“شِي”.. نَقلة عَسكرية لاَفتة وتحدٍ
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مَروَان سُودَاح*:
اللقاءات الأخيرة التي تم ترتيبها بعناية فائقة للأمين العام للحزب الشيوعي الصيني رئيس جمهورية الصين الشعبية، الرفيق شي جين بينغ، مع القوات المسلحة الصينية وفي مواقعها الميدانية، وبلباسه العسكري الكامل، وتأكيداته على قوّتها ورفعتها التقنية وجهوزيتها القتالية، والحديث عن الجديد القاصم حربياً في الانتاج التقني للمصانع العسكرية الصينية، إنما يَعني أن الصين تعرِض الى نقلة جديدة في مجالها العسكري والتسليحي، وتريد القول بشكل صريح ورسمي بأن البلاد باتت قوّة كبرى، تستطيع الدفاع عن نفسها وقصم ظهر العدو بقدراتها القتالية والفنية المحلية الأرفع.
ليس سراً أن القوات المسلحة الصينية، عملت خلال السنوات الأخيرة على تطوير نفسها بصورة حثيثة ومتسارعة في الجو والبر والبحر، وتمكّنت من اختراع وتصنيع أحدث الأسلحة الضاربة بأيادٍ وطنياً.
كذلك يبدو، أن القيادة السياسية الصينية تبتاع المزيد والمزيد من السلاح المُتقدّم من الحليف الروسي بالذات. وفي هذا السياق، تقول الصحافة الروسية أن قطارات مُحمّلة بالسلاح الروسي تسير متدثرةً بعتمة الليل عبر حدود البلدين بدون توقف، متجهة الى قطاعات عسكرية صينية، وهو ما يؤشّر الى تلّمس الصين مخاطر جديدة على أمنها الوطني وشعبها، وبالتالي تهديد تقدّمها الاقتصادي والاجتماعي، فتسعى ليس الى استيراد السلاح الضارب فقط، بل ولتصنيع سلاح وطني قادر على حماية الوطن ومكتسباته ورد المعتدي الذي يُلاحظ أنه يجمع قواه على حدود الصين من الشرق والجنوب والغرب.
ففي الجنوب والغرب تتكاثف عمليات تهديد الصين، ومحاولة أمريكا ترامب الفوز بِ “هارد لاند” أوراسيا”، حيث الخاصرة الضعيفة نسبياً لبلدان أسيا الوسطى السوفييتية سابقاً، والتي تعاني أنظمتها وشعوبها من استشراء الأمزجة الدينية والدينية – السياسية المتطرفة ونمو “الخشبية الدينية”، إن صح هذا التعبير المُنَاهِض للإنسانية برمتها، والمعادي للعيش المشترك لبني آدم.
ومِن المَخاطر الكامنة في آسيا كما يبدو، أنها بدأت تشهد تكوّن وتجمّع شتات الارهابيين منذ انفراط العقد السوفييتي، بجريرة “الإسلاموفوبيا” التي صّنّعَهَا الغرب في مختبراته السياسية وصدرها للعالمين العربي والاسلامي، بل وللعالم الاوروبي أيضاً. كما ونشهد اليوم بدايات العودة الجماعية للإرهابيين الدوليين الى تلك البلدان هرباً من القتال في سورية والعراق، حيث حسمت قوى المقاومة الاوضاع لجهة سيادة سورية والعراق على أراضيهما.
لقد رأينا كيف سارعت القوات الأمريكية التي تتزعم ما يُسمّى بالتحالف الدولي، إلى إنقاذ فلول تنظيم “داعش” والقاعدة ومجرميهما، بشحنهم على عَجَلٍ إلى أفغانستان. ويُقال أن واشنطن أرسلت أبو بكر البغدادي الى هناك أيضاً، برغم أن بعض الأنباء ترجّح وجوده في سيناء، بعدما تم علاجه من محاولة قتل تعرّض إليها بغارة للطيران الحربي الروسي!
إن مسارعة الجيش الامريكي بنقل الارهابيين على عجل من جبهات القتال في سورية والعراق، الى مناطق رخوة وضعيفة عسكرياً واقتصادياً، يؤكد تعاظم طمع أمريكا ترامب لتحقيق “نصر عسكري واقتصادي سريع وساحق” على دول عديدة غالبيتها إسلامية، يمكن ان يُعيد إليها ألق ضائع، ضمن مخطط أمريكي جامح لإفشال مبادرة الرئيس شي جين بينغ الحكيمة بنشر وإرساء طريق الحرير الجديد – “الحزام والطريق”، في أسيا الوسطى و”الهارد لاند الأُورواسية”؛ بإحداث جرحٍ عميق ودامٍ لا يندمل في خاصرة جنوب روسيا، لمنع العودة الى مَجد سوفييتي ولو بصيغة مُجدَّدة، وتجريد العلاقات الصينية – الروسية من تطلعات تستعيد صلادة العهد الستاليني الفولاذي المتضامن مع الصين، لا سيّما بعد الفوز المُنتظر والمضمون للرفيق فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، بمنصب رئيس روسيا في الانتخابات الرئاسية القريبة، فتخسر أمريكا منطقة القلب الأُوروسية الى الأبد، وهو ما لا تريده إمبريالية المَجمع الصناعي العسكري الامريكي وقادته الروتشيلديين والماسونيين و البيلدربيرغيين، الذين يجهدون اليوم من خلال عمليات مُتكاثرة ومُتضخِّمة لوقف عملية التغيير الصيني – الروسي المشترك والسريع للموازين الدولية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وصولاً من بيجين وموسكو الى تغيير سلمي وتدريجي لعَالمٍ بغير أمريكا ولإراحة طويلة للصين وروسيا، تترافق مع تحوّل العديد من دول أُوروبا الى المعسكر الصيني – الروسي ونحو منظمة “بريكس” – الآخذ تأثيرها ونفوذها بالتصاعد، بعدما فشلت أمريكا فشلاً ذريعاً بتفتيتها من داخلها أمام صلابة التحدي الصيني – الروسي المشترك للقائدين الفذّين “شي” و “بوتين”.
…
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميني والكتّاب العرب أصدقاء و (حُلفاء) الصين.
_ المقال خاص بالنشرة النصف شهرية لموقع الصين بعيون عربية.