علاقة متأرجحة.. مع إدارة مضطربة (العدد 45)
افتتاحية نشرة الصين بعيون عربية العدد 45
محمود ريا:
هبّة باردة، هبّة ساخنة.
هكذا تبدو العلاقة بين الصين والإدارة الأميركية الجديدة التي ما تزال طور التشكيل.
يجب أن لا يفاجئ ذلك المراقبين، فهذا الواقع ربما يرافق العلاقات بين الطرفين خلال السنوات الأربع المقبلة.
بدأ الأمر بالترحيب الصيني الحذر بانتخاب دونالد ترامب رئيساً، ومن ثم انتقل إلى توقعات المراقبين بأن ترامب أفضل للصين من منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. فجأةً، تعرضت “العلاقة الصينية ـ الترامبية” لصدمة كبيرة مع الاتصال الذي تلقاه الرئيس المنتخب من زعيمة تايوان “المتمردة” تساي إنغ ون، ومن ثم أتبعها ترامب بتغريداته المستفزة ضد الصين، والتي كادت أن تشكل ردود الفعل عليها في الإعلام الصيني تياراً هادراً يجرف العلاقات بين البلدين، وصولاً إلى دعوة بعض الصحف إلى تعزيز الميزانية العسكرية الصينية وتطوير المزيد من الأسلحة النووية في الفترة المقبلة.
كل هذا التوتر نفّسَهُ إجراءان “ترامبيان” مناقضان: دعوة إلى تحسين العلاقات مع الصين، وتعيين تيري برانستاد سفيراً لإدارته الجديدة في بكين.
لم يستطع الصينيون إخفاء سعادتهم بهذا التعيين، فالرجل معروف جداً في الأوساط الصينية، ومعلوم مدى حرصه على العلاقات بين واشنطن وبكين، ويتوسم فيه القادة الصينيون الكثير من الأمل في دفع هذه العلاقات قدماً إلى الأمام.
وبالرغم من علم القيادة الصينية أن السفير لا يمكنه أن يقود وحده قاطرة تحسين العلاقات، وأن القرار بهذا الموضوع يصدر من واشنطن تحديداً، وليس من السفارة الأميركية في بكين، فإن الإعلام الصيني كاد أن يصفّق لهذا التعيين، وهو يرى فيه خطوة من ترامب لا بد من أن يُشكر عليها.
والآن إلى أين؟
ينتظر الصينيون أن يروا ترامب داخل البيت الأبيض ليبنوا أسس العلاقات الجديدة مع واشنطن، وهم يقولون إنهم لا يعلّقون على شخصيات المسؤولين ولا على تصريحاتهم، وإنما فقط على أفعالهم، وهذا إذا كان هؤلاء في سدّة المسؤولية، فكيف إذا كانوا لا يزالون يحملون صفة “الرئيس المنتخب”.
من هنا كان رد الفعل الرسمي الصيني حذراً حتى اللحظة، ويتعاطى مع كل ما يقوم به ترامب بكل هدوء، والمسؤولون الصينيون يعلمون أن ترامب رجل أعمال، أي إنه رجل عملي، وهو بالتالي مؤهل للتفاوض مع الصين حول كل القضايا التي يمكن أن تشكل مجالاً للخلاف بين البلدين.
يضاف إلى ذلك أن ترامب ما يزال مبتدئاً في السياسة ـ كما يراه المسؤولون الصينيون وكما هو في الواقع ـ وبالتالي لا ينبغي التوقف مطوّلاً عند تصريحاته وتغريداته وتحركاته، إلى أن يتمّ تشكيل إدارته الجديدة، والتي يبدو الجسر الأول فيها نحو الصين متيناً جديداً، من خلال تعيين برانستاد سفيراً في بكين.
كذلك، فإن تصريحات ترامب حول الانسحاب من استراتيجية آسيا والمحيط الهادئ “الأوبامية” ومن منطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادئ هي فرص كبيرة للصين من أجل تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في جنوب شرق آسيا.
إذا كانت علاقة ترامب بالصين الآن هي علاقة متأرجحة وملتبسة، فإن الفترة المقبلة ستجعل القيادة الصينية تحدد المسار الذي يجب أن تعتمده في العلاقة مع هذه الإدارة الأميركية التي يصفها الكثيرون من المراقبين بأنها ستكون إدارة مضطربة غير متماسكة.. وربما غير متّزنة.