“سوق الحميدية”.. في سي آن (الحلقة التاسعة)
بقلم: محمود ريا
التجوّل في الشارع الإسلامي في سي آن يقودك مباشرة ودون أي مقدمات إلى شوارع المدن الإسلامية في أي مكان من العالم.
تزوّده الاشجار في وسطه وجانبيه برونق مميّز، حتى تظن أنك تسير في حديقة عامة، والسّير هو الطريقة الوحيدة للتجول هناك، فالشارع هو شارع للمشاة بأمر من بلدية سي آن، ولا يخرق هذا القرار الحازم إلا بعض الدراجات النارية، أما السيارات التي تغامر “بانتهاك حرمة” الشارع فإن “ضبط” الشرطة لها بالمرصاد.
على جانبي هذا الشارع تتوزع العديد من المؤسسات التي يبدو من أسمائها أن لها طابعاً إسلامياً، وتتنوع بين المدارس والمكاتب والمتاجر وغير ذلك.
إلا ان الطابق الأرضي من كل الأبنية محجوز بشكل كامل لنوع واحد من المحلات، هي محلات “الأطعمة الإسلامية”.
الكلمة المكتوبة بالعربية على جميع هذه المحلات تدفع إلى التدقيق فيها لتجد “صياغة” مختلفة لها عمّا نعرفه في بلادنا، فهي إما “أطعمة الإسلامية” أو غير ذلك من التعابير التي تظهر اختلاطاً في التعبير لدى من يكتبون هذه الكلمات. إلا أن هذا لا يفسد روعة هذه المحلات وبساطتها وغناها بالمأكولات المختلفة التي يفترض أنها مجهّزة من مواد حلال وحسب الشريعة الإسلامية.
إنحراف بسيط تدخل إلى السوق، والدخول يتم من بوابة أثرية، عليها نقوش جميلة جداً، تعبر من خلالها إلى شوارع ضيقة مسقوفة، تقي البائعين والمشترين، على حد سواء، شمس الصيف ومطر الشتاء.
إنه سوق الحميدية في دمشق، أو الأسواق القديمة في صيدا، أو هو سوق من أسواق القدس كما نراها في الصور.
صفّان من المحلات على اليمين وعلى اليسار، تنتشر أمامها البسطات التي تحتوي على كل شيء، كل شيء تقريباً، من الملابس إلى الألعاب إلى التحف إلى الإطعمة المعلّبة والفواكه المجففة إلى كل ما يمكن أن يخطر في البال.
تسير في السوق طويلاً، ولا تنتهي المحلات، ومعها نداء الباعة على بضائعهم، ومناقشاتهم مع مرتادي السوق من السوّاح ومن أبناء المدينة، الذين يساومون بجرأة، فتنهار الأرقام فوراً من المئات إلى العشرات، ودائماً عبر كتابتها على الآلة الحاسبة الالكترونية، التي تكاد تكون صلة الوصل الوحيدة بين الباعة وبين السوّاح الأجانب.
فجأة ينتهي السوق لتدخل في آخر، في تشعّبات لا تتوقف، تتحول إلى متاهة تقودك إلى أسواق متخصصة هذه المرّة، فهذا سوق متخصص بالتحف والهدايا، وذلك يركز على الإلكترونيات المقلّدة زهيدة الثمن، وذلك سوق تقدّم فيه المحلات المتجاورة الأطعمة المتشابهة التي تصنع أمام عينك، من خبز وكعك وجوز محمّص وفستق وأشربة متنوّعة وغير ذلك.
إنه السوق، ومن حضر السوق باع واشترى كما يقولون، ونكهته الإسلامية تختلط مع الأنواع المختلفة من البهارات الموجودة فيه، ليتحوّل هذا المعلم الجميل إلى مكان له مرأى ومسمع ومذاق لا ينسى.
هذه النكهة الإسلامية يمكن تلمّسها بشكل واضح، من خلال الحجاب المنتشر بكثافة بين البائعات الكثيرات، وبين المشتريات اللواتي يفوقونهنّ أعداداً، وكذلك من خلال انتشار الشبان والرجال الذين يطلقون لحاهم، وأحياناً بشكل لافت جداً، في أرجاء السوق.
الحجاب شاهدناه، في مكان آخر، في جوار السوق، في المدرسة الاسلامية لأبناء قومية الخوي في سي آن.