البرج ذو الطبقات السبع (الحلقة الحادية عشرة)
محمود ريا:
القصة الطويلة للمسلمين في سي آن، لا تخفي قصصاً أخرى تتصل بالتاريخ اتصالاً وثيقاً، وتحمل من المعاني الإنسانية ما يستحق الوقوف عنده بكثير من التأمل .
في “سي آن” البرج ذو الطبقات السبعة وهو يحمل الاسم الرسمي “برج الأوز الكبير”، ولهذا الاسم الكثير من التأويلات التي تنبع من عمق التراث الصيني البوذي. وهذا البرج يبلغ ارتفاعه حوالي خمسة وستين متراً، أي ما يوازي ناطحة سحاب صغيرة في عصرنا الحاضر.
ويرتبط الرقم سبعة الذي اختير ليكون عدد طوابق البرج بقدره بالكثير من المعتقدات البوذية، ولعلّها مرتبطة بالمعاني الإنسانية التي تتحدث عن السماوات السبع والأيام السبع، وغير ذلك من الأشارات التي ما تزال البشرية تعمل على اكتشاف رموزها حتى الآن.
وفي البوذية الطوابق السبع هي مسيرة الارتقاء للوصول إلى الكمال، والبرج الشاهق يدل على مدى صعوبة الارتقاء إلى فوق، إلى حيث يصبح الإنسان العادي مثالاً للإنسان الكامل.
لقد بذل الراهب البوذي الذي بنى هذا البناء العظيم عام 652 ميلادية مجهوداً شاقاً لتحقيق هذا الإنجاز، وهنا بالضبط يكمن سر مجاهدة النفس والسيطرة عليها والتحكم بها، بدل أن تكون هي المتحكمة بالانسان.
ولكن هناك ما هو أعظم من بناء البرج، وفي العقيدة البوذية أيضاً.
إن إنقاذ إنسان واحد هو أهم من بناء برج من سبعة طوابق، حسب التعاليم، وفي هذا التقاء ـ لا بل تطابق ـ مع الأهمية التي تعطيها المعتقدات الأخرى لإنقاز النفس البشرية.
إلى جانب هذا البرج الشاهق هناك معبد بوذي فيه ثلاثة تماثيل ذهبية ضخمة لبوذا، أكبرها في المنتصف. وكون التماثيل ثلاثة له أصل في المعتقد البوذي صعب شرحه، ولكن المكان الذي يزوره السواح بشكل متواصل يحاول أن يفصح بنفسه عن بعض الأسرار المتعلقة بهذا المعتقد الذي يعتمد في الصين بشكل أكبر على الرسوم والتصوير.
وعلى رائحة البخور المتصاعد من المكان يحاول مرافقنا أن يشرح لنا ان البوذية في الصين لها مذهبان رئيسيان، الأول يعتمد على الخلاص الجماعي للمجتمع، والثاني يقوم على الخلاص الفردي، بحيث يرتقي كل شخص بنفسه فيرتقي المجتمع كله. وأحد هذين المذهبين موجود في التيبت والثاني في عموم الصين.
ومع البرج والمعبد، هناك متحف يحكي قصة وصول الراهب الذي نقل البوذية إلى الصين، وكيفية تنقّله بين المقاطعات، واستقبال الامبراطور الصيني له والمكانة التي حازها عنده، ومن ثم تبشيره بالمعتقد البوذي بين الصينيين، وكل ذلك من خلال صور متداخلة، لا يتمكن من فك رموزها إلا متخصص في هذا الفن الرائع.
تخرج من المعبد لتلاقيك في الخارج ساحة رائعة، واسعة، هي حديقة عامة ومتنزه يقصده آلاف الأشخاص في وقت واحد، يقضون أوقاتاً جميلة في مكان أخضر يقع في قلب المدينة، فيطرح سؤال نفسه عليك بإلحاح، هل يجب أن يكون قلب المدينة دائماً بارداً، مليئاً بالحديد والزجاج، أم أنه يمكن أن يكون كقلب مدينة “سي آن” أخضر، ومفتوحاً لأهل المدينة وزائريها من كل مكان.
.. والرحلة في “سي آن” لم تنته بعد.