أول سفير لسلطنة عُمان في بكين يتحدث عن أهمية العلاقات الاستراتيجية مع الصين
أكد الدكتور إبراهيم بن حمود الصبحي أن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية تمثل التطور الصحيح الذي حصل في علاقات البلدين على مدى أربعين عاما في ظل علاقات تاريخية ورغبة كبيرة لدى الدولتين لتطوير هذه العلاقات وان هذا الامر لا يحدث الا إذا كانت له ركائز واسباب تساعد على الوصول به الى هذا المستوى من التعاون.
وبين الصبحي الذي كان أول سفير للسلطنة لدى الصين عند اقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1978 “انه اضافة الى ذلك فإن الموقع الاستراتيجي للسلطنة هو الذي شجع الصين على تطوير العلاقة من علاقة طبيعية الى استراتيجية ذات ديمومة اكثر ومبنية على اسس، حيث لم تقف تلك العلاقات عند حد معين ولكن تطورت حتى وصلنا الى هذه المرحلة المهمة من الشراكة ، ونطمح الى ان تتعزز تلك العلاقات ليس فقط في الجانب الاقتصادي وانما الى الجوانب الاخرى الثقافية والسياحية وغيرها ، كما انه يمكن للاستثمارات الصينية الحالية ان تتضاعف اذا وجدوا ليس تشجيعا فقط وانما تسهيلات من السلطات المختصة في السلطنة حيث تبحث الصين عن الانتشار في اسواق عبر بحار مفتوحة يسهل الوصول اليها”.
وكانت السلطنة وجمهورية الصين الشعبية قد اصدرتا يوم 25 مايو الماضي بيانا مشتركا بشأن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية وضحتا خلاله اتفاقهما على أنه منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 25 مايو 1978م، تعززت الثقة السياسية المتبادلة باستمرار وترسخت الصداقة التاريخية باطراد وأحرز التعاون في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والترابط والتواصل الشعبي، إنجازات مثمرة يستشرف آفاقا رحبة .
وقال الصبحي في حديث لوكالة الأنباء العُمانية ” إن الركائز التاريخية والجغرافية والقيادتين المتحمستين لإقامة العلاقات وتطويرها كلها ساعدت على ان نقيم علاقات متوازنة مع الصين التي لا تتعجل في علاقاتها الخارجية بل تتريث وتدرس وبعد هذه الدراسة وصلت الى هذه القناعة انها تستطيع اقامة علاقة شراكة استراتيجية مع السلطنة ووجدت ان السلطنة قدمت لها ما يجعلها تقدم على هذه الخطوة”
وحول مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين قال الدكتور ابراهيم بن حمود الصبحي “ان اقامة علاقات دبلوماسية بين جمهورية الصين وسلطنة عمان في حد ذاته تطور تاريخي حيث ان الصين قبل ذلك التاريخ كان لها موقف معروف من السلطنة، وتغير هذا الموقف 180 درجة لتصبح هناك علاقات دبلوماسية وتكون هناك سفارات وسفراء متبادلين بين البلدين ونقلة تاريخية سياسية دبلوماسية”.
واكد ان اقامة علاقات دبلوماسية مع الصين “تعتبر بادرة جيدة ومناسبة يجب ان يتحدث عنها التاريخ وهي خطوة جريئة ودبلوماسية عالية المستوى أن يتفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ ويأمر بفتح السفارة في العاصمة الصينية كأول سفارة رسمية للسلطنة في هذا البلد وسبقتها سفارة البحارة العمانيين الذين وصلوا الى موانىء الصين وبعضهم عاش فيها وبعضهم اسس وجودا سياسيا واقتصاديا ببقائهم هناك لفترة طويلة”.
وأوضح ان ” العلاقات بين البلدين اعلن عنها في 25 مايو 1978 وبعد حوالي شهر تقريبا تم تشكيل اول وفد عماني رسمي يزور جمهورية الصين الشعبية برئاسة المغفور له بإذن الله تعالى معالي قيس بن عبدالمنعم الزواوي وكان لي شرف مرافقة هذا الوفد الرفيع المستوى بصفتي نائب رئيس المراسم بوزارة الخارجية وضم الوفد الرفيع المستوى عددا من المسؤولين في زيارة رسمية استمرت عشرة ايام زار خلالها الوفد عددا من المدن الصينية والمناطق الرئيسية وبعض الموانئ وخصوصا ميناء جواندونغ (كانتون) الذي احتفل لاحقا بعد اقل من سنة من وجودي باستقبال السفينة صحار التي كانت اول سفينة تصل في عهد مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ ابقاه الله ـ بصفة رسمية وتفويض المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو السيد فيصل بن علي ال سعيد وزير التراث القومي والثقافة آنذاك لترؤس وفد السلطنة في حفل استقبال السفينة وكان استقبالا حافلا”.
وقال الصبحي إن المرسوم السلطاني السامي بتعييني سفيرا للسلطنة لدى جمهورية الصين الشعبية صدر في ديسمبر 1978 وبعد شهر تقريبا سافرت الى الصين وكان الاستقبال جيدا وحارا من الحكومة الصينية في المطار ينبغي الاشادة به ، واقمت في فندق بكين وهو احد الفنادق الكبيرة ورافقني دبلوماسيان اثنان وحجزنا به مكانا للسفير ومكاتب لبعض الاعمال الدبلوماسية وبدأنا عملنا هناك، وفي فبراير من عام 1979م قدمت اوراق اعتمادي سفيرا لسلطنة عمان وكممثل لجلالة السلطان المعظم لدى جمهورية الصين الشعبية”.
واضاف ” قدمت نسخة من اوراق اعتمادي لوزير الخارجية وقيل لي في وزارة الخارجية انه نادرا ما يتسلم وزير الخارجية نسخة من اوراق اعتماد السفراء حيث انه دائما يتسلمها نائب وزير الخارجية ولكن فيما يتعلق بالسلطنة كانت ظاهرة دبلوماسية تكريما لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ أعزه الله ـ ولعمان وشعبها، واحسست من خلالها ان هناك دفئا في العلاقات بين البلدين واندفاعا طبيعيا لتطوير وتقوية العلاقات” .
واشار الى انه بدأ اتصالاته بالوزراء المعنيين في الحكومة الصينية ومن بينهم وزير التجارة الخارجية ووزير النفط وبعض الجامعات لاستضافة بعض الأساتذة وهذا ما دفع أحد الأساتذة الصينيين بإلغاء محاضرة في السلطنة عام 1980.
وقال الدكتور إبراهيم بن حمود الصبحي “في بداية عملنا في الصين واجهتنا صعوبات كثيرة تمثلت في العثور على مبان يمكن ان نستأجرها فلا توجد مبان يمكن استئجارها وكان كل شيء ملكا للدولة وكل ما تحتاجه كسفارة يجب ان توفره لك وزارة الخارجية فهناك دائرة خاصة للعلاقات مع الدبلوماسيين ، كما واجهتنا مشكلة شراء السيارات من الصين فاستوردت سيارتين يابانية وامريكية من اليابان”.
واضاف انه “بعد حوالي سنة تم الاتصال بي من قبل وزارة الخارجية وطلبوا مني الحضور الى الوزارة وعندما حضرت تم ابلاغي بالحصول على مقر مخصص لسفارة سلطنة عمان وهو عبارة عن مبنيين للسفارة ومنزل السفير وكان علينا ان نقوم بتأثيثهما حيث سافرت الى هونج كونج عدة مرات حتى استطعت خلال ستة اشهر تأثيث المبنيين وكان لي الشرف برفع علم السلطنة لاول مرة في بكين وبذلك نكون قد بدأنا مسيرتنا الطبيعية وبدأنا زيارة سفراء الدول الاخرى والبحث في اقامة علاقات مع الدول التي لا تربطنا بها علاقات وتطوير العلاقات مع الصين”.
وثمن الصبحي عاليا معاملة العاملين في وزارة الخارجية الصينية لسفارة السلطنة في بكين قائلا: ” وهو ما ساعدنا ان نصل بالعلاقات الدبلوماسية خلال 40 سنة الى المستوى الحالي من التطور والتعاون وهي فترة قصيرة في العلاقات بين الدول حيث كان لدى الصينيين تقييم اخر للسلطنة يختلف عن تقييم الدول الاخرى مرتكزا على الموقع الاستراتيجي الذي تحتله السلطنة والامن والاستقرار فيها والعلاقات التاريخية والتراثية والاثار العمانية في الصين”، مشيرا الى ان “هناك بعض الشواهد التي تدل على تلك العلاقات ومن بينها وجود اللبان في احد المتاحف في مدينة كانتون، هذه العلاقة ترسخت منذ زمن البحارة العمانيين الذين وصلوا الى الصين، ومن البحارة الصينيين الذين قاموا في القرن السادس عشر بسبع رحلات الى الموانئ العمانية، زاروا خلالها عددا من الموانىء من بينها صحار ومسقط وظفار ووجدت في بعض الكتب الصينية والوثائق القديمة يذكرون ظفار وصحار التي سميت بوابة الشرق”.
وحول فترة عمله سفيرا للسلطنة في الصين قال الصبحي “قمت بالاتصال مع عدد من كبار المسؤولين الصينيين والقيادات السياسية وطلبت في احد الايام مقابلة الزعيم دينج شياو بينج وكان رجلا يمتلك عقلا منفتحا اكثر على العالم الخارجي وقيل لي انه قليلا ما يستقبل احدا لكبر سنه ورغم ذلك تم تحديد موعد لي لمدة 15 دقيقة فقط كجلسة بروتوكولية لا اكثر ولا اقل لكن تلك الجلسة استمرت لأكثر من نصف ساعة وخلالها حملني الزعيم الصيني تحياته لحضرة صاحب الجلالة واشاد بسياسة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ ابقاه الله ـ الحكيمة ، وذكر لي ان العلاقات التي تربط بين البلدين عمرها اكثر من الف سنة ” .
واكد الصبحي ان المتتبع للعلاقات العمانية الصينية “يذكر اليوم كيف وصل البلدان الى هذه المرحلة من العلاقات التي تطورت خلال السنوات الماضية وعززتها اللقاءات المشتركة بين كبار المسؤولين حيث زار السلطنة نائب الرئيس الصيني وهذا يحدث قليلا في العلاقات الصينية مع الدول الاخرى وزيارة صاحب السمو السيد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء للصين والزيارات المتبادلة بين اصحاب المعالي الوزراء والوفود الرسمية “.
وقال في ختام حديثه ” إن الصين بلد اقتصادي ويركز على هذا الجانب أكثر من الجوانب الاخرى ولذلك فان اقامة المدينة الصينية في الدقم يعتبر نقلة كبيرة حيث انه من خلال تتبعي لعلاقات الصين مع الدول الاخرى فان لديها علاقات ممتازة جدا مع دول افريقيا وتعاونوا معهم ليس في المجال الاقتصادي فقط وانما في المجال الثقافي ايضا ومع مصر كذلك، ولان السلطنة تقع في منتصف الطريق الملاحي بين الشرق والغرب فان هذا الموقع الطبيعي يساعد الصين ودولا اخرى على تعزيز علاقاتها مع تلك الدول”.