موقع متخصص بالشؤون الصينية

صعود الصين والهند في إفريقيا (القسم الأول)


الصين والهند: شريكان مفضلان
العملاقان الآسيويان
الهند: وافد قديم على إفريقيا
وجهة نظر تاريخية
الدبلوماسية الثقافية الصينية
الهند: من المثالية إلى البراغماتية
الصين والهند: التنافس والتعايش
تحديات أمام الهند
الصعود المفاجئ
الصين وإفريقيا نحو علاقة أمنية جديدة

تحرير: فانتو جيرو وسيريل أوبي / عرض: عبدالله ميزر

“إن الزعامات العالمية تنتقل من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ والهندي، ومما لا شك فيه، سيخلف صعود الهند والصين وهبوط الولايات المتحدة وتلاشي المركزية الأوروبية تأثيراً بعيد المدى في القارة الإفريقية” هذا ما قاله البروفيسور عيسى جي .شيفجي من جامعة دار السلام .

في الحقيقة، أصبحت الهند والصين في السنوات الأخيرة من أكثر الشركاء الاقتصاديين البارزين في إفريقيا، وبات حضورهما يزداد على نحو كبير، ومن دون شك ساهمتا في تغيير العلاقات الدولية لهذه القارة بطريقة دراماتيكية . وعلى الرغم من أن التأثير الشامل لارتباط الهند والصين في إفريقيا يحمل تأثيرات إيجابية على المدى القصير، وبشكل جزئي، كنتيجة ارتفاع العائدات من صادرات السلع التي دعمتها الطلبات المفرطة من البلدين، إلا أنه يوجد القليل من البحوث التي تبين تأثير العلاقة المتنامية الفعلي في التحول الاقتصادي لإفريقيا .

جاء هذا الكتاب (276 ص من القطع الكبير – دار النشر: “زيد بوكس” البريطانية- 2010) ليعاين بشكل مفصل الفرص والتحديات التي يطرحها حضور الهند والصين المتزايد في إفريقيا، ويقدم مداخلات حاسمة من حيث ضرورة وجوب الحكومات الإفريقية الالتزام بها، لكي تتفاوض مع الصين والهند من أرضية أقوى وأكثر اطلاعاً، وكي لا تتحول الفرص المتاحة لبناء آفاق من التعاون والتنمية إلى تهديد يثقل كاهل القارة الإفريقية .

في الواقع، أعادت التحولات المعقدة في العلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين تعريف التحديات والخيارات الاستراتيجية . وتقترح “اللحظة” الحالية في الشؤون الدولية فرصة أخرى لتغيير المكان الهامشي للقارة السمراء في القوة السياسية الاقتصادية والسياسية العالمية، وللتحول من النظام العالمي ذي القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة ما بعد الحرب الباردة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب،حيث تغدو فيه قوى الجنوب العالمي الناشئة من اللاعبين الأساسيين . وفي هذا النظام الناشئ، تكون العديد من الدول (الصين، الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) على استعداد للعب دور أكبر، وبشكل خاص في وجه تراجع إجماع واشنطن، وبالأحرى سجلها المتواضع في إفريقيا، في تزويد بعض الدعم وتمكين البيئة الدولية للقارة في رسم النهج التنموي البديل .

ليس هناك من شك في دور الهند والصين الكبير في إفريقيا، ومساهمتهما في تغيير العلاقات الدولية على نحو دراماتيكي، فالغرب لم يعد يستمتع باحتكار التأثير في المستقبل التنموي الإفريقي . وتتودد هاتان القوتان الاقتصاديتان الناشئتان (الهند والصين) إلى الدول الإفريقية عبر المساعدة، والتجارة الموسعة، والاستثمار في القطاعات الاستراتيجية للاقتصادات الإفريقية لدعم السياسة الدولية، وكسب الالتحاق بالأسواق الصاعدة والحصول على المواد الخام المطلوبة بشدة من القارة . وفي الواقع، دور الصين الجديد كمستثمر رئيس وشريك تطوير في إفريقيا جذب الكثير من الانتباه بشكل خاص في المنطقة وفي أمكنة أخرى، ليس على الأقل بين الدول الغربية، التي كانت بارزة الحضور في إفريقيا منذ الأزمنة الكولونيالية . كما أن هناك العديد من الدول الصاعدة مثل: (البرازيل، كوريا الجنوبية، ماليزيا، فيتنام) إلى جانب (الهند والصين)، باتت نشيطة على نحو كبير في العديد من الدول الإفريقية، وذلك مؤشر واضح على أن علاقات الشمال-الجنوب ألغتها علاقة الجنوب-الشرق والعلاقة المثلثية آسيا-الخليج-إفريقيا، مع وجود نتائج واضحة للغاية تشير إلى تنمية إفريقيا . وعلى حد تعبيرالمحررين: “هذه هي الأخبار السارة الأولى لإفريقيا منذ نهاية النظام السياسي ثنائي القطب، والفناء الحديث لمفاهيم أصولية السوق اللاهوتية” .

يرى المحرران أن ظهور الصين والهند كشريكين محتملين- من وجهة نظر إفريقية- جاء في الوقت الذي كانت الدول الإفريقية تكتشف فيه الأخطاء التي تخللت التنمية الإفريقية في نصف القرن المنصرم، وقاد ذلك الدول الإفريقية إلى النظر عن قرب أكثر إلى تجربة العملاقين الآسيويين، خاصة أن لهذين العملاقين تجربة في الخضوع للاستعمار، ومنذ سنوات (1970)، دفعت تجربتهما بالآمال بين الدول الإفريقية، التي تطمح يوماً ما للتخلص من عوائق الفقر والبطالة والتبعية . يؤكد المحرران أن هناك اعتقاداً واسع الانتشار بين العلماء وصناع السياسة الإفريقيين بأن الصين والهند، يمكن لهما أن يزودا خيارات استراتيجية وفضاء للدول الإفريقية، مع المنفعة الاقتصادية المتزايدة في إفريقيا .

الصين والهند: شريكان مفضلان

في الحقيقة، تعتبر التجربة الصينية والهندية في تحقيق نجاح اقتصادي كبير خلال السنوات الخمس والعشرين، والتخلص من نسبة عالية من الفقر(خاصة في الصين)، تجربة رائدة ودليلاً قوياً للدول الإفريقية التي، على النقيض من ذلك، عاشت انكماشاً في قطاعات عديدة من اقتصادها، على الرغم من تطبيق برامج إصلاح التعديل الهيكلي منذ سنوات (1980) تحت عيون البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .

وفي الوقت الحاضر، تقوم الشركات الهندية والصينية بالاستثمار في العديد من قطاعات البنية التحتية التي تعرضت للإهمال على نحو كبير، سواء من بناء السدود إلى مشروعات الاتصالات والنقل الرئيسة، التي تعتبر على درجة من الأهمية في رفع سوية الإنتاج وتخفيض مستوى الفقر، ذلك أن الهند والصين تملآن الفجوات الكبيرة في البنية التحتية وتقومان بذلك بأقل التكاليف وأقل بيروقراطية في إطار زمني أقصر، وهذا بدوره ساعد في تحقيق نسب من النمو في الدول الإفريقية للمرة الأولى منذ عقود، وكانت تدعم هذه النسب الإيجابية المصادر الإفريقية التي تلبي حاجات الاقتصادين الصاعدين .

ظهرت الصين في إفريقيا كثاني أكبر شريك تجاري (بعد الولايات المتحدة)، وهي حالياً جهة الإقراض الأكبر والمستثمر الأكبر في مشروعات تنمية البنية التحتية في القارة . يرى المحرران أن هناك الكثير مما يمكن تعلمه من برامج الإصلاح الاقتصادي في الصين والهند وفيتنام خلال السنوات الثلاثين الماضية من دون استيرادها بالكامل . ويؤكدان أن ما كان مفصلياً لنجاح الاقتصادات الآسيوية هو الدور الذي لعبته الدولة في توجيه السوق، ورغبة الدولة في التدخل وتجربة السياسات “البدعية” التي من شأنها أن تنعش الاقتصاد، وتنافس في الأسواق العالمية، وتقلل من نسب الفقر، في وقت التحرك إلى اتجاه السوق الحرة .

يشير المحرران إلى الإجراءات التي قامت بها الحكومة الهندية جراء التحدي الذي تواجهه من الصين، وذلك في محاولتها تعميق الارتباط الاقتصادي مع إفريقيا، وقد قامت وزارة الخارجية بالعديد من المبادرات لدعم القطاع الخاص الهندي في محاولة لتوسيع استثماراتهم في إفريقيا، مثل برنامج “التركيز على إفريقيا” و”مشروع الشراكة الإفريقية  الهندية”، اللذين أطلقا تحت رعاية بنك الهند للاستيراد والتصدير واتحاد الصناعات الهندية . كما أن العديد من المبادرات التي أطلقتها الحكومة الهندية في (2008)، تعد أولى الخطوات في تأسيس علاقة سياسية واقتصادية دائمة مع القارة الإفريقية . رغم أن الصين تسيطر في الوقت الحالي على السوق الإفريقية، ولكن على المدى الطويل ستحقق الهند فوائد مقاربة لها، ويساعدها في ذلك جاليتها المنتشرة على طول إفريقيا، وقربها من القارة بالإضافة إلى نظامها التعليمي ذي المستوى العالي وديمقراطيتها الدائمة التي تضعها على طريق المنافسة مع الصين .

ويشير المحرران إلى أن الهند والصين تلقيان ترحيباً كبيراً للغاية في إفريقيا، لأسباب لا تتعلق فقط بمسائل التمويل والاقتصاد، فقد شهدت الدول الإفريقية اختلافاً كبيراً بينهما وبين الدول الغربية، التي كانت تقدم المساعدة بيد وتستردها بيد أخرى، فضلاً عن سجل الفقر المتزايد الذي شهدته خلال فترة التعاون مع الغرب على مدى نصف قرن، بالإضافة إلى الممارسات التجارية غير المنصفة، التي ولدت الكثير من الجدل بين الإفريقيين خلال العقد الفائت، وسعت الوصول إلى أجندة تنموية إفريقية بديلة ومستقلة . أما الصين والهند فقد عاملتا إفريقيا كشريك يكسب من الفائدة ما تكسباه في مجال الاستثمار والتجارة، والأهم من ذلك تتجنب الهند والصين التعامل بلغة تقديم المساعدة، بل تتحدث بلغة التكاتف والتعاون الاقتصادي المتبادل والازدهار العام، وتعتبر هذه اللغة كموسيقا عذبة على آذان النخبة والقادة الإفريقيين، الذي شعروا بالإرهاق من الأبوة الغربية . ورغم ذلك تظهر هناك مخاوف من أن ازدياد نفوذ العملاقين الآسيويين في إفريقيا، خاصة في مجال الطاقة والمعادن، الذي من شأنه أن يشكل خطراً حقيقياً في المستقبل، من المحتمل أن يتطور إلى استعمار جديد في النصف القادم من القرن الحالي .

العملاقان الآسيويان

في القسم الأول من الكتاب بعنوان “الصورة الكبيرة: الهند والصين كعملاقين صاعدين” يقسمه المحرران إلى ثلاثة فصول: 1- الصين والهند و(الجنوب) إفريقيا: ما شكل العلاقات الدولية في العقد الثاني من القرن العشرين بقلم (تيموثي إم .شاو) 2- القواعد الاستراتيجية الجنوبية – الجنوبية لإفريقيا في الارتباط مع الصين بقلم (دوت كيت) . 3- العلاقة الهندية – الإفريقية: في ظل الصين بقلم (سانوشا نيدو) .

يذهب الفصل الأول إلى ما وراء الاقتصادات سريعة النمو، وإلى نقاش نوعي حول الصين والهند بعض الشيء، بالإضافة إلى تعريف دول وقطاعات وشركات محددة ومجتمعات مدنية ممن تلعب دوراً مركزياً في العلاقات عبر القارات . يحاول أن يعرف المحفزات والدوافع الموجودة في العلاقات الناشئة عبر القارات، ويقيم نتائجها لتحقيق التنمية في إفريقيا . ويقول المحرران: “ربما أخيراً يعلن العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين النهضة الإفريقية المتأخرة” .

نجد أن الفصل يشير إلى أن هناك أربعة مواضيع متداخلة ومتشابكة:

الأول: يذهب إلى ماوراء التوصيفات غير النقدية للتبادل الاقتصادي الصيني – الهندي التي تشرف على اختلافات لاتعد ولا تحصى، وتتجاهل الأبعاد الأمنية والتنموية وحقوق الإنسان .

الثاني: ربما تشكل “الصين” تحدياً للجدل المتصاعد حول ما إذا كانت العلاقات الدولية-الإفريقية مختلفة، لأنها أقل رسمية من أي مكان آخر، ذلك أن العلاقات عبر الحدود على القارة كانت على نحو كبير غير حكومية وغير رسمية، وبعض الأحيان غير قانونية .

الثالث: من ناحية الاختلافات بين وداخل (البرازيل، روسيا، الهند، الصين)، يسعى هذا الفصل بشكل جزئي إلى تصفيف الأدبيات والمحادثات على العلاقة الدولية الإفريقية مع (البرازيل، روسيا، الهند، الصين)، وخاصة الصين، بالنظر إلى مركزيتها الوجودية ونقدها الرسمي، الذي يتضمن إقصاء المنظمات غير الحكومية .

الرابع: ربما يسهم هذا الفصل بتقديم رؤى غير متوقعة في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي الدولي والدراسات التنموية والاقليميات والدراسات التجارية التي تذهب إلى ما وراء النقاشات في القرن الجديد .

ويشير المحرران إلى أن الأرض المتحركة للقوة الاقتصادية العالمية من أوربا وأمريكا إلى آسيا مع ارتفاع أسي للهند والصين وتشكيلات متعددة الأضلاع مثل (البرازيل، روسيا، الهند، الصين) و(الهند، البرازيل، جنوب إفريقيا) تقدم التحديات والفرص للقارة الإفريقية في الوقت ذاته .

الهند: وافد قديم على إفريقيا

يكشف الفصل الثالث من القسم الأول الأثر الإفريقي المتنامي عند الهند والأسباب الكامنة وراء ذلك، بشكل خاص المدى الذي تشكله إفريقيا في طموحات الهند العالمية . وعما إذا كان أثر الهند في القارة يماثل أثر الصين ودورها في إفريقيا . وبالقدر الذي تدحض فيه المفاهيم السياسية الرسمية في نيودلهي وبكين مثل هذه الادعاءات، فإنها تناقش أن ارتباطاتهم الخاصة في إفريقيا تقودها عوامل مستقلة منحازة إلى المصالح العامة، ومن الصعب تجاهل التشابه الذي يدعم استراتيجيات إفريقيا . وهذا يمكن إيجاده في طلبهم المتزايد لفرص الاستثمار والتجارة والمصادر الأمنية، وتشكيل مصادر الشراكات الاستراتيجية، ومؤتمر باندونغ (1955) والتناسق الجنوبي-الجنوبي والتكاتف الإفريقي – الآسيوي .

ويبين المحرران أنه لا بد من التوضيح أن الهند ليست وافداً جديداً على القارة الإفريقية . بل على النقيض من ذلك، تتمتع الهند وإفريقيا بعلاقة تاريخية طويلة المدى . حيث أظهرت الاتصالات والتجارة بين الجانبين أنها تمتد إلى ما قبل الاستعمار البريطاني . وما بعد الاستقلال، رأت الهند دورها في النظام العالمي في الدفاع عن الصراعات المناهضة للاستعمار والعنصرية . حيث لعبت دوراً حاسماً في مؤتمر باندونغ (1955)، الذي قاد إلى ظهور حركة عدم الانحياز واستخدمت المناسبة لتعزيز وتقوية التكاتف الإفريقي – الآسيوي، فقد عقد المؤتمر في مدينة باندونغ الإندونيسية عام (1955) وشارك فيه الرئيس عبد الناصر بالإضافة إلى رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، تبنى المؤتمر مجموعة من القرارات جاءت في دعم القضايا العربية والإفريقية . كما أنه خلال فترة الحرب الباردة شملت العلاقات التكاتف السياسي المتعمق، وكان على إفريقيا حينها-بحسب رؤية رئيس الوزراء نهرو -الاضطلاع بدور في تشكيل نظام عالمي عادل . ومع دفع الهند الدول الإفريقية نحو الاستقلال من الهيمنة الاستعمارية، أصبحت في تحالف استراتيجي في الحرب الباردة، وكان دعمها في ذلك هو فرضية أن الهنود الشتات في إفريقيا سيشكلون عاملاً مهماً، ورغم ذلك بقي دور الهند في القارة الإفريقية هامشياً . أما ارتباط الهند مع إفريقيا فقد حفز في المجادلات العنيفة في الحرب الباردة والصراعات الحدودية مع الصين في عام (1962) . وكانت الاستجابات الإفريقية نحو الصراع في حالة تردد، وأدركت نيودلهي أنها لا تملك حليفاً قوياً في إفريقيا، ولذلك عملت على نحو نشيط على مناهضة الاختراق الصيني في إفريقيا . وهذا أدى بدوره إلى انطلاق “التعاون الاقتصادي والتقني الهندي” نتيجة اللقاءات في عام (1963)، وذلك لتحسين التعاون التقني والاقتصادي مع إفريقيا، ولا يزال حتى اليوم مكوناً متماسكاً في مبادرة الهند التنموية لإفريقيا .

وفي الوقت الذي كانت الصين تعاني من مجادلات الحرب الباردة مع موسكو، ظهر موقف الهند على أنه أكثر صمتاً، وقاد إلى ارتباطات انتقائية مع القارة خلال سنوات (1970) (1980) . ومع نهاية الحرب الباردة، كان يجب على السياسة الهندية الخارجية ضرورة إعادة تسليط الضوء عليها وتشكيلها للأخذ في الحسبان الاندفاع الجديد في الساحة العالمية .

ويشير المحرران بالمقابل إلى أن هناك عوامل معينة تحفز علاقات الصين المعاصرة مع إفريقيا وهي: المصادر الأمنية، والحاجة إلى فرص استثمار وأسواق جديدة، والدبلوماسية الرمزية، والمساعدة التنموية، وصياغة الشراكات الاستراتيجية .

وجهة نظر تاريخية

في القسم الثاني من الكتاب بعنوان “علاقات الصين والهند مع إفريقيا: وجهة نظر تاريخية” وهو مقسم إلى ثلاثة أقسام تكمل ما قبلها: 4- تعاون الصين مع إفريقيا في مشروعات التنمية: وجهات نظر ثقافية وتاريخية، بقلم (ليو هيفانغ) . 5- الارتباط مع إفريقيا: مصالح الهند في القارة الإفريقية، الماضي والحاضر، بقلم (سانجوكتا بانيرجي بهاتاجاريا) . 6- تعاون الهند مع إفريقيا في مجالات التنمية، بقلم (براناي كومار سينها) .

يسعى الفصل الرابع إلى تحفيز البحث على أهداف ومواضيع تعاون الصين مع إفريقيا في مشروعات التنمية، وذلك باستخدام وجهات النظر الثقافية والتاريخية، ليبين أكثر كيف أن الفرضيات الأساسية وممارسات السياسة الخارجية الصينية نحو إفريقيا تغيرت على مر السنين . في الحقيقة، كانت الصين تحاول تأسيس علاقاتها السياسية وتقديم دعمها لإفريقيا وبقية العالم النامي . وكان هدفها على صعيد التعاون التنموي هو تقديم الدعم التقني والدبلوماسي للمضطهدين في الجنوب، ممن يكافحون ضد الإمبريالية، وتحقيق المنافع العامة في تجاوز الفقر والبطالة . بالإضافة إلى أن توجه الصين إلى توسيع علاقاتها مع إفريقيا في سنوات الستينات من القرن المنصرم كان من أجل الحصول على الاعتراف والدعم السياسي من قبل الدول الإفريقية لمصلحتها في الأمم المتحدة فيما يتعلق بنزاعها مع تايوان، التي كانت بكين تعتبرها إحدى مقاطعات الصين . وفي الوقت الذي احتضنت فيه الصين إيديولوجية العولمة والإصلاح الاقتصادي من سنوات الثمانينات في القرن المنصرم، أصبحت سياستها الخارجية موجهة بالعوامل الاقتصادية أكثر من الإيديولوجية، بالإضافة إلى خطاب التكاتف وعدم التدخل والمنفعة المتبادلة التي لا تزال سائدة . ويشير المحرران إلى أنه في الحقيقة بدأت الصين بتقديم مساعدتها إلى إفريقيا مع بداية برامج المساعدة الغربية في سنوات الخمسينات من القرن المنصرم، وبالتحديد بعد انعقاد مؤتمر باندونغ وكانت للصين خمسة مبادئ توجيهية أطلقها رئيس وزراء الصين الأول زهو إينلاي خلال المفاوضات الهندية-الصينية، فقد كانت تلك المبادئ بمثابة كلمة سحرية أو تعويذة توجه العلاقات الصينية-الإفريقية وتضمنت تلك المبادئ: 1- الاحترام المتبادل للسيادة والتلاحم الإقليمي . 2- اتباع سياسة عدم الاعتداء من الطرفين . 3- عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما بعضاً . 4-المنفعة المتبادلة وتحقيق المساواة . 5- التعايش السلمي . وفيما بعد، في عام (1964)، أطلق زهو إينلاي ثمانية مبادئ توجيهية أخرى بعد زيارته لأربع عشرة دولة إفريقية، وكانت “المبادئ الثمانية للمساعدة التقنية والاقتصادية” وكانت تؤكد: لا بد للمساعدة الصينية التقنية أن تبني القدرات المحلية، ولابد أن يكون للخبراء الصينيين نفس مستوى معيشة الخبراء المحليين، ولابد للتعاون الاقتصادي أن يعزز الاعتماد على الذات وليس التبعية، ولا بد أن يكون هناك احترام لسيادة الدول المستقبلة، وألا يكون هناك فرض أي شروط اقتصادية أو سياسية على حكوماتهم المستقبلة . وقد مرت هذه السياسات بصعوبات في الفترات اللاحقة خاصة في فترة الثورة الثقافية في (1964)، التي استغلتها تايوان بنجاح، لكن قيامها بالإصلاحات الاقتصادية تحت إشراف صندوق النقد الدولي مهد أمامها الطريق أكثر .

الدبلوماسية الثقافية الصينية

كانت السياسة الثقافية الخارجية للحكومة الصينية هي اتخاذ أصدقاء أولاً، ثم تعزيز الفهم، وأخيراً إنشاء العلاقات الرسمية على نحو طبيعي . حتى إنه في مؤتمر باندونغ (1955)، ظهرت الحاجة إلى التعاون والتنسيق على الصعيد التنموي والثقافي بين الدول الآسيوية والإفريقية، وذلك للتخلص من إرث الإمبريالية والكولونيالية . وفي الحقيقة، مهدت هذه المبادرات الثقافية الأرضية لتأسيس العلاقات الرسمية بين الصين وعدد متزايد من الدول الإفريقية الحاصلة على استقلالها . وأتت هذه العلاقات الثقافية أكلها في السنوات اللاحقة على الصعيد الاقتصادي، وذلك من خلال برامج معينة مثل: “تدريب الموارد البشرية” حيث دربت الصين عشرات الآلاف من الإفريقيين في مختلف القطاعات، وبرنامج: “تأسيس معاهد كونفوشيوس الإفريقية” وكانت الغاية ترويج الصينية كلغة أجنبية وتحقيق التبادل الثقافي والتعاون في التعليم والثقافة والاقتصاد، “تنظيم الندوات والمنتديات”: حيث كان يحضرها كبار العلماء والفنانون والمثقفون من الجانب الصيني والإفريقي، و”مشروع التطوع الوطني”: وذلك لتفعيل دور الشباب الصيني للمشاركة في العديد من القطاعات مثل: التعليم والزراعة والطب والعمران، و”برنامج السياسة الخارجية البلدية والمدن الشقيقة”، وكان لتشكيل أرضية مناسبة في دعم الدور الاقتصادي الصيني في البلدان الإفريقية، و”برنامج الزائر الثقافي الإفريقي” كان بمبادرة من وزارة الثقافة الصينية أطلق في (2006)، لتعزيز التفاهم والتبادل والتنسيق بين الثقافات الإفريقية والصينية .

يشير المحرران إلى أن هناك بعض العلماء الغربيين وصفوا الدبلوماسية الثقافية الصينية بأنها “هجوم سحري”، في حين فضل العلماء الصينيون تعريفها ب”القوة الناعمة” مع خلفية ثقافية تقليدية قوية . كما يجدان أن الدبلوماسية الثقافية التقليدية قد تطورت وفتحت العديد من قنوات التعاون والتواصل المختلفة، التي من شأنها أن دعمت الروابط السياسية والاقتصادية مع القارة الإفريقية، ونتيجة هذا الشيء، كانت الاستفادة المتبادلة على الصعيد الصيني والإفريقي سياسياً واقتصادياً، ومن الواضح أن التعاون الثقافي قد تجاوز كل الأشكال الأخرى من التعاون الدولي . يؤكد المحرران أن نقطة الارتكاز الأساسية ليست المساعدة بل التنمية، ذلك أن حصان التنمية لا بد أن يوضع قبل عربة المساعدة، وفي الحقيقة، نجح الصينيون في تقييم هذا وتطبيقه، وهذا ما يجعل الدور الصيني متنامياً وفعالاً على جميع الصُعُد يوماً تلو الآخر .