جوهر الإصلاح في المؤتمر 19 للحزب
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
المُلاحظ، أن الخصائص الثقافية والحضارية والروحية المتراكمة في الصين على مر العصور والالفيات، تؤكد بمجموعها وبما لا يَدع مجالاً للشك، أن المؤتمر التاسع عشر الحزب الشيوعي الصيني الذي يتزعمه الرفيق القائد الحَكيم (شي جين بينغ)، يَضع ترتيبات دقيقة تتصف بالحصافة في القرارات والديمومة بما يَخص تجذير ومزيد من تصليب روافع الإصلاح السياسي والاجتماعي والتمسّك به لاحقاً، وتعميق الانتماء الحقيقي للخصائص الصينية للاشتراكية الماثلة، والتي إختطتها البلاد منذ حركة الاصلاح والانفتاح على يد الزعيم الحِراكي دنغ هيساو بينغ، في العام 1978م.
في ذلك العام وقبله، كنت شخصياً أتابع الحِراكية الصينية من خلال القسم العربي للإذاعة الصينيةCRI والمطبوعات الصينية القليلة التي كنت أبتاعها في مكتبات الاردن. كانت تلك الحِراكيات تنحى بإتجاه جديد يَضمن توفير القاعدة المادية والمادية الديالكتيكية للرخاء الاجتماعي الصيني المضطرد لمَجموع الصينيين الكُثر، والتي كانت إبتدأت تاريخياً بحرية التملّك في الزراعة والحصاد وبيعه للدولة ولغيرها بحصِصٍ محددة، وقد عمل ذلك على إنجاح نهضة واسعة في بلاد شاسعة، كان الزعيم ماوتسي تونغ قد قفز بها ومعها في مسيرة الألف ميل المجيدة الى إنجاز المراحل التاريخية الأهم في التحرّر من الهيمنات الأجنبية، وتحقيق الاستقلالية الناجزة على البَرِ الصيني الأُم، وبناء القوات المسلحة الضاربة، وإرساء القاعدة المادية – التقنية المُتحوّلة للصناعة، ووضع ركائز ثابتة وذات ديمومة إتّصفت بالتحديث المتواصل للاقتصاد والزراعة الجماعية، في بلاد عميقة التاريخ والنظام الدولتي والاختراعات. فالصين كانت تعاني من التأخّر والتخلّف بفِعِل النهم الاستعماري غير المحدود، وحروب الأفيون الإنجليزية والدولية، والعُسف المُسلّح الأجنبي الوحشي، وتقسيمه البلاد بين قوى متربولية إتفقت على التخلّص من الصين دولةً وشعباً، منها على سبيل المِثال لا الحصر، البرتغال وانجلترا.
وبفضل “الإصلاح والانفتاح” حركةً وإصلاحاً، أضحت الصين ثاني أكبر إقتصاد عالمي كامل القدرة، للانتاج والتصدير وتلبية المتطلبات والحاجات السلعية لأوسع الطبقات والفئات العالمية المُهمّشة وكذلك العليا. الى ذلك، غدت الصين خلال حقبة قصيرة في تاريخها الحديث، الدولة الاولى والأُعجوبة التي نجحت في ضمان الإيداعات النقدية العالمية الأضخم، وتوظيف الاستثمارات الفعلية المُنتجة، بخاصة في مجالات الصناعة الثقيلة وتلكم الصناعات الضامنة للاستقلالية الوطنية والتنمية في دول العالم الثالث النامي.
الصين هي أكبر دولة بعديد السكان، ويَبنِيها أكبر حزب في العالم يَصل عديد الأعضاء فيه الى نحو 90 مليوناً، لذلك تمكنت من تحقيق تقدم اقتصادي هو الأسرع والأمثل في التاريخ العالمي، وتنمية هذا الاقتصاد لغالبية دول العالم بقوى صينية خالصة، بما يُحقق تطلعات منظمة الامم المتحدة وتطلعاتها الدولية للتنمية والاصلاح، ويتماشي مع القانونين الدولي والانساني.
جوهر الاصلاح السياسي الصيني في المرحلة المقبلة هو غاية في التشعّب، لذلك يُمكن القول، أن المؤتمر التاسع عشر للحزب، سيُقر أهم القرارات وأكثرها مفصلية منذ نجاح حركة “الإصلاح والإنفتاح” الشهيرة، وينسحب اهتمام زعيم الحزب والحزبي نفسه الى حقول التنميات الروحية والثقافية للشعب الصيني، وتعزيز حركة المبادرة والأُولوية لديه، إذ أن المؤتمر سيُقرن التنمية والإصلاح الماديين بتقدم وتعميق مستويات ودرجات الوعي لدى المواطن الصيني نفسه، الذي يَحيا ليس في المدن وشرقي الصين وبكين وشنغهاي فحسب، بل وفي الأرياف القصية عموماً وفي غربي البلاد وأطرافها وأصقاعها البعيدة عن المركز السياسي والاقتصادي والصناعي، وضرورة الارتقاء بجودة الكوادر الحزبية والشعبية التي يجب عليها الارتقاء النوعي بالتنمية وجوهرها وأهدافها، والتي لن تتحقق ولن تؤتي ثماراً حقيقية بدون الانسان الصيني نفسه وانتاجيته المادية والروحية الوثّابة.. الانسان الصيني الواعي والواسع الأُفق، والمُكتمل والمتوازن في مختلف مَناحي التطوّر العَقلي الفكري والإجتماعي والمهني والطبقي.
…
*رئيس المجلس القيادي التنفيذي للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء الصين – الاردن.