70 عاماً على نجاح الثورة الصينية وتجربة الحزب الشيوعي الصيني في القيادة
موقع الصين بعيون عربية ـ
عاطف المغاوري*:
بعد 70 عاماً من نجاح الثورة الصينية (1949 – 2019) كانت تجربة الحزب الشيوعي الصيني بالغة الأهمية، لأنه قاد عملية تحول الصين القديمة والفقيرة والمتخلفة إلى صين جديدة قوية ومزدهرة، ووحد القوميات المختلفة ، وأنجز نهضة اقتصادية كبرى، بحيث أصبحت الأمة الصينية فى مقدمة الصفوف على الصعيد العالمي .
واستطاع هذا الحزب القائد الكبير أن يوفر التعليم والرعاية الصحية والعمل والسكن والتأمين الاجتماعي ، وأن يفجر طاقات الشعب ويفسح المجال لاجتهاده وشجاعته وذكائه ، وأن يحافظ على علاقة وثيقة مع جماهير الشعب ويصحح أي سلوك يلحق الضرر بمصالح هذه الجماهير .
كما أن هذا الحزب حرص على التكيف مع المتغيرات الجديدة في الأوضاع العالمية ، وقاد ثورة في مجال البناء والإصلاح والتحديث والانفتاح وتحرير وتنمية قوى الإنتاج الاجتماعية .
لقد جعل الحزب الشيوعي الصيني بلاده جديرة بتاريخها الحضاري الذي يمتد على مدى أكثر من خمسة آلاف سنة .
ونجح الحزب في تحقيق تنمية علمية شاملة ومنسقة ومستدامة تضع الإنسان في أعلى مقام .
ولم يدخر الحزب الشيوعي الصيني وسعاً في محاربة البيروقراطية ومكافحة الفساد، والدعوة للمثل العليا والنزاهة والاستقامة ، ورفع مستوى الوعي ، ومعاقبة من يغلبون مصالحهم الخاصة ، أو يحاولون الحصول على امتيازات لأنفسهم .
ويستهدف الحزب الشيوعي الصيني بناء مجتمع يوفر كل مستلزمات الحياة الرغدة للمواطنين على نحو شامل مع إنجاز التحديث في عام 2020، وتحقيق زيادة في إجمالي الناتج المحلى ومعدل دخل الفرد في الحضر والريف ، يعادل ضعف ما كان عليه هذا المعدل في عام 2010 ، وتوسيع الديمقراطية الشعبية باستمرار ، وتعزيز القوة الناعمة للثقافة ورفع مستوى معيشة الشعب بصورة شاملة وبناء مجتمع صديق للبيئة ومقتصد فى الطاقة .
ومما يلفت النظر أن الحزب الشيوعي الصيني يعتبر الشعب هو صانع التاريخ ، وأن أفراد الجماهير هم الأبطال الحقيقيون ، وأنهم مصدر ومنبع القوة ، وأن على الحزب أن يشاركهم في السراء والضراء .
والانجاز الأساسي الذي حققه الحزب الشيوعي الصيني هو ” صيننة ” النظرية الماركسية، وابتكار عملية تطبيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهى تعنى الجمع بين الممارسة والنظرية والنظام حيث ترتقي الممارسة العملية التي تحقق النجاح إلى نظرية ، وتقود الممارسة الجديدة إلى النظرية الصحيحة، وترتقي المبادئ والسياسات التي برهنت الممارسة على صحتها إلى نظام للحزب والدولة .
وتتخذ الاشتراكية ذات الخصائص الصينية من البناء الاقتصادي قاعدة لها لدفع هذا البناء الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والمجالات الأخرى معاً على نحو شامل مع التمسك بالمبادئ الأساسية الأربعة وهى : الطريق الاشتراكي والديمقراطية الشعبية وقيادة الحزب الشيوعي الصيني وأفكار ماوتسى تونج، وهذه المبادئ الأساسية الأربعة هي أساس للدولة الصينية وحجر الأساس لحياة وتطور الحزب والدولة، وتحقيق الرخاء لكل أبناء الشعب ودفع التنمية الشاملة للإنسان .
وتشمل المنظومة النظرية للاشتراكية ذات الخصائص الصينية .. نظرية ” دنج شياو بينج “، ومفهوم التنمية العلمي أي وضع الإنسان في المقام الأول والتنمية الشاملة والمنسقة والمستدامة والتخطيط والتنسيق .
ويجمع نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بين النظام السياسي الأساسي (– نظام مجلس نواب الشعب ونظام تعدد الأحزاب والحكم الذاتي فى الأقاليم – ) والنظام الاقتصادي الرئيسي والآليات المؤسسية الأخرى ، ويتمسك بالجمع العضوي بين النظام الديمقراطي على مستوى الدولة والنظام الديمقراطي على مستوى القاعدة ، والجمع العضوي بين قيادة الحزب وسيادة الشعب وحكم الدولة على أساس القانون .
والمعروف أن حكم الدولة بالقانون هو الإستراتيجية الأساسية والأسلوب الرئيسي لحوكمة الدولة وإدارة شئونها . ومن أجل تحقيق هذا الهدف لابد من تطبيق وتنفيذ الدستور ، فهذه هى أول مهمة لبناء الدولة الاشتراكية التي يحكمها القانون حيث أن الدستور هو القانون الأساسي للدولة واللوائح ، ومن الضروري أن يتخذ أبناء القوميات المختلفة فى الصين كلها وكل دوائر الدولة والقوات المسلحة ومختلف الأحزاب السياسية والجماعات الاجتماعية والمؤسسات الإنتاجية والوحدات التنفيذية .. الدستور كمبدأ أساسي لنشاطها ، بينما تكون الدولة مسئولة عن حماية كرامة الدستور وضمان تنفيذه ، ولا يمكن لأي منظمة أو فرد أن يتمتع بامتياز فوق الدستور والقانون .
والملاحظ ، في التجربة الصينية ، هو الاهتمام بالاستفادة من تراكم الخبرات المكتسبة في المراحل السابقة وتشجيع الشعب الصيني على الاستفادة منها أكثر فأكثر في العقود القادمة ، وتوسيع الخدمات العامة لتشمل جميع المناطق والشرائح في المجتمع الصيني لكي يتحقق النهوض في المناطق الغربية من الصين لكي تصل إلى مستوى النهضة في مدن الساحل الشرقي عن طريق تعزيز النمو الاقتصادي لكي تكون وتيرة النمو واحدة في جميع المناطق . ومن هنا يجرى تشجيع رؤوس الأموال الصينية والأجنبية على الاستثمار المكثف في المناطق الغربية .
نحن بإزاء نظام اشتراكي صيني من نوع جديد .. قادر على منافسة النظام الرأسمالي العالمي في كثير من المجالات ، ويحقق إصلاحات جذرية بما يتلاءم مع المرحلة التي أعقبت دخول الصين في منظمة التجارة العالمية ، ولا يكف عن تنشيط البنى الثقافية وتطوير النظام الثقافي في الصين وتعزيز الدفاع الوطني ، وتطوير جميع وحدات الجيش الصيني ، ومواجهة تحديات عصر العولمة ، ورفع مستوى معيشة الشعب إلى نوع من الحياة الرغيدة التي لم يشهدها الصينيون في السابق .
والجدير بالذكر أن الخبرة التي اكتسبها الحزب الشيوعي الصيني خلال مرحلة الإصلاح والانفتاح ، التي بدأت عام 1978 ، لم يتعد من مبادئ الاشتراكية العلمية – كما توهم بعض المحللين – بل زادته اقتناعاً بها ، مما دعا الحزب إلى تعميق وعي الصينيين بأهمية المبادئ النظرية للاشتراكية ، وإصرار على بناء الصين الجديدة على هديها وإدراك لدورها في الصراع الأيدلوجي . ومن خلال مواصلة التجديد النظري للفكر الاشتراكي والتحديث الناجح الذي يوازن بين الأصالة والمعاصرة ويتمسك بنظام الانفتاح الاقتصادي، مع معالجة المشكلات السلبية التي تظهر في أثناء التطبيق وصولاً إلى تحقيق نظام اقتصاد السوق الاشتراكي ، والحرص على الجمع بين الإصلاحات المادية وبين التمسك بالقيم الروحية للشعب بين حكم الدولة بالقانون وإدارة الدولة بالقيم والمثل العليا، واعتبار الاستقرار الداخلي في الصين خطاً أحمر لا يمكن التساهل تجاهه، وإقامة التوازن بين الإصلاح والتنمية والاستقرار.
ويتميز الشعب الصين بروح الحكمة في العمل الجماعي وتمسكه بمبدأ تحرير وتطوير القوى المنتجة الاجتماعية بلا انقطاع ، واعتبار التصنيع أساساً للنهضة الجديدة ، وتطوير برامج المعلوماتية بوتيرة فعالة ، والاعتماد على العلوم العصرية في تحقيق وازدهار اقتصادي في الريف الصيني .
وتشكل المنتجات العالمية والجديدة ، في مجال التكنولوجيا ، نسبة عالية من صادرات الصين ، وسجل إجمالي حجم التجارة الخارجية الصينية أرقاماً قياسية من أكثر من عشر سنوات حتى الآن .
لم تعد الصين مجرد ثروة من الأساطير التي يتمازج فيها السحر والغموض ، ولم تعد بلاد التنين الأصفر الهائل النائم أو المسترخي في هدوء وسكينة، فقد وضع نجاح التنمية الصينية في تحقيق أعلى معدلات النمو في جعل الصين في مركز الصدارة مع بداية القرن الحادي والعشرين .. كما جعلها مرشحة لأن تصبح أكبر اقتصاد في العالم ، باعتراف الخبراء الغربيين ، ولكي تكون قوة عظمى وصاحبة دور مؤثرة في الساحة الدولية .
وتمكنت الصين من إتقان معالجة العراقيل بين الحكومة والسوق، وزيادة فاعلية توزيع الموارد النادرة، حتى يتسنى استثمار الحد الأدنى من الموارد لإنتاج أكبر كمية ممكنة من المنتجات، وكسب أكبر قدر ممكن من المنافع، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، والتمسك بالنظام القائم على سيادة الملكية العامة مع التنمية المشتركة لاقتصاديات الملكيات المختلفة، وكيفية تطبيق هذه السيادة للملكية العامة والتمسك بها بصورة أفضل مع تطوير الاقتصاد المختلط الملكيات الذي يتشابك في حيازة أسهمه ويندمج فيه رأس المال المملوك للدولة ورأس المال الجماعي وغير العام .
وهناك أيضاً تشكيل تلك العلاقة الحديثة بين الصناعة والزراعة وبين الحضر والريف ، أي تنمية الزراعة بدعم الصناعة وتطوير الريف بدعم الحضر ، والتكامل بين الحضر والريف حتى تتمكن جماهير الفلاحين الغفيرة من الانخراط المتساوي في عملية التحديث وتقاسم ثماره ، والانتقال الى النمو القائم على الابتكار العلمي والتكنولوجي . ومن الخبرات الصينية الهامة : كيف يكون الاعتماد على النفس هو أساس قيام الأمة الصينية “في غابة الأمم” ؟
ويزداد تعمق الإصلاح والانفتاح في الصين عن طريق رفع نوعية وعوائد النمو الاقتصادي وزيادة حيوية السوق من خلال مداومة الإصلاح الهيكلي النشيط ورفع مستوى القدرة التنافسية للاقتصاد ، ونشر الوعي في خارج الصين بأهمية النمو المشترك لمختلف الدول، إذ يجب على كل دولة مراعاة مصالح الدول الأخرى والعمل على اندماج المصالح والنمو المتوازن للاقتصاد العالمي، ومن أجل تعميق الإصلاح يجب المحافظة على نظام التجارة المتعددة الأطراف والحر والمنفتح بعيداً عن أي تمييز، وتحسين قواعد الاستثمار العالمي، ومواصلة إصلاح المؤسسات المالية الدولية ، وإنشاء نظام نقدي دولي مستقر وقادر على مواجهة المخاطر ومكافحة التهرب الضريبي وخلق بيئة قانونية لعمل الشركات من مختلف الدول داخل الصين ، وتأهيل الأكفاء المتخصصين في كافة المجالات .
ونجحت الصين في محاصرة الآفات الاجتماعية ، مثل الفساد والرشوة والبغاء واستغلال المناصب والنفوذ والسرقات، وغيرها من الآفات التي رافقت النمو السريع لحركة التحديث التي شهدتها الصين خلال العقود الثلاثة الماضية وحملت معها تفاوتاً بين الطبقات الاجتماعية والمناطق الصينية والمدن والأرياف .
وهناك دلائل على نجاح الحملة على الفساد في الصين ، وفرض حكم القانون ، ومقرطة الاجتماعات الحزبية ، وزيادة عدد المرشحين للمناصب الأعلى ، وتنقية البيئة ، وإعداد كوادر قيادية ، وتجنب شرور الحكم الفردي ، وتشجيع القيادة الجماعية ، ومراقبة القاعدة للقيادة سواء في الحزب أو المؤسسات ، والتجديد المتواصل للقيادات ، وحث بقية الأحزاب الصينية على المساهمة بدور فعال في نجاح الإصلاح والتنمية بحيث تصبح الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في الصين، دليل على حيوية الاشتراكية، ودليل على حيوية وعظمة الأمة الصينية.
تحية للثورة الصينية في عيدها السبعين،
وتحية للأمة الصينية،
وتحية للقيادة الصينية.
* نائب رئيس حزب التجمع ـ مصر