ربيع الشباب لحضارة عريقة (العدد 51)

افتتاحية العدد الوحد والخمسين من “نشرة الصين بعيون عربية” ـ
محمود ريا:

يأتي عيد الربيع مرة أخرى، والأمة الصينية في ذروة جديدة من ذرى تقدمها ورقيّها.
هي أمة ضاربة جذورها في التاريخ، ولها من العمر آلاف السنوات، ولكنها تعيش في كل عام مع عيد الربيع انطلاقة جديدة، لتكون أكثر شباباً وأقوى حضوراً على مستوى العالم.
من أين يأتي هذا الريعان الدائم؟
هو مزيج من أفكار ثابتة في تطورها، وتاريخ مشرق في استمراريته، وأجيال وراء أجيال من الشباب المبدع الذي لا تحد أفكاره حدود، وتسيّر أموره قيادة تتجدد دائماً، محافظة على إرث الماضي، ومتطلّعة دائماً إلى المستقبل.
وفي قلب كل هذا التواصل في المسلسل الزمني اللامتناهي، تقف النواة، التي تجعل من الصيني منتمياً، مرتبطاً بما سلف، ومشاركاً في صنع ما سيأتي: الأسرة. فالأسرة تبقى الجامع الأكبر للصينيين، والركيزة التي تستند إليها مسيرتهم المعطاءة على مدى القرون. ومن أجل ذلك يرى الكثيرون أن هذا العيد ـ الذي يرمز إلى انطلاق دورة الحياة عاماً بعد عام ـ هو في حقيقته عيد الأسرة.
ولأنه كذلك، ولأن الصيني يرى في الأسرة شيئاً أساسياً في حياته اليومية، سواء كعائلة صغيرة، أو كسلالة ممتدة عبر الأجيال، تبدأ مسيرة الحراك على مدى أيام عطلة عيد الربيع باتجاه الأسرة في مكان وجودها، ولو كان هذا الوجود على بعد آلاف الأميال.
ومع الانتقال إلى الأسرة يكون إحياء هذا العيد معها بأبهى صور الاحتفال، وبسخاء كبير لا يعترضه أي تقتير، لتكون هذه الأيام محطة استراحة نفسية وجسدية كبيرة للمواطن الذي يعود ـ بعد عطلة تتراوح أيامها بين الأسبوع والشهر ـ إلى عمله مفعماً بالنشاط والإيجابية والروح المعنوية المرتفعة، فتنطلق عجلة الإنتاج، وترتقي البلاد أكثر فأكثر.
إنها الصين العظيمة، الأمة التي تعيش شبابها ربيعاً دائماً لا يعرف الأفول، وترى نفسها “الأمة الوسطى” (كما يدلّ معنى اسمها) بحيث أنها تقف في مركز الأرض، وكل العالم يدور حولها. وهي ـ بربيعها ـ تسير إلى هذا الهدف ببطء وبثقة، وبأمل كبير بمستقبل مقبل، ولا يعتري أهلها أي شك بهذا المستقبل.