زيارة قائد الجيش الصيني لاسرائيل .. ماذا بعد ؟
صحيفة دنيا الوطن الفلسطينية ـ
أسعد العزوني:
جاءت زيارة قائد الجيش الصيني الجنرال تشين بينغدي الى ” اسرائيل” ولمدة أربعة أيام التقى خلالها مسؤولين أمنيين اسرائيليين وحضر اجتماعات استراتيجية وأمنية عديدة اضافة الى مشاهدة عرض لتدريب الجيش الاسرائيلي ، جاءت مؤشرا لانعطافة خطيرة في العلاقات الصينية – الاسرائيلية ، وفي مرحلة يشهد فيها الوطن العربي حرائق سياسية تطورت الى انفجارات عسكرية ارتقت الى حروب أهلية ، وأظهرت صلابة في الموقفين الرسمي والشعبي ، لم نرها ابان الحروب العربية – الاسرائيلية التى فرضتها اسرائيل على الدول العربية وكانت تنتهي فعليا في سويعات .
ثمة من يقول أنني أحاول أن أعمل من الحبة قبة ، وأضخم الأمر ، لأن مثل هذه الزيارات عادية بين مسؤولي الدول ، لذلك لا داعي للتوغل في تقليب صفحات هذا الملف والتدقيق على محتوياته .
ربما كنت أميل الى مثل هذا الرأي لو لم يكن الأمر يتعلق بالصين واسرائيل ، ذلك أن العلاقات الصينية-الاسرائيلية خاصة في العقدين الأخرين باتت محط أنظار المراقبين والمحللين ، لما لها من خصوصية وأبعاد غابت عن صناع القرار العرب .
ما من شك أن الصين أختطت طريقها نحو القمة العالمية بديلا لأمريكا التى أربكت العالم في سياساتها الخارجية المتخبطة التى اعتمدت الغزو والاحتلال بدءا من أمريكا اللاتينية وانتهاء بمنطقة الشرق الأوسط، ولا يغيبن عن البال أن يهود أسهموا في دعم الصين للنهوض بهذه القوة ، رغم أن جهود الصين الذاتية كانت واضحة ومشهودا لها ، وتجلى بعض أوجهها في تنظيم مباريات كأس العالم ، التى أشرت بقوة على قدرة الصين على تجاوز الصعاب والتحديات وما أكثرها .
يهود وبذكائهم – وأعني يهود أمريكا – نسجوا علاقات قوية مع الصين وعرفوا احتياجاتها كدولة نامية لكنها صاعدة بقوة الصاروخ ، ودخلوها مستثمرين يمتلكون تقنية أمريكية دقيقة مسروقة بطبيعة الحال ، وثبتوا أقدامهم ، وضمنوا بذلك قوة عظمى بديلة لأمريكا تحميهم من غدر الزمان ، وهذا ديدنهم فهم من باع بريطانيا لصالح أمريكا ، وهاهم يبيعون أمريكا لصالح الصين .
تأتي زيارة قائد الجيش الصيني لاسرائيل صفعة اسرائيل قوية لأمريكا ، في وقت تشهد أمريكا أزمات داخلية وخارجية لا حصر لها ، وتهتك وضعها الداخلي الى درجة أن الكونغرس الأمريكي وجه مؤخرا دعوة لرئيس الوزارء الاسرائيلي نتنياهو دون اخطار صاحب البيت الأبيض الرئيس باراك أوباما ، وكلنا يتذكر خطاب الضيف الاسرائيلي العتيد أمام الكونغرس وتصفيقهم له 33 مرة ، معظمها وقوفا ، تقديرا وتعظيما له حتى عندما كان يشرب الماء .
ومن باب المقارنة ، فاننا ورغم رؤيتنا للعلاقات الصينية – الاسرائيلية ، وهي تتطور صعودا وبقيمة مضافة عالية ، نشهد انحدارا مروعا في العلاقات الصينية – العربية التى تعمدت تاريخيا بطريق الحرير وحكمة الشرق ، مع أننا لو عرفنا قيمتنا المضافة ، وما لدينا لكانت علاقاتنا مع الصين دعما لها ولنا في ذات الوقت ، ولكن……..!
كنت في شهر جزيران 2001 في زيارة للصين بدعوة رسمية كريمة ، وخلال مأدبة غذاء دعاني اليه نائب وزير الخارجية الصيني آنذاك ناقشت هذا الملف معه ، وتطرقت لطريقة يهود في التسلل الى المجتمعات والدول ، وما يقومون به من فساد وافساد !
وبلهجة دبلوماسية هادئة ومقنعة أجاب : نحن دولة نامية ، وبحاجة الى استثمارت ،وقد طلبنا من الدول العربية والاسلامية الغنية للمجيء الى بلادنا والاستثمار فيها ، لكن احدا لم يلب الدعوة ، فجاء يهود ….واستدرك بخصوص ما أثرته من مخاطر تنجم عن تسلل يهود الى الصين بالقول أن ” الوضع مضبوط”.
ليس مبالغة القول أن العرب أهملوا الصين ، وانسحبوا من تحالف حكمة الشرق وخيرات طريق الحرير ، وكانت الصدمة الثانية بعد المؤتمر العربي – الصيني الذي نظم قبل عام في الصين وبرز خلاف صيني – عربي حول القدس”، قال مسؤول صيني أن ” العرب يتصلون بنا فقط من أجل شراء موقفنا ضد ايران” .
ما نعاني منه منذ عقود هو حرص الدول العربية على الغناء داخل السرب الأمريكي والويل كل الويل لمن يفكر بالتغريد خارجه .
مشكلتنا كعرب أننا لا نتعامل مع الآخر حسب أصول التعامل الدولي ، وأعني بذلك التعامل القائم على المصالح وما لدينا يحتاجه الاخر ، وما عند الآخر نحن بحاجه اليه ، بدلا من وضع كل البيض في سلة واحدة تقبع في قعرها أفعى كوبرا تلتهم البيض ونحن نتفرج عليها راضين بما قسمه الله لنا.
آن الأوان لتعديل المسار ، فما زال في الوقت متسع ، لنسج علاقات مع أركان المجتمع الدولي قائمة على احترام الذات ، والند بالند ، فنحن أصحاب قيمة مضافة عالية جدا ، ولا نكلف من يتعامل معنا ، بل على العكس من ذلك نؤسس لقوته على الساحة الدولية ، ففضاءاتنا غنية وواسعة ومتعددة ، ونحن عامل الحسم في صراع دولي ، ونستطيع لو التزمنا الندية والعقلانية ، أن نكسب كثيرا ونحمي مصالحنا، ولا أغالي أن قلت أننا نستطيع تحرير أرضنا المحتلة ، وعزل عدونا في المجتمع الدولي ، والذي يراه العالم معول هدم لصرح السلام العالمي ، وقراد خيل ، تعمل في العالم مصا للدماء وانهاكا للقوى ، وأعني بذلك التهديد باللاسامية وفرض قوانين تعاقب كل من ينتقد اسرائيل.
” ليس كل ما يعرف يقال ، ولكن الحقيقة تطل برأسها “.