تقرير: ثلاثة احتمالات في مسار القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية
كتبت فو يينغ رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب الصيني الى مؤسسة بروكينغز في واشطن ورقة استراتيجية بشان المسألة النووية الكورية بعنوان “القضية النووية الكورية: الماضي والحاضر والمستقبل ـــ من المنظور الصيني”في محاولة لشرح أصل القضية للدوائر السياسية الامريكية والعالمية بعد تصاعد في حدة التوتر الذي تشهده شبه الجزيرة الكورية في الآونة الاخيرة. وقد تناولت الورقة تاريخ القضية النووية في كوريا الديمقراطية والجهود الدولية المبذولة وتقديم بعض التوجهات لصناع القرار. كما أجابت فو يينغ في الورقة على السؤال الذي يطرح باستمرار من قبل الكثيريين في المجتمع الدولي، “لماذا لا تتحمل الصين المزيد من المسؤولية للسيطرة على كوريا الديمقراطية؟”
واشارت فو يينغ الى أن الصين ترأست المفاوضات المتعددة الاطراف منذ أن طلبت منها الولايات المتحدة التوسط في القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية عام 2003. وتعتقد فو يينغ أن عام 2003 نقطة تحول في القضية النووية الكورية ، لان آلية تسوية دولية متعددة الاطراف ولدت مع بداية الوساطة الصينية في هذا العام التي تعتبر ذي اهمية مشتركة لجميع الاطراف. وقبل ذلك، كانت القضية النووية الكورية مقتصرة في محادثات ثنائية بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقرطية.
وذكرت الورقة أن الصين تحملت المسؤولية كاملة في مطالبة كوريا الديمقراطية بوقف البحث والتطوير النووي الواضحة، وحث الاطراف الاخرى لا سيما الولايات المتحدة التركيز على الشواغل الامنية المشروعة طرحتها كوريا الديمقراطية، وتشجيع الاطراف على التوصل الى سلسلة من الاتفاقات، بالرغم من الصعوبات والانعطافات المستمرة في عملية التحول من المحادثات الثلاثية الى المحادثات السداسية. كما أكدت فو يينغ بأن الصين وفت بمسؤوليتها باستمرار ، وفي الوقت التي بذلت فيه الجهود الحميدة للوساطة، شاركت ايضا في فرض العقوبات على الانشطة النووية الكورية الديمقراطية وفقا لقرارات الامم المتحدة.
لكن، الصين لا تملك السلطة القسرية لتحث الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية على تحمل مسؤولياتهما. وبمعنى آخر، إن الصين لا تمتلك مفتاح حل القضية النووية الكورية، ولا مفتاح المساومة لاقناع كوريا الديمقراطية بوقف برنامجها النووية.
وترى فو يينغ أن الاختلاف التام في النوايا الامريكية والكورية أدى الى دخول الازمة النووية في شبه الجزيرة الكورية في أزمة. كما تسبب عدم الثقة المتبادلة بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية في عدم تنفيذ نتائج المفاوضات لسنوات. كما أن الولايات المتحدة التي تعتبر مصدر تهديد بالنسبة لكوريا الديمقراطية ترفض التفكير في المطالب الامنية التي طرحتها الاخيرة كشرط رئيسي لحل القضية النووية .
“لماذا بلغت الامور الى هذا الحد؟ لماذا غابت مرارا وتكرارا فرص نجاح محادثات السلام؟” .استعرضت فو يينغ عملية تحويل المحادثات الثلاثية الى المحادثات السداسية ومن ثم فشلها في السنوات الاخيرة. كما تناولت فو يينغ في الورقة بعض خبراتها في المحادثات النووية باعتبارها احد المسؤولين الصينين الكبار، وما يقرب 40 عاما من الحياة الدبلوماسية. وتتطلع الى أن يفهم المهتمون بالقضية النووية الكورية خصوصيات وعموميات القضية من خلال قراءة الادلة التاريخية، ودور الدول ذات الصلة، وتقديم الخبرات لخدمة اختيار الأطراف الخيار الأحكم في المستقبل. وذكرت: ” يجب ايجاد مفتاح لفتح قفل صدأ القضية النووية الكورية “.
واشارت فو يينغ الى ثلاثة احتمالات في مسار القضية النووية الكورية:ـ
الاحتمال الاول، استمرار دوران القضية في حلقة مفرغة ” العقوبات ـ اختبار ـ ثم العقوبات ـ إعادة الاختبار “. وقد عمل هذا الوضع على اطالة القضية النووية الكورية، وأدى الاستمرار في فرض العقوبات الى تحفيز كوريا الديمقراطية على تكرار التجارب النووية التي قد تحقق ” نقطة حرجة ” في التطور التكنولوجي. وتسائلت فو يينغ عن المعضلة التي تواجهها الاطراف التي ترفض امتلاك كوريا الديمقراطية للاسلحة النووية: التدابير المتطرفة التي تؤدي الى نتائج لا يمكن السيطرة عليها، أو التسامح مع كوريا الديمقراطية تمتلك الاسلحة النووية؟
الاحتمال الثاني، انهيار النظام في كوريا الديمقراطية. وتشير الورقة الى أن هذا الوضع الاكثر توقعا في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ولكن الحقيقة أنه خلال السنوات الاخيرة، تشهد كوريا الديمقراطية مرحلة الانتعاش في الاقتصاد الزراعي المحلي، وتحسن في معيشة الشعب مقارنة مع الفترة الصعبة الماضية. ويركز كيم جونغ أون منذ أن اصبح زعيم كوريا الديمقراطية على تحقيق الاستقرار على الرغم من السياسة الداخلية لكورية الديمقراطية والاداء الهجومي الخارجي، ولكن يخشى أن حل القضية النووية بانهيار النظام صعب تحقيقه على المدى القصير.
الاحتمال الثالث، استئناف الحوار والمفاوضات الجدية للتوصل الى حل القضية النووية. وينبغي الاعتراف بأن إعاة تشغيل الحوار ليس سهلا، لان عدم الثقة بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية بلغ المستوى الأعلى على مدى سنوات، كما أدى تقلب المحادثات السداسية حتى تراجعها الى إضعاف الثقة بين الاطراف أيضا. إلا أن التجارب السابقة أثبتت بوضوح فوائد الحوار: أولا، يمكن للحوار تحقيق استقرار الوضع النووي لكوريا الديمقراطية، وتهيئة الظروف من أجل حل المسائل ذات اهتمام الأطراف؛ ثانيا، الحوار هو السبيل الوحيد المؤدي الى الاتفاق.
خلصت فو يينغ في الورقة الى أنه في ظل قضية شبه الجزيرة الكورية، مصلحة الصين في ضمان نزع السلاح النووي ومنع تدمير البيئة السلمية في شمال شرق آسيا وآسيا والمحيط الهادئ. وتكمن مسؤولية الصين في لعب دورها الايجابية لتحقيق هذا الهدف عن طريق سلمي والتوصل الى اتفاق سلام في شبه الجزيرة، وخلق البيئة الاقليمية السلمية والمتعاونة مع جميع الاطراف. وفي الوقت نفسه، يجب على الصين أن توقف بحزم الاضطرابات ونشوب الحرب في شبه الجزيرة. إن الخروج من “الحلقة المفرغة ” و”العقدة الميتة” للوضع الامني في شمال شرق آسيا وتجنبها من أن تصبح ” غابة مظلمة” وتحقيق الامن والسلام في المنطقة لن يكون إلا من خلال التمسك بالحوار .