مشاهدات عن قرب: لا بد من الصين.. ولو طال السفر (الحلقة الأولى)
بينما تقلع الطائرة عن مدرجها، تبدأ الصور بالتداعي إلى الذهن.
كل ما قرأته عن الصين يرتسم أمامك: التاريخ الموغل في القدم، الحاضر المذهل في تطوراته، والمستقبل الذي ينظر إليه الكثيرون بأمل، والبعض بخوف وحذر.
الصين، ها هي أخيراً “على بعد حجر”.
سبع ساعات بالطائرة تضعك على أرضها، وتمنحك “شهادة” بأنك رأيت، وليس من رأى كمن سمع، ولا حتى كمن قرأ وتابع واهتم وحلل ونظّر وكتب على مدى سنين.
الصين، تكاد تفتح ذراعيها لاستقبالك، بكل خباياها، بكل حكاياها، بكل ما حفظته للبشرية من حضارة، وأطلقته من أنوار، وقدّمته من اختراعات واكتشافات على مدى الأزمان.
هذه هي الصين، تناديك، كما تنادي ملايين البشر كل يوم، تستقبلهم ببسمة، بتهذيب شديد، بانتظام ملفت، وبأسرار يعصى على غير الغارق في هواها اكتشافها.
ها أنت تطير في السماء، وتحتك تمر حضارات و تواريخ، وسِيَر أبطال وحكّام، وتضحيات شعوب وأمم، وحّدها الزمن، ليخلق واحدة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ.
سبع ساعات تمر، وأنت المتلهّف تظن أنك لن تصل أبداً، تتساءل: لماذا تسير الطائرة الهوينا، ولماذا كل ما ظننت أنك كدت أن تصل، تتوسع الفجوة التي تبعدك عن التعرف إلى الصين، الصين الحقيقية، لا تلك التي قرأت عنها في الكتب، ولا تلك التي شاهدتها في الصور، أو تلك التي يتحدث عنها الإعلام، والإعلام ـ في الحديث عن الصين ـ معظمه ظالم.
ضباب وطقس ماطر يستقبلك في بكين.. ليس هذا ما كنت تتمناه.
كان الأمل أن تصل إلى المدينة العامرة، إلى حاضنة التاريخ، إلى “عاصمة الشمال” و هي ضاحكة، فترى أسرارها “من فوق”، قبل ان تحط على ارضها، ولكن لا بأس، فأمامك “وقت طويل” لتستكشف المدينة التي لم تعد محرّمة على أهلها، ولا محرّمة على أحد.