ترامب خَير مُمثِّلٍ للاستراتيجيةِ الأمريكية! (العدد 50)
نشرة الصين بعيون عربية ـ
مروان سوداح*:
في الاستراتيجية الأمريكية عموماً، واستراتيجية الرئيس الجديد المُنتخب دونالد ترامب، تأكيد عَظمة ونفاذ الولايات المتحدة الأمريكية في جميع أقاليم الأرض، وسطوتها على مختلف الدول والمنظمات والشخصيات.
ومن الطبيعي بأنه لا يمكن أن تتم ترجمة فعَّالة وفِعلية لهذا النهج بالتصريحات المَعسولة والتمنيات، إنما بالقوة العسكرية الضاربة والطغيان والعدوان العسكري والاقتصادي والعقوبات المفروضة على الدول الأجنبية الكبرى، غير الموالية للولايات المتحدة، وفي قدمتها جمهورية الصين الشعبية وروسيا الفيديرالية وجمهورية إيران الإسلامية..
ترامب يُمثّل الطُغمة الرأسمالية الأعلى والأشرس في بلاده، ومن الطبيعي أن يَسعى الى تأكيد نفاذ الشركات الاحتكارية وتغلغلها في مختلف مفاصل الدول الاجنبية وإقتصاداتها، ووسائل الإعلام الأمريكية والأجنبية، ومصادرة قراراتها السيادية واستقلاليتها، ذلك أن هذه أيضاً وعلى شاكلة شركاته هو الخاصة، تشارك بفعالية في رسم الاسترتيجية الكونية الأمريكية.
ولترجمة سياساته إلى واقع من خلال إدارته السياسية الجديدة، المترابطة عُضوياً بنهج ثابت للولايات المتحدة منذ تأسيسها، لجأ ترامب الى عدة خطوات لضمان نفاذ قراراته، منها استبدال مُمَثّلي ومدراء المؤسسات والوزارات الأمريكية الموالين لباراك أوباما وحزبه بآخرين من الجمهوريين، الأكثر قُرباً منه وإخلاصاً له، ومن ضمن هؤلاء السفراء ومدراء الأجهزة الأمنية.
هذا الوضع الناشئ حالياً في أمريكا يَشي حتى الآن بنجاح ترامب في تفعيل برنامجه السياسي، الذي هو استراتيجية أمريكية تقليدية، سيّما بمزيد من التحالف العلني والفعلي مع فرموزة – الجزيرة الصغيرة المُنشقّة عن الصين والمتحفّزة للمواجهة معها عسكرياً وسياسيا ـ وتصعيد التحالف الاستراتيجي مع قوى الظلام والعدوان في العالم، ما يَكشف عن أن السياسة الامريكية لم ولن تتغير في جوهرها بتغيّر وجوه الرؤساء الأمريكيين.
ومن الطبيعي كذلك أن يَصطدم ترامب بالوقائع السياسية الدولية التي لن يكون من السهل عليه تليينها أو إلحاقها بواشنطن لمجرد رغبته بذلك.
كذلك فإنه سيُوَاجَه بصلابة النهج السياسي للصين الشعبية واستثماراتها الضخمة في الخزينة الامريكية ومكانتها العالمية. فالصين لا تَخشى تهديداته ومناوراته الهادفة أولاً إلى نيل تأييد الامريكيين في مواجهة غير الامريكيين.
لكن من الواضح لي كمُحلّل بالشأن الصيني، أن علاقات أمريكا – ترامب لن تكون سلسلة وليّنة مع الصين ولا جيدة مع قيادتها السياسية الحازمة، وسوف تتسم بالكثير من الابتزاز والمواجهة والشد العكسي الأمريكي للصين، سيّما محاولته إلحاق القارة الصينية بالركب الأمريكي إقتصادياً وسياسياً ودولياً.
وفي هذا الوضع المعقد، قد تنشأ خطورة مباشرة على أمن الصين واستقراراها، بتصدير مزيدٍ من الارهابيين إليها، وتفعيل عمليات المتطرفين على أراضيها، وتسمين (“المعارضة!” الصينية”) بمزيد من الدعم المالي والمعنوي والإعلامي والتسليحي، وجرّ اليابان وبلدان آسيوية أخرى لتوتير علاقاتها بالصين، بهدف استكمال حصارها من شرقها، وإنهاكها في غربها الجغرافي، والتأثير بالتالي على قراراتها ومكانتها الاقتصادية داخل الصين وخارجها، فإفساح المجال للشركات الأمريكية الكبرى، كما يرى، في منافسة الاقتصاد الصيني عالمياً والحلول محلّه في مكانته الأولى، بعدما تراجع زخم التصدير الامريكي كثيراً أمام الاندفاعة الصينية السريعة وإصرارها على فرادتها العالمية.
قد يقول قائل، بأن السياسة الامريكية رضيت بصين واحدة منذ 1979، لكن في حقيقة الأمر لا يَتعدى ذلك الإطار العلني والبروتوكولي. إذ إن واقع العلاقات الأمريكية التايوانية يَكشف عن أن واشنطن ما تزال تعترف بتايوان دولةً صينيةً، وتقدّم إليها مختلف صور الدعم والمؤازرة، بما في ذلك عسكرياً ولـ”حماية” أمنها بمرابطة القواعد الحربية الامريكية فيها.
أضف إلى ذلك، حقيقة الاعتراف الفعلي من جانب حلفاء أمريكا الغربيين والثالثيين بتايوان. وهنا أيضاً، لا أرى وجود أي تعارض على الأرض في سياسات الإدارات الامريكية تجاه الصيـن وتايــوان.
فأمريكا كانت وستبقى ضامنة لـ “فرموزة أمريكية” ومعادية للصين الاشتراكية وحزبها الشيوعي الباني وتماسكها الداخلي وهيبتها الآسيوية والدولية وتطلع الشعوب بشغف لدراسة مِثالها الاقتصادي والسياسي الناجح.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.
**المقال خاص بنشرة ”الصين بعيون عربية“