ترامب والصين: صراع بين عالمين (العدد 45)
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
فوز دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الامريكية، لم ولن يكون مشكلة لأية دولة في العالم، ناهيك عن الصين. فالصين دولة جبارة وقوية، ضخمة الموارد وهائلة السكان، وذات قرار سيادي وصاحبة فلسفة استقلالية، كما أنها لا تخنع ولا تخضع لأحد. وبالطبع، لا ترضى لنفسها المهانة، وكما كانت ستكون على أهبة الاستعداد لإتخاذ القرار المناسب للحفاظ على مصالحها وسيادتها ومستقبلها، ووضعها الآسيوي والعالمي.
لقد شهدنا قبل أيام خطوة أمريكية ذات دلالات سلبية كبرى. فقد بدأ “الرئيس” ترامب وقبل تتويجه، بإغضاب جمهورية الصين الشعبية، فقد شرع باستخدام الجزيرة الصغيرة وغير الوادعة والتي هي في حقيقة أمرها قاعدة عسكرية أمريكية، ليبيح لنفسه ما لم ولا يبيحه أحد غيره، وهي رسالة مباشرة بأنه صاحب توجهات رأسمالية – إمبريالية وتوسعية بحت على حساب الصين، وعلى حساب الدول الأخرى، ومنها سورية بالطبع. فترامب لم يخفِ مساندته للاحتلال الصهيوني وعداءه للمسلمين والدولة الفلسطينية وشعبها، أي أنه قد أعلن بلا مواربة عن حقيقة “برنامجه السياسي” الدولي على الملأ، ووضع حداَ للتكهنات الكثيرة حوله.
أرى أن مسارعة ترامب للإعلان عن برنامجه السياسي العدواني بتوظيف فرموزة كرأس حربة لطعن الصين في خاصرتها، هو تحدٍ علني للصين التي هي قوة ما فوق العظمى، وسلوك يَشي بأن الولايات المتحدة تريد أن تؤكد نفسها من جديد في عهد ترامب قوةً عظمى لم تتراخَ ولم تخُر قواها، وبأنها ما تزال تستطيع “الاستيلاء” على الصين الكبرى والعالم، مُتدثّرة بقواعدها العسكرية في أقاصي الأرض، ومنها فرموزا، لتقفز نحو البر الصيني بمقويّات تحقن نفسها بها على شاكلة القوة العسكرية تارة، ومجاميع الإرهابيين الدوليين تارة أخرى، وفي سعي لقلب الأنظمة بثورات ملونة، وتشديد محاربة الصين والدول الصديقة لها إقتصادياً، وإنهاكها إعلامياً، وصولاً الى هدف إعادة إخضاع كل العالم لواشنطن.
ردّ الصين كان قوياً حين رفع المندوب الصيني في مجلس الأمن يده معلناً “فيتو” حكومته ضد مشروع قرار غربي حول ما يُسمّى بهدنة في حلب. فقد كان ذلك الـ”فيتو” يُشكّل نصف رأي البشرية على الاقل، وإرادتها ورغبتها وأُمنيتها التحررية. فهو “فيتو” ثنائي صيني – روسي، له صيغة وصبغة التحالف الإستراتيجي المشترك والعميق الذي لا يتحلّل، بل أنه يتعمّق بوجه إستكلاب وتوحّش الولايات المتحدة على الدول الأخرى..
لقد كان الفيتو لطمة قوية على وجه البيت الأسود بالذات، كزعيم عالمي للبيوتات السياسية التابعة، ذلك أن ترامب وإدارة اوباما الحالية قد تعاونوا ونسقوا مع مجاميع المخابرات والاستخبارات والحكومات الامريكية والغربية، لصياغة مشروع البيان الأممي الفاشل، الذي يُعبّر بجلاء عن جلّ مصالح الولايات المتحدة التي سيُعلن عنها ترامب بعد أيام قليلة.
من السخف الاعتقاد أن ترامب سيُشكّل نهجاً جديداً لأمريكا، وبأنه “غورباتشوف أمريكا”، و/أو سوف يُعدّل في السياسة الامريكية، لأنها سياسة لا يَصيغها شخص واحد أحد، على مِثال العديد من الدول العربية والثالثية.
السياسة الامريكية هي تطبيق لنهج مُحدّد لمؤسسات أمريكية كثيرة، ترى في تفعيلاتها خدمةً للمصالح التوسعية على وجه الحصر، وبضمنها خدمة أمثل للمَجمع الصناعي – العسكري الامريكي المُسيطر على 80-85 بالمئة من الانتاج الصناعي الامريكي، والذي يَحتاج حالياً بالذات، إلى حروب كبيرة للحفاظ على مكانة واشنطن في العالم، وإخضاع عشرات الأنظمة للبيت الأبيض ورساميلها.
مكانة أمريكا – الزعيمة تتواصل فقط من خلال واردات النفط المجانية، وبطش “الإدارة” بالآخر الإنساني، وتسويق الدولارات الورقية البالية غير المدعومة بالذهب، وما قانون “الحرب المستمرة” الباطشة بالآخرين والمُرهب للعالم سوى أحد الاسباب التي تـُبقي أمريكا “حيّة تـُرزق..
لذا، ولأسباب لا تتسع المقالة إليها، آسف للقول، بأن الصين وحلفاءها سيواجهون سياسة ترامب الأشد هيجاناً، لأنها تعبير عن متطلبات المجاميع المختلفة التي ستضع أمامه برنامجاً توسعياً، سيُشكّل عاصفة هوجاء أشد رجعية وعدوانية، وتتسم بالحماقة، وتعكس في حقيقتها تراجع السطوة الأمريكية على الشعوب، لكنني أثق بأن هذه العاصفة ستكون غثبرة في فنجان!
*رئيس الإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين.
** المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“