واشنطن تطلب من المسؤولين السودانيين عدم زيارة الصين؟
صحيفة الصيحة السودانية ـ
الخرطوم: الطيب محمد خير:
فاجأ وزير الدولة بالمالية (السوداني) د. عبد الرحمن ضرار الحاضرين في ندوة “مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية بعد رفع الحصار الاقتصادي” نهاية الأسبوع المنصرم، بإزاحة الستار عن شرط أمريكي للمسؤولين السودانيين بعدم زيارة الصين – على الأقل- في فترة الستة أشهر الممنوحة من قبل الإدارة الأمريكية قبيل الشروع في رفع تام للحظر.
ضرار أطلق على مهلة الـ (180) يوماً (فترة الخطوبة)، وقال ضرار صراحة: (قالوا لينا في فترة الخطوبة إياكم وزيارة الصين)، مقراً بأن خشية الولايات المتحدة من التغلغل الصيني في أفريقيا كان سبباً مهماً في رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بصورة جزئية شهر يناير المنصرم، لا سيما والسودان يعد معبراً للعمق الأفريقي جنوب الصحراء.
الصين في السودان
اللافت أن التحذيرات الأمريكية للمسؤولين السودانيين الكبار بعدم الاتجاه شرقاً وتحديداً نواحي الصين، تكشف الخوف الأمريكي من قوة الصين الاقتصادية والسياسية وما يستتبع ذلك من نفوذ عملي في القارة الأفريقية على حساب أمريكا التي يتضاءل اهتمامها بالقارة السمراء لصالح قضايا تتصل بالأرهاب والأمن القومي.
وبالعودة للتوسع الاقتصادي الصيني في السودان الذي يقدر الآن بنحو (13) مليار دولار نجده بدأ في العام 1989 بإعلان الحصار الغربي على السودان في بواكير الإنقاذ التي قابلت دخول الصين بالترحاب لحاجتها لحليف بقوة الصين الناهضة، يساعدها على مواجهة القوى الغربية، وفك العزلة المفروضة على البلاد بداية من العام 1997م، وبالفعل تعزز الوجود الصيني في السودان وتولت الشركات الصينية استخراج النفط السوداني عام 1995 ما أسهم في تعويض السودان ما فقده من موارد مالية، بعد خروج شركة شيفرون النفطية الأمريكية نتيجة ظروف سياسية وأمنية.
وأسهم دخول الصين في السودان من تحسين الدخل القومي، خاصة بعد مد الخط النفطي الثاني عام 2006، لنقل النفط الخام السوداني إلى الموانئ النفطية بالبحر الأحمر، وتمكين السودان من تصدير نصف مليون برميل يومياً من صادراته النفطية، وما تلى ذلك من توسع صيني في مجالات أخرى، مثل تشييد سدود الماء والطرق والجسور والسكك الحديدية، ومكّن ذلك الخرطوم من الاستغناء عن الولايات المتحدة والبنك الدولي وأصبحت الصين أقوى حلفاء السودان لعدة اعتبارات أهمها أنها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة ولا تتدخل في الشؤون الداخلية ولا تربط استثماراتها بالشروط المسبقة، وبذلك فقدت أمريكا كل شيء في السودان بعد دخول الصين، رغم محاولاتها العودة إلى السودان باتخاذها عدة إستراتيجيات، منها فرض عقوبات اقتصادية شاملة عليه بتهمة الإرهاب.
الحنين القديم
جاء حديث وزير الدولة بالمالية، عبد الرحمن ضرار في توقيت تتجه فيه الأنظار نواحي معرفة الوجهة المقبلة للعلاقات السودانية الصينية في مقابل التحول المفاجئ في العلاقات السودانية الأمريكية خاصة بعد الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، وسلط حديث الوزير حديث الوزير النور على بعض من الأشراط الأمريكية المتعلقة بالعلاقات الصينية في وقت يدور صراع علني وخفي بين القوتين الأمريكية والصينية على الموارد الأفريقية عامة والسودانية خاصة التي تعبرها أمريكا أهم مناطق نفوذها.
سوء توقيت
ما إن كان تصريح د. عبد الرحمن مؤشراً لتراجع الدور الصيني في السودان قال الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام بوب لـ “الصيحة” إنه ما كان على وزير الدولة بالمالية – بصفته الحكومية الرفيعة- إطلاق هذا التصريح الناري في هذا التوقيت، مؤكداً أن الوجود الصيني في عموم أفريقيا والسودان أمر ظل غير مرحب به من قبل الولايات المتحدة والسوق الأوروبية المشتركة كجزء من أهم مناطق النفوذ الغربي، وذلك باعتبارها مستعمرات سابقة وأسواق مستقبلية، ولذلك هذا جزء من الإستراتيجية الأمريكية لإيقاف التغلغل الصيني .
ارتباط
قطع الخبير الاقتصادي د. النعيم على جرقندي، بأنه بعودة العلاقات السودانية الأمريكية لن تكون نهاية للعلاقات السودانية السودانية الصينية لجهة أن الصين لديها مصالح اقتصادية واسعة في السودان بمشروعات كبيرة، وكذلك السودان عليه التزامات للصين، وأضاف جرقندي لـ “الصيحة” بأن السودان يعلم تماماً الفوائد التي جناها من وقفة الصين معه في المنابر الدولية.
واستغرب الشرط الأمريكي بإبعاد السودان للصين وأكد جرقندي أن وجود شرط من هذا القبيل يظل موضع شك لعدم إمكانية حدوثه في العلاقة بين الدول ورجح أن تمضي العلاقة متوازنة مع الولايات المتحدة دون فقدان العلاقة مع الصين، قائلاً إنه ليس من الحكمة في شيء أن يخاطر السودان بمستقبل علاقته مع دولة وجد منها السند في أشد الظروف لأجل أمريكا بسياستها المتقلبة، وإن عاد ونوه إلى الحظوظ الوفيرة التي يمكن أن تعود للخرطوم من علائقها بواشنطون.
وختم جرقندي حديثه مشككاً في التحذير الأمريكي للمسؤولين السودانيين الكبار بعدم السفر إلى الصين الذي أورده وزير الدولة في حديثه بأن يكون أحد الشروط التي قطعت بها أمريكا في اتفاقها مع السودان لرفع العقوبات عنه، جازماً بأن أمريكا لا تستطيع أن تملي على السودان ما تريد الآن، وقد فشلت في ذلك منذ عقد التسيعينات.
استحالة
بدوره قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير باستحالة أن ياتي طلب أمريكي بمنع المسؤولين السودانيين من السفر إلى الصين مضيفاً أن إصلاح العلاقات السودانية الأمريكية على حساب العلاقة مع الصين يمثل خطأ استراتيجياً كبيراً مشيراً إلى أن بروز هذا الاتجاه يأتي خلافاً لما أكده وزير الخارجية بروفسيور إبراهيم غندور في مؤتمر صحفي عقب قرار رفع العقوبات، وقال فيه إن تعامل السودان مفتوح مع جمع الدول، مبيناً أنها الرسالة الصحيحة.
واعتبر الناير في حديثه مع “الصيحة” حديث وزير الدولة بالمالية ضرار بأنه حديث غير موفق إن كان أورده بهذا السياق، مبيناً أن الحديث من هذا النوع مقبول، أن يقول به الخبراء لكن أن يقول به وزير عن فترة خطوبة مقرونة بحديث عن تحذير أمريكي للمسؤولين (إياكم وزيارة الصين). وزاد: لدي شك في أن يقول مسؤول هذا الحديث لأنه تصريح غريب في مضمونه وتوقيته خاصة وأن السودان لديه ارتباطات كبيرة بالصين وعليه أن يحافظ عليها، وكذلك مع روسيا وماليزيا وألا يكون التعامل مع أمريكا والغرب على حساب هذه العلاقة، مضيفاً أن أكثر ما يميز تعامل الصين مع الدول تعلي من شأن عدم تدخلها في الشأن الداخلي للدول، وهذا سبب نجاح علاقتها التجارية مع الدول، على العكس من أمريكا التي ظلت تتدخل في الشأن الداخلي للدول، وهذا ما جعل النموذج الأمريكي غير مرحب به في أفريقيا .
يذكر أن “الصيحة” تمتلك تسجيلاً صوتياً لكامل الندوة التي استضافها مركز دراسات المستقبل، وورد فيها حديث الوزير ضرار.