العلاقات المغربية الصينية والتعاون جنوب- جنوب
موقع الصين بعيون عربية ـ
فؤاد الغزيزر*:
تُبدى الصين أهمية كبرى لعلاقتها مع دول القارة الإفريقية عموماً ومع المغرب خصوصاً، لذلك تشهد العلاقات بين الجانبين تطوراً ملحوظاً على نطاق واسع، في إطار الشراكة الإستراتيجية والتعاون المشترك المَبني على أساس المساواة والثقة المتبادلة.
“ويظل تعزيز التضامن والتعاون مع الدول الأفريقية جزءاً هاماً من السياسة الخارجية السلمية الصينية المتمثلة في الاستقلال والأخذ بزمام المبادرة. وثابرت الصين علي توارث وتطوير الصداقة التقليدية مع أفريقيا بعزم وثبات، وانطلاقاً من المصالح الأساسية للشعب الصيني والشعوب الأفريقية تقيم وتطور الصين نمطاً جديداً من الشراكة الإستراتيجية مع الدول الأفريقية قائماً على المساواة والثقة المتبادلة سياسياً، وتعاون الربح المشترك اقتصادياً، والتبادل والاستفادة المتبادلة ثقافياً” (1) .
ويشمل التعاون المغربي الصيني- الإفريقي:
1) تنمية إفريقيا :
“مع تزايد أهمية العوامل الاقتصادية في العلاقات الدولية وارتباطها بأمن الدول ووحدتها مافتئ صناع السياسة الخارجية في كل من المغرب والصين يؤكدون أن السلام والتنمية بإفريقيا من الأهداف الأساسية لهذه السياسة، ومع سياسة الانفتاح التي اتبعها البلدان شهدت سنوات التسعينيات وما تلاها من تحول نوعي في التفاعل المغربي الصيني مع إفريقيا، بحيث خرجت العلاقات المغربية الصينية من إطارها الثنائي إلى الإطار الإقليمي، حيث توصلت الحكومة الصينية مع عدد من الدول الإفريقية- من ضمنها المغرب- في منتصف عام 2000 إلى اتفاق مشترك بشأن تشكيل وتأسيس منتدى لتعزيز التعاون الصيني الإفريقي أُطلق عليه ” منتدى التعاون الصيني الإفريقي” وهو آلية فعالة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية الصينية الإفريقية.
كما أن لجمهورية الصين الشعبية مكانة متميزة لدى المغرب وإفريقيا باعتبارها شريكا استراتيجيا وهذا ما فتأ يعبر المغرب في كل المحافل “وإنه لمن دواعي ارتياحنا أن نلحظ ما يفتحه التعاون بين الصين وإفريقيا اليوم من آفاق واعدة، وذلك بالنظر إلى المقومات والإمكانيات الهائلة التي تزخر بها بلداننا، فضلا عن الفرص المتعددة، التي تتيحها الأسواق الإفريقية بالنسبة للشركات الصينية” (2).
كما أن لإفريقيا مكانة ودور بارز لدى الصينيين فهي ” ذات تاريخ عريق وأراض شاسعة وموارد وافرة ولها إمكانيات تطور كامنة كبيرة عبر النضال الطويل الأمد تخلص الشعب الأفريقي من قيود الحكم الاستعماري، وأزال نظام الفصل العنصري، وحقق الاستقلال والتحرر، مما قدم إسهاماً عظيماً لتقدم الحضارة البشرية” (3).
ولهذا “تولي الصين اهتماما للدور الإيجابي الذي يلعبه منتدى التعاون الصيني – الأفريقي في تعزيز الحوار السياسي والتعاون الفعلي بين الصين وأفريقيا” والذي أسفر مؤتمره التأسيسي الإعلان عن وثيقتين رسميتين هما”إعلان بكين” وبرامج التعاون الصيني الإفريقي” في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما اتخد المؤتمر الوزاري الثاني للمنتدى الذي عقد في الفترة من ا إلى 16 دجنبر 2003 بأديس أبابا شعار”الصداقة والتعاون والتنمية” كما اعتمد في ختام أعماله خطة عمل( 2004-2006) طرحت مجموعة من الإجراءات لدعم اقتصاديات الدول الإفريقية، وتكثيف التعاون بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية والتنموية.
وطرح رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو في كلمة ألقاها في الافتتاح أربعة اقتراحات حول تطوير علاقة التعاون الودي الصيني الأفريقي هي:
– الدعم المتبادل من خلال دفع مواصلة تطوير العلاقات الودية التقليدية.
– تعزيز التشاور عبر دفع ديمقراطية العلاقات الدولية.
– تنسيق المواقف لمواجهة تحديات العولمة معا؛
– تعميق وتطوير التعاون وضعا جديدا لعلاقة الصداقة الصينية الأفريقية.
وبعد ذلك قدمت كل من المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية مساعدات للدول الإفريقية من أجل تحقيق التنمية وهذا ما أكده العاهل المغربي محمد السادس في قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2006 “إننا لنتابع باهتمام خاص المبادرات التي تتخذها السلطات الصينية في إطار هذا المنتدى، تعبيرا عن تضامنها مع الدول الإفريقية. كما ننوّه الى الدعم الفاعل الذي تقدمه الصين من أجل تحفيز الإقلاع الاقتصادي للدول الإفريقية، لاسيّما من خلال التدابير المتخذة بهدف التقليص أو الإلغاء الكامل للديون المستحقة للصين على الدول الفقيرة الأكثر مديونية والأقل نمواً.
وتأسيساً على ذات المبدأ القائم على التضامن الفاعل مع شركائنا الأفارقة، يعمل المغرب، بكل الوسائل المُتاحة على الإسهام في الجهود المبذولة لصالح إفريقيا.
وقد قررنا في هذا الإطار، منذ سنة 2002، إلغاء جميع الديون المستحقة للمملكة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وكذا إفساح المجال لصادرتها لولوج السوق المغربية بدون قيود” (4).
ومن جانبها تعهدت الصين في “إعلان بكين 2006” بتقديم حزمة جديدة من المساعدات لإفريقيا في مجالات التنمية والصحة والتعليم…
كما تعهد المغرب بمساعدة الدول الإفريقية، “لاسيّما الدول الواقعة جنوب الصحراء، في إنجاز مشاريعها التنموية، وكذا العمل سويا مع الصين والدول الإفريقية لإقامة تعاون ثلاثي في إطار الشراكة الصينية الإفريقية الجديدة، وخطة عمل المنتدى لسنوات 2007-2009 ؛ ومن شأن هذا التعاون أن يمكن من نقل التجارب والخبرات التي نتوفر عليها إلى شركائنا الأفارقة في ميادين متعددة كالفِلاحة وتدبير الموارد المائية والبُنى التحية والصيد البحري والصحة وتكوين الأطر، متوخين العمل، جنبا إلى جنب مع الصين، لتسخير إمكانياتنا التقنية والعلمية ومواردنا البشرية لخدمة أهداف التنمية المستدامة والمندمجة في القارة الإفريقية” (5) .
2)- التعاون الأمني:
في ظل التنافس الدولي المتزايد على القارة الإفريقية لما تمثله من أهمية جيوإستراتيجية واقتصادية متنامية، كان من الطبيعي أن تحظى القارة باهتمام خاص من الطرفين المغربي والصيني، وفي إطار العلاقات الثنائية المغربية الصينية تستحود قضايا الأمن والاستقرار بافريقيا على مكانة محورية من هذه العلاقات، بحكم حساسية هذه النوعية من القضايا للقارة الإفريقية، وذلك بسبب كُثرة الصراعات الداخلية والإقليمية بها، علاوة على تفاقم الأزمات الاقتصادية في العديد من دولها، جنبا إلى جنب مع ازدياد مشكلات الفقر وتراكم الديون الخارجية، وهي متغيرات لا تتسبب فقط في نشوب صراعات داخلية في العديد من الدول الإفريقية ولكن الأهم من ذلك أنها تعيق فرص التنمية والأمن والاستقرار في تلك الدول.
فرغم تطور العلاقات الصينية الإفريقية يبقى التحدي الأمني يطرح نفسه بقوة وآخرها كان مقتل ثلاث خبراء صينيين في هجوم إرهابي استهدف فندقا في العاصمة المالية في 20 نوفمبر2015
وتتركز جهود البلدين في مجال دعم الأمن والاستقرار الإفريقي من خلال:
– “حرص البلدين على المشاركة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في القارة الإفريقية حيث شارك الطرفين منذ الستينات في عدد من العمليات من هذا النوع عبر إرسال تجريدات عسكرية للمشاركة في جهود الأمم المتحدة لحفظ وإقرار السلام سعيا منهما للمساهمة الفاعلة في تسوية الصراعات وحل المشكلات المعقدة التي تعانيها إفريقيا” كان آخرها إرسال 700 جندي صيني إلى جنوب السودان.
– تعزيز علاقات التعاون العسكري مع دول إفريقيا باعتبارها إحدى أهم المجالات السياسية الخاصة بكل من المغرب والصين في علاقتهما بإفريقيا، لاسيّما مجالات تبادل التكنولوجيا العسكرية، والتدريب العسكري، والمساعدات العسكرية، حيث يقوم موقف الطرفين على أن التعاون مع الدول الإفريقية في هذه المجالات يزيد من قدرة الدول الإفريقية في مجالات حفظ الأمن والاستقرار، حيث منحت بعض الجيوش الإفريقية عتاد وأسلحة عسكرية، كما ساندت الصين حركات التحرر الوطني في العديد من الدول الإفريقية منذ خمسينيات القرن الماضي.
كما أن الصين “تؤيد الصين الجهود النشطة التي يبذلها الاتحاد الأفريقي وغيره من المنظمات الإقليمية والدول المعنية من أجل حل النزاعات الإقليمية و ستقدم المساعدات الممكنة في هذا المجال. وتحث مجلس الأمن الدولي بنشاط على الاهتمام بقضايا النزاعات في المنطقة الإفريقية والمساعدة على حلّها ، وتواصل تأييدها ومشاركتها في أعمال حفظ السلام الدولية في أفريقيا”.
– تنشيط التعاون بين الجانبين في مجال تبادل المعلومات واستكشاف طرق ووسائل أكثر فاعلية لتوثيق العلاقات في مجال مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة الصغيرة وتهريب المخدرات والجرائم الاقتصادية المتعددة الجنسية، باعتبار أن هذا النوع من التعاون أصبح يستحود على أهمية متزايدة على الساحة الدولية في مرحلة ما بعد هجمات 11 شتنبر2011 بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي دشنت الإرهاب كأبرز تحد للأمن والسلم الدوليين.
– “تعزيز التعاون مع إدارات الهجرة بالدول الأفريقية في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التنسيق وتبادل المعلومات المتعلقة بإدارة شؤون المهاجرين، وإنشاء آلية فعالة لتبادل المعلومات” (6) .
*مُمثّل الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين في المملكة المغربية ورئيس فرعه فيها ورئيس المركز الجامعي للدراسات الصينية المغربية في جامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، ورئيس منتديات اذاعة الصين الدولية ومجلة الصين اليوم في المغرب
هوامش:
ـــــــــــــــ
1ـ ((وثيقة سياسات الصين إزاء أفريقيا)) التي أصدرتها الحكومة الصينية في بكين بتاريخ 12 يناير 2006.
2ـ الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، بكين: الأحد 5 نونبر 2006.
3ـ ((وثيقة سياسات الصين إزاء أفريقيا)) التي أصدرتها الحكومة الصينية في بكين بتاريخ 12 يناير 2006.
4ـ الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالة الملك إلى قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي، بكين: الأحد 5 نونبر 2006.
5ـ ((وثيقة سياسات الصين إزاء أفريقيا)) التي أصدرتها الحكومة الصينية في بكين بتاريخ 12 يناير 2006.
6ـ ((وثيقة سياسات الصين إزاء أفريقيا)) التي أصدرتها الحكومة الصينية في بكين بتاريخ 12 يناير 2006.