الصّين الجديدة وجَديد طريقها المُستدام
موقع الصين بعيون عربية ـ
سليم السراي*:
بعد سنوات من الإذلال والاستعباد، والهيمنة الإقطاعية المَقيتة – التي كان الإنسان الصيني قد تحوّل في حقباتها الى مجرّد أداة إنتاجية للأجنبي، مُقابل ثمنٍ بخس – ، نهض هذا الإنسان، وتولّى بنفسه زمام المبادرة المستقلة لبلاده وإدارة دفّتها باقتدار، فظهرت إذ ذاك الصين الجديدة، الكبيرة والعظيمة.
لم تدم تلك السنين العِجاف والاستعبادية طويلاً، ذلك ان شوكة الإرادة الصينية لم تنكسر يوماً ولم تتراجع قيد أنملة عن هدفها التحريري. فمن جديد نهض العِملاق الصيني ليؤكد طبيعته الأسطورية الشمّاء. ففي الخطوة الاولى التي خطتها قدماً للامام، كان المناضل الصيني ثائراً ومِغواراً، إذ أنه حسب خطواته بدقة، فولدت في تلك اللحظة التاريخية موضوعة ومُقدّمة “الألف ميل”، التي غدت شهيرة تلف الكون بدروسها وعبرها النضالية، والتي تكسّرت عندها جميع القيود وتفتت مختلف الأغلال. في تلك اللحظات التاريخية انزاح الليل وسواده عن كاهل الامة الصينية، وبزغ فجر صباح جديد، بشّر مع خيوطه ضيائه الاولى عن حرية شملت الامة بأكملها، فقد تم أنذاك طرد ذاك النظام العميل للإمبريالية، نظام الاستبداد والتخلّف والعنجهية الذي قاده تشيانغ كاي شيك.
حينها، أُغلقت جميع المؤسسات الاستثمارية الاستعمارية، وتحوّلت جميعها لخدمة شعب الفقراء الثوريين، الشعب البطل الجديد، شعب الصين العظيم، الذي أطل من جديد على العالم مع كل إشراقة شمس جديدة. ولكي تترسخ أقدام الفقراء الثوار بالأرض والثورة، أقدام دولة الشعب بقيادة ذلك القائد الخالد العظيم ماو تسي تونغ وجيله، والذي تبعه الزعيم المفكّر دنغ شياو بينغ، مهندس الإصلاح والانفتاح، حتى كان بوسع الفقراء ودولتهم الفتية، التي قامت بسواعد قوى المسحوقين بالريف والمدينة معاً، أن تُرسي أولى لبنات النظام الاجتماعي العادل، بزحف مليوني بدأ يتصاعد ويتعاظم مع انتشار أخبار الثورة العظيمة، أخبار تحرير الانسان من أسار الهيمنة والاستغلال والإملاء، وبزخم وعَطاء ومسانِدةٍ شاملة من الفلاحين الكادحين الفقراء، في ثورة لكسر قيود استعباد أبناء الريف الفلاح، وأهالي المدن، بلا استثناء، من براثن وأصفاد الرأسمالية العميلة والبرجوازية المقيتة والطفيلية، والأصناف الرذيلة التي كانت تخدمها.
ثورة ماو تسي تونغ كانت ثورة الفقراء العظيمة، وقد قد ضمّت ووحّدت كل أطياف الشعب العظيم، فبدأت تؤتي ثمارها لصالح الإنسان والبناء والتحديث والتنمية وإجادتها كما لم يكن في تاريخ البشر. ولا بد من الإشارة هنا بشكل خاص لدور المرأة الصينية، التي تم تحريرها من رِبقة الظلم الاجتماعي والطبقي الذي ظلت ترزح تحته، فقد تجسّد تحريرها إلى الأبد، من قيود فعلية عديدة، ومنها ما كانت تتعرض له من ظُلمٍ لكرامتها وتحجيمٍ لدورها، وحتى لأعضاء جسدها. ومن الأمثلة على ذلك، تحجيم قدميها بهدف جعلها أداة طيّعة تخدم المُتعة واللّذة، وجليسة بيت، لا يحق لها أن تتمتع بأبسط أشكال الحرية الانسانية، ولا أن تشعر بإنسانيتها التي اغتصبها التخلف. ومن هنا، بدأ الشعب الصيني العظيم، مِن صغيره الى كبيرة، بالتواصل والتوحّد بقوة متعاظمة لبناء دولته الجديدة، ولتشييد وتأسيس حياته الجديدة، الرافضة قطعاً لكل أشكال الاضطهاد والاستغلال، فتكللت جهوده بالصين الجديدة عام 1949.
في سياقات التحرير الوطني وما بعده، نشأ في الصين الجديدة نظام يَحترم الانسان، ويرفض الاستغلال، ويَخضع لإرادة شعب الفقراء، دون الخضوع لذلك العهد البائد الذي ولّى إلى الأبد، عهد وعصر نظام الهيمنة البرجوازية الخائنة، وما خلّفه من عهود قامت على أساس النظام البيروقراطي التبعي المتحجّر.
لقد دقت ساعة الإرادة والشموخ، إرادة بناء مجتمع اشتراكي يَسعى إلى الرقي والتحضّر، مُجتمع مَبني على أساس النظام الإنساني، نظام واقعي جديد يسعى إلى توفير الرفاهية لكل أبناء المجتمع وطبقاته، ولكن عليه أيضاً مواجهة التحديات ومنها تحديات أعداء الأمس، أعداء التجربة الجديدة، أعداء ثورة الفقراء، أولئك الأعداء الذين لديهم الكثير من التجارب العميقة في التآمر والمناورة والالتفاف على الأنظمة الفتية الحديثة وتجاربها الفريدة والفتية بقواعدها الجديدة.
لقد وقف شعب الصين المتحرّر والعظيم، هذا الشعب الثائر بحيويتة النادرة في التاريخ، بوجه حركات الردّة والخيانة، وفي مواجهة النزعة الدكتاتورية، وهو تلكم الدّاء المتوقع لكل الثورات الفتية والتقدمية. الشعب الصيني حذّر من القوى الاستغلالية التي خسرت كل شيء بعد الثورة التي تكللت بالانتصار العظيم، انتصار نظام جديد لشعب عظيم فتي، يتعامل مع الحياة تعاملاً مختلفا، فهو لا يبحث عن هيمنة أو مستعمرات، ولا يتطلع لغزو بلدان أو شعوب هي مضطهَدة أساساً.
أفكار الثورة الصينية الفتية أنذاك، والمتواصلة سياستها ونهجها، تبقى رافضةً لكل أشكال هيمنة الأكثرية على الأقلية أو ما شابه، انها منظومة لا تؤمن بهيمنة قومية كبيرة على أخرى صغيرة، فهي أفكار شعب يضع نصب عينيه شِعار (دع مائة زهرة تتفتح)، ونظام بناء مجتمع حديث عادل، على أسـس إنسانية راقية ومتقدمة، وعلاقات المساواة الودية والانتصار لكل القضايا العادلة للشعوب المضطهدة، ومنها دعم نضال الشعوب الأفريقية، ومنها الشعب المصري الشقيق، ودعم القضية الفلسطينية، والانتصار لعدالتها.
ان هذه الأفكار هي التي نستمع إليها من خلال أثير القسم العربي للإذاعة الصين الدوليةCRI، فهي بالذات تلك الافكار التي ساندت كفاح الشعب العراقي نحو المستقبل المتحرّر، وساعدت بفعالية قضايا الشعوب لإنهاء التبعية الإمبريالية، وبناء مجتمع متحرّر من كل قوى الظلام والخوف، المجتمع الذي يكفل للجميع مستقبل الرفاهية. ولعلنا جميعا مقتنعون بأنه لا يمكن للشعوب أن تتحرر من أصفادها، أو تحافظ على استقلاليتها وقراراتها وظروف ومساعي تنميتها الاقتصادية والحضارية والإنسانية، إلا عن طريق واحد، يتعلق باستقلاليتها ووحدة صفوف شعوبها، المتطلعة للتحرر والتنمية والحياة الكريمة.
إن التغيّرات التي يشهدها عالمنا اليوم، تحتّم علينا متابعة الاستماع لأثير إذاعة الصين الدوليةCRI الكريمة التي تأسـست قبل75سنة، والتي يَحتفل القسم العربي فيها وأصدقاء هذا القسم، منذ عدة أيام والى اليوم، والى نهاية هذا العام، بذكرى تأسيسه ال59. إذاعة الصين الدولية صوت يَفيض بالدعوة للواقعية السياسية، وثبات التطلع نحو وحدة رصينة للشعوب المُحبة للسلام والتنمية والكسب المشترك، ومواجهة نزعة العنصرية والهَيمنة الإمبريالية وحِراب القوى الاستعمارية، التي يبدو أنها تسير في طريق الزوال، بعد أن تعزّزت فرص عالمٍ متعدد الأقطاب، وبروز قوى صاعدة نرجو أن تلتف حولها كل القوى المَحبة للإنسان وحريته، ليقف الجميع بوجه العولمة المتوحّشة التي تلغي خصائص الناس وثقافاتهم.
الصين الحديثة تتمتع بخصوصية عظيمة في تحريك الطاقات الفتية لدى الشعوب التي تتطلع للتحرّر والمجتمع الأفضل والحياة الفُضلى، وتناضل بهدوء وروية من أجل عالمٍ عادل وللوقوف بوجه توجهات الاستعمار الجديد، التي تبلّرت وظهرت إبتداء من حرب الخليج الثانية، إلى العدوان والاحتلال المباشر في أفغانستان، ثم غزو العراق، وما تبع ذلك من آثار نرى عواقبها اليوم في معظم مناطق العالم، وبالأخص منها الشرق الأوسط، والمعاناة القاسية المتواصلة لشعوبه.
الحكومة الصينية التي نبعت من صلب الشعب الصيني، وآمنت بالشعب أولاً وأخيراً، وسَعَت لترسيخ مكانة الصين ودفع تنميتها، وبناء حياة جديدة متحررة، مستقلة، ومتطورة، تسعى حالياً لتطبيق ونيل الأهداف الأكثر سموّاً فيما يتعلق بالإنسان باعتباره جوهر النضال الوطني، ومادته وهدفه في آن واحدٍ معاً، وترمي لنشر مفاهيم الصين وحِكمتها وحضرنيتها في التعاون المتساوي والمَثمر لكل الأطراف، فهي قد أعلنت على لسان الرئيس الحكيم والفذ شي جين بينغ في عام2013 عن مبادرة استراتيجية للحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21(إختصاراً: الحزام والطريق)، وهيّأت كل الإمكانيات المُتاحة لديها من أجل إنجاح المبادرة وتعزيز التعاون بين كل مَن يريد التعاون ومنه عالمنا العربي، الذي يَحتاج فِعلاً لمِثل هذه الفُرص.
ان علاقات شعوبنا مع الشعب الصيني ودية طيبة منذ القِدم، وعواطف شعوبنا هي كذلك طيبة وودية وتتطور بإتجاه الاذاعة الصينية وقسمها العربي، الذي تقوده حالياً باقتدار الاستاذة تساى جينغ لي/ سميرة المكرمة، وهنا نرى بأنه لا مندوحة عن دعم هذه المبادرة الصينية الاممية الجديدة ذات الاستدامة التاريخية(الحزام والطريق)، والعمل على الاستفادة الاقصى منها، وبأبعد قدر ممكن، وكذلك دعم الاذاعة وقسمها العربي، خدمةً لشعوبنا وطريقها ورسالتها الانسانية أولاً وأخيراً.
• كاتب من العراق وعضو في الهيئة الإدارية للاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين