرضي أيّما تغوّل، وإنهكت الأُمم المُولِّدة للحضارة والتحضّر، وقطّعت رؤوس الروس والسلافيين والعرب من مسلمين ومسيحيين، وأحرقت نتاجات الحضارة، وأماتت الثقافة، لم تبرز طويلاً قوّة أرضية ضاربة تمتلك أليات تستطيع وقف زحف أجناد جهنم، أو تعرية (البَغداديين الأنغلوساكسونيين الجُدد) من ورقة توت سترت عوراتهم دهوراً، حيث تمكّنت الإمبريالية من إلغاء شعوب عديدة ووأدها، بينما في عهد الروسيا البوتينية، أنبثق النور وشُعاع قوى الحق، في عهد عودة الروسيا الى العالم العربي الواسع والعَود أحمدُ الى إقليم درج الغربيون بأساطيلهم الفاتحة وجيوشهم الإستعمارية على تسميته “الشرق الاوسط” من بلدانهم، بينما يُطلق عليه السلاف والروس وصف حقيقي وتعريف واقعي ونبيل هو “الشرق العربي”، الذي كان دوماً صديقاً وحَليفاً للروسيا والسلافيين الذين تمثلهم سانت بطرسبورغ، التي كانت سفن أساطيلها الإمبرطورية الحربية البحرية، تؤكد تواجدها ومراميها الشريفة يومياً في مياه البحر الابيض المتوسط، وفي أوساط ثوار جبل لبنان وسوريا وبينهم، في خضم مواجهاتها المشتركة مع العرب للعَثمنة والتتريك والتغوّل الإمبرطوري لأنقرة، ونهجها الإحلالي وتطلعاتها الإستيطانية في أوروبا الشرقية والوسطى وأسيا، وذلك الى ما قبل انقلاب اكتوبر الأحمر بنحو عقود أربعة..
الروسيا تعرف العرب والعروبة والمنطقة العربية جيداُ، وما (أَرباط) موسكو التاريخي سوى شاهد على ذلك، ولأن السلافيين والعرب كانوا دوماً، ومايزالوا حتماً، في وحدة سيكولوجية وسوسيولوجية واحدة، وتواصل أثيري وواقعي بين موسكو وعواصم الضاد، وتبادل التجارة ونشر اللغات، ولعبت الاورثوذكسية ثم الإسلام دورهما التصليبي والرئيس في تعميق أسّ العلاقات العربية – السلافية الروسية، فتشكّلت بهما الثقافة الروسية على قواعد شرقية وعربية، لا يربطها رابط مع العَثمنة – برغم الجيرة والتقارب الجغرافي مابين السلافية والأثينية – وإن كان مذهب تلك الثقافة السلافية يَنحى نحو الأثينية، التي كانت هي بدورها، وقبل الروسيا العظيمة، حاملة للبذور العربية للمسيحية التي ذُكرت في الانجيل وإستمدت شخوصها من شخصيات (الشرق العربي) الحاضن للثقافات والحضارات، كونه وسطاً بينها، ومركزها الجيوثقافي والجيوسياسي، ومركز الأشعاع العالمي دينياً، وفُرنها الذي صَهرها سلمياً في بوتقة أممية وإنسانية مُتلاقحة ومُنسجمة، مُزدهرة ومُزهرة بجماعتها الكبيرة.
روسيا بوتين.. روسيا العصر، تعود للشرق العربي بكل عنفوانها وجبروتها، مُستعيدة أمجاد التصاهر النضالي العربي – الروسي، وبروسيا وببوتين يتم اليوم إنقاذ المنطقة العربية بوتائر متسارعة وسواعد التكنولوجيا العسكرية الروسية الأكثر تطوراً وبأساً، لاستئصال شرور تتار ومنغول اليوم وجحافل فرسان اوروبا الغربية الاستعماريين، فتكنيس الأقليم العربي الكبير منهم، وصولاً الى إعادة بعثِهِ حضارياً وثقافياً وأممياً، فالانتصار المؤزّر في الحرب الحارة الكونية الرابعة، التي ستُدشن لا محالة عصراً جديداً للبشرية بمساندة روسية، لتسييد “العرب العرب” على ترابهم الوطني، فاستعادة الاستقلال المَنهوب منهم، ووقف إهدار أخوان الشياطين لمَكنونات أراضيهم المُدماة إمبريالياً، والمُنهكة حربياً، والمَهدورة كرامتها استعمارياً، فشكراً للزعيم بوتين العظيم الذي يَجترح كل يوم نصراً في إثر نصر مع معسكره في الشرق العربي، وشكراً لروسيا التي انتجته في اللحظة التاريخية التي التقطتها شعوبنا العربية والروسية وزعاماتنا الوطنية والأُممية ذات بُعد البصيرة بالأُفق الإستراتيجي مع القوى الدولية الحليفة.
- كاتب سياسي وصحفي ومتخصص بالشأنين الروسي والصيني ورئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.