موقع متخصص بالشؤون الصينية

صعود الصين والهند في إفريقيا (القسم الثاني)

 

الهند: من المثالية إلى البراغماتية
الصين والهند: التنافس والتعايش
تحديات أمام الهند
الصعود المفاجئ
الصين وإفريقيا نحو علاقة أمنية جديدة

في الحقيقة، أصبحت الهند والصين في السنوات الأخيرة من أكثر الشركاء الاقتصاديين البارزين في إفريقيا، وبات حضورهما يزداد على نحو كبير، ومن دون شك ساهمتا في تغيير العلاقات الدولية لهذه القارة بطريقة دراماتيكية . وعلى الرغم من أن التأثير الشامل لارتباط الهند والصين في إفريقيا يحمل تأثيرات إيجابية على المدى القصير، وبشكل جزئي، كنتيجة ارتفاع العائدات من صادرات السلع التي دعمتها الطلبات المفرطة من البلدين، إلا أنه يوجد القليل من البحوث التي تبين تأثير العلاقة المتنامية الفعلي في التحول الاقتصادي لإفريقيا .

جاء هذا الكتاب (276 ص من القطع الكبير – دار النشر: “زيد بوكس” البريطانية- 2010) ليعاين بشكل مفصل الفرص والتحديات التي يطرحها حضور الهند والصين المتزايد في إفريقيا، ويقدم مداخلات حاسمة من حيث ضرورة وجوب الحكومات الإفريقية الالتزام بها، لكي تتفاوض مع الصين والهند من أرضية أقوى وأكثر اطلاعاً، وكي لا تتحول الفرص المتاحة لبناء آفاق من التعاون والتنمية إلى تهديد يثقل كاهل القارة الإفريقية .

ولد موهنداس كرمشاند غاندي (1869-1948) في بوربند في ولاية غوجارت الهندية، كان سليل عائلة عريقة في السياسة، درس القانون في بريطانيا في بدايات سنوات (1882)، وظهر بعيداً عن مهنته في المحاماة لأول مرة، عندما لجأ إلى استخدام العصيان المدني في إفريقيا، وبالتحديد في دولة جنوب إفريقيا في بداية القرن العشرين في وجه الإمبريالية، حيث طالب بإحلال المساواة والعدالة في إفريقيا، ثم امتدّ نشاطه إلى الهند في السنوات اللاحقة . وقال غاندي حينها: “إن التجارة المتبادلة بين الهند وإفريقيا ستكون على صعيد الأفكار والخدمات، ولن تكون مقتصرة على البضائع المصنّعة مقابل المواد الخام على نمط المستغلين الغربيين” . ويشير المحرران إلى أنه اليوم في القرن الحادي والعشرين هناك تطوّر مفاجئ في الحكاية: حيث انتقلت العلاقات الهندية-الإفريقية إلى ما وراء تلك المبنية فقط على صعيد “الأفكار والخدمات” إلى علاقة أكثر براغماتيكية تتضمّن المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية في تقارب مع واستجابة لاحتياجات إفريقيا التنموية . كما يجدان أنه اليوم، لا تزوّد الهند بنموذج حيوي فقط من التنمية الاقتصادية يقدره العالم النامي، بل إنه أيضاً نموذج ديمقراطي برّاق من التنمية المستدامة والاندماج، وكان ذلك نادراً في أغلب الدول ما بعد الكولونيالية . ويشير المحرران إلى أنه بعد مئة وثماني سنوات من غاندي، يقوم رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغه (السابق) بالحديث في قمة المنتدى الإفريقي-الهندي الأول في إبريل/نيسان (2008)، حيث أسهب بحديثه على موضوع العلاقات الهندية-الإفريقية المتنامية والمتعددة الأوجه . فقد لاحظ أن هذا كان “فصلاً جديداً في التاريخ الطويل للاتصالات الحضارية والصداقة والتعاون بين الهند وإفريقيا”، وكان الهدف “الاستقرار الاقتصادي، والسلام، والاعتماد الذاتي، حتى إنه ذهب في أبعد من ذلك في الإفصاح عن رغبته في رؤية القرن الحادي والعشرين ك”قرن آسيا وإفريقيا مع تضافر جهود شعوب القارتين لأجل تعزيز العولمة الشاملة” .

نجد أن الفصل الخامس من القسم يعاين طبيعة العلاقات الهندية-الأمريكية في الماضي، بشكل خاص في الفترة (1950-1999)، كما يحلل شروط الهند في الاندماج مع إفريقيا من سنوات (1990)، بالتركيز على الجوانب الأمنية والسياسية والاقتصادية، وفي النهاية يقيّم التحديات التي تواجه الهند في هذه المبادرة .

الهند: من المثالية إلى البراغماتية

يشير المحرران إلى أنه في العقود الأربعة والنصف الأولى من ارتباط الهند مع إفريقيا على نحو مستقل كان كل شيء مبنياً على المبادئ الإيديولوجية والمثالية وكانت سياسية بشكل رئيسي . عقب الحرب الباردة ومع تقديم برنامج التحرير الاقتصادي الهندي أوائل سنوات التسعينات من القرن الفائت، انتقلت السياسة الخارجية الهندية من مثالية غاندي وعدم انحياز نهرو إلى اتباع سياسة أكثر براغماتية في جذب الاستثمار وتوسيع الاستثمار والتجارة مع الدول الإفريقية . وبالنسبة للهند فهي بشكل خاص مهتمة بالحصول على إمدادات ضخمة من الطاقة الحيوية والمواد الخام من إفريقيا، لكي تدعم اقتصادها الصاعد وتقلل من نسبة الفقر، وفي الحقيقة، تعتبر الهند اليوم من القوى الاقتصادية الصاعدة التي تملك إمكانات هائلة متعددة، وهي من دول “بريك”، وهو مصطلح استخدمته مجموعة “غولدمان ساكس” في (2001) للإشارة على نحو مختصر إلى الدول الأربع التي تنمو اقتصاداتها بسرعة عالية، وهي (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) وهي كلمة مؤلفة من الحرف الأول لكل من الدول المذكورة باللغة الإنجليزية . وحسب ما يشير المحرران: “قدّر إنتاج الهند المحلي في (2008) وفقاً لمؤشر القوى الشرائية 267 .3 تريليون دولار، واستقر تبادلها العملات واحتياطات الذهب نهاية ديسمبر/كانون الأول على 2 .274 مليار دولار .

في الواقع، تملك الهند قدرة مالية على الاستثمار في بلدان أخرى، كما تملك قطاعاً خاصاً حيوياً، فشركات مثل: “تاتا غروب”، و”رانباكسي” و”ريلاينس غروب” و”بيرلا غروب” و”كيرلوسكار” أصبحت شركات عالمية بمجهودها الذاتي . كما أن الشركات الهندية مثل “إنفوسيس” مدرجة على قائمة بورصة نيويورك، وهذا يشير إلى الإرادة المتصاعدة للشركات الهندية المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي، وتتركز قوة الهند الرئيسة في قطاع الخدمات، فهي تعتبر ثاني أكبر مصدّر للخدمات المعلوماتية والكمبيوترات على مستوى العالم بعد الاتحاد الأوربي . وفي الوقت نفسه، تطورت الهند في مهارات التصنيع إضافة إلى قطاعات أخرى، ضمنها الطاقة (التقليدية إضافة إلى البديلة)، والتعدين والزراعة . وهذا يعني أن ارتباطات الهند الاقتصادية باتت مختلفة على المستوى العالمي عما كانت عليه في فترة الحرب الباردة . ويرى المحرران أن العلاقات السياسية الهندية أصبحت تتطور على أساس العلاقات الاقتصادية الثنائية والمتعددة، كما أن الهند باتت تحرص على إقامة علاقات التعاون على المستويات كافة مع الدول المتقدمة والنامية في السعي للحفاظ على أهدافها الأمنية . ويريان أنه من الضروري للهند في بحثها عن نمو اقتصادي أن تسعى لحلفاء ودول شريكة تبحث عن مساعدات تنموية وتستثمر في بلدان وقطاعات بحيث يتم إرضاء احتياجاتها الأمنية المتعددة . وبالنسبة للقارة الإفريقية، فإنها تشكل مصدراً مهماً للهند في تلبية احتياجاتها، إضافة إلى أن الهند تملك الخبرة في العديد من القطاعات التي تسعى إليها إفريقيا، من شأنها أن تسهم في تخفيف الفقر بتكاليف أقل، وهي تساعد على تنمية الدول الإفريقية، وتجرها إلى سفينة الاقتصاد العالمي من دون اتباع أساليب استغلالية معها .

الصين والهند: التنافس والتعايش

تواجه الصين العديد من العوامل المحددة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، في مسعاها للتعاون المتعدد الجوانب والثنائي الجانب مع البلدان الإفريقية، ومن وجهة نظر محلية، في الوقت الذي تكون إفريقيا محط تركيز السياسة الخارجية الهندية، إلا أنها ليست التركيز الرئيسي، ولا يمكن توقع أن تكون، وذلك بالنظر إلى التعاون الأمني والاقتصادي الصاعد مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والدول في الجوار الآسيوي . في الواقع، معظم الاستثمارات الهندية تأتي من الغرب، ومعظم الصادرات الغربية موجهة إلى الغرب، بالتالي تصبح هناك مناطق أخرى مهمة اقتصادياً، تعتمد على التجارة وعلى مستوى التطوير في إنتاج البضائع الصناعية . في الحقيقة، تتطور التجارة مع الدول الإفريقية، لكن لايزال هناك طريق طويل لتحقيق أكثر من ذلك . بقدر ما تحظى العلاقات السياسية بعناية، فإن الدول الغربية المتقدمة، بشكل خاص الولايات المتحدة، لاتزال في مركز أولويات السياسة الخارجية الهندية . وفي الحقيقة، التحديات الرئيسة في الساحة الخارجية أمام الهند هي الصين والولايات المتحدة، فتجارة الصين الثنائية مع إفريقيا أكثر من تجارة الهند بما يقارب 70 مليار دولار، واستثمرت 6 .5 مليار دولار أكثر من الهند في القارة، ووقعت اتفاقيات ناجحة مع العديد من الدول الإفريقية . وكان طلبها للنفط والمعادن عاملاً رئيساً في نمو التجارة الصينة-الإفريقية . ذهبت الصين من كونها مصدّر النفط المكرّر إلى مستورد النفط المكرّر في سنوات التسعينات من القرن الفائت (تستورد حالياً ما يقارب 21 .4 مليون برميل في اليوم)، إضافة إلى ذلك تتنافس مع الهند في العديد من القطاعات منها السيارات، ولها الريادة في قطاع التصنيع في إفريقيا .

لدى الصين حضور هائل في إفريقيا، فلها ما يقارب (900) مشروع، و(800) شركة عاملة في بلدان مختلفة، كما أنها أرسلت ما يقارب 16 ألفاً من الطواقم الطبية إلى إفريقيا، وعرضت (20) ألف منحة دراسية للطلاب الإفريقيين، ودرّبت عدداً كبيراً من المهنيين الإفريقيين . على الرغم من أن الهند أصبحت عضواً إقليمياً في بنك التنمية الإفريقي قبل الصين بسنتين في (1982) . وتحمل الصين الآن أسهماً أكثر في البنك، ولديها قوة تصويت أكبر، حتى إن مجلس إدارة البنك، عندما قرر عقد اجتماعه الأول في مدينة آسيوية، اختار شنغهاي بدلاً من مومباي .

يشير المحرران إلى أن الشركات الهندية العاملة أكثر قبولاً في الاستثمارات من الصينية بالنسبة للسكان المحليين، لما تقوم به من دور في إشغالهم وتدريبهم، علاوة على ذلك، فالصين تحصل على فائدة كبيرة، لأن الحكومة الصينية هي المالك الرئيسي لأغلب الشركات، بينما أغلب المشاريع الهندية في إفريقيا تديرها شركات خاصة، ورأسمالها قليل بالمقارنة مع الشركات الصينية التي تملكها الدولة، وهناك الكثير من الأسئلة التي تدور حول علاقات الصين مع بعض الدول الإفريقية، تتعلق بالأسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان والعمالة الرخيصة، ولكن ما يجب النظر إليه، هو أن الصفقات السياسية والتجارية الصينية في بعض الأحيان تشكّل تحدياً لعلاقات الهند مع إفريقيا .

تحديات أمام الهند

تواجه الهند تنافساً شديداً من الولايات المتحدة، وذلك عندما يأتي الأمر إلى استخدام النفوذ في إفريقيا، حتى إنه خلال عهد الأبارتهايد، كان لتعاون الولايات المتحدة التجاري مع جنوب إفريقيا دور في الوقوف في وجه الجهود دول العالم النامي لعزل جنوب إفريقيا من الناحية الاقتصادية في سنوات الثمانينات من القرن الفائت، وبعد فرض العقوبات الأمريكية الاقتصادية في (1986) على جنوب إفريقيا ازداد الحضور الأمريكي في السنوات الأخيرة على نحو ملحوظ، وهي تعد شريكاً رئيساً في الصادرات للعديد من الدول الإفريقية، حتى إنها تجاوزت فرنسا في بعض الدول الفرانكفونية . ومن الناحية الأمنية، أسست الولايات المتحدة القيادة الاستراتيجية الإفريقية (أفريكوم) في أكتوبر/تشرين الأول (2007) . وما بين (1997 و2007) دربت الولايات المتحدة كتائب في العديد من الدول الإفريقية مثل: السنغال، أوغندا، مالاوي، مالي، غانا، بنين، ساحل العاج، هذا عدا برامج تدريب في الحرب النفسية، وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في أمريكا، زادت إدارة بوش من الاستثمار العسكري في إفريقيا، وقامت بالعديد من البرامج التدريبية العسكرية في المناورات الدفاعية والهجومية، وتم صرف الملايين من الدولارات على ذلك . وفي الحقيقة، لا تشكل الولايات المتحدة تحدياً للهند بالمعنى المباشر للكلمة، بل ارتباطها مع إفريقيا يجب أن يؤخذ بالاعتبار حسب ما يبين المحرران .

بعيداً عن هذه التحديات المحتملة، تواجه الهند بعض القضايا الإشكالية في إفريقيا، ذلك أن هناك تاريخاً طويلاً في الاضطراب العمالي بين الهنود بالعرق والإفريقيين الأصليين، خاصة في دول غربي إفريقيا مثل كينيا وأوغندا، حيث استقر الهنود فيها قبل أكثر من قرن من الزمان . كما ظهرت مناطق جديدة مع ازدياد الوجود الهندي، فعلى سبيل المثل، تم اختطاف العديد من العمال الهنود في نيجيريا بسبب الخلاف على دفع الأجور في أكتوبر/تشرين الأول ،2007 كما أن للهند ارتباطات مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وهي العلاقات نفسها التي تربط الصين بهم . فقد أخذت شركة بترول الهند الدولية 25% من مشروع نفط النيل الكبير، على الرغم من الصراع المستمر في دارفور في السودان، التي اتهمت فيها الحكومة بارتكاب حالات قتل تشبه الإبادة الجماعية . كما أن تجارة الهند مع زيمبابوي وصلت إلى 40 مليون دولار في عام (2006)، حيث يحكم زيمبابوي نظام موغابي الشمولي وغير الديمقراطي، الذي لقيت ممارساته استنكاراً دولياً .

يؤكّد المحرران أن المصلحة الوطنية الهندية لابد أن توضع فوق كل الاعتبارات، على الرغم من متطلبات الطاقة والأمن الغذائي، وعليها ألا تلطّخ سجل التعاون الاقتصادي لأجل المنفعة المتبادلة مع الدول الإفريقية والشراكة المستمرة على المدى الطويل . ويشيران إلى أن خطوات واسعة اتخذت في إعادة ارتباط الهند مع إفريقيا، ليس فقط في القطاع الاقتصادي، بل على المستويين السياسي والأمني، فقد مضت الهند في طريق بعيد عن تصور مهاتما غاندي في “تجارة الأفكار” مع إفريقيا .

في الحقيقة، التفاعلات الهندية-الإفريقية اليوم حيوية وتشمل التعاون على الصعيد الأمني والعلمي والثقافي والدبلوماسي والاقتصادي والسياسي، وهناك آمال عظيمة بفتح آفاق جديدة وبناء صداقات بين الهند وإفريقيا، وبين الهنود والإفريقيين أنفسهم كشعوب .

الصعود المفاجئ

يتناول المحرران القسم الثالث من الكتاب بعنوان “نمو الصين والهند المفاجئ في إفريقيا” في أربعة فصول (7-8-9-10)، يركز الفصل السابع بعنوان “نمو الصين والهند الفجائي: نتائج الصادرات المصنعة الإفريقية” بقلم (أليمايهو غيدا وأتنافو ج .ميسكل) على تحديد التأثير الممكن للصين والهند في إفريقيا، وإذا ما كان النمو الاقتصادي لهاتين الدولتين يشكّل تهديداً على إفريقيا أم أنه يشكّل فرصة لنمو اقتصاداتها . ويركز في الفصل الثامن بعنوان “الاستثمار الصيني في شبكة الصناعات الإفريقية: دراسات من جمهورية كونغو الديمقراطية وكينيا، بقلم: (بيتر درابير، تسيديسو ديسينيانا، غيلبيرتو بياكونا) على الاستثمارات الصينية في إفريقيا: الاتصالات في جمهورية الكونغو الديمقراطية والطاقة الشمسية في كينيا، وكلاهما يمثل قطاع الخدمات المهم والحاسم في تشغيل الاقتصادات الحديثة، والتي ترتبط بشكل كبير مع أولويات التنمية الملحّة في إفريقيا، ويوضّح أن دفعة الاستثمار الخارجي في الصين، على الرغم من أنها تنمو بقوة، إلا أنها ستبقى محدودة بشكل نسبي على مدى المستقبل المنظور، ويأتي استثمارها الخارجي في بعض القطاعات في مصلحة إفريقيا، وهذا يشير إلى أنّ الدول الإفريقية تصبح أكثر استراتيجية، وتستخدم هذه الفرصة لبناء القدرات الإنتاجية المحلية . أما الفصل التاسع بعنوان: “دور القطاع الخاص في الصحة والقطاعات الزراعية في إفريقيا” بقلم (رينو مودي) يعاين العلاقة بين الدولة الهندية ومؤسسات القطاع الخاص تحت إدارة اتحاد الصناعات الهندية . وفي الفصل العاشر بعنوان : “توجيه شبكات النسيج الصينية: التاجرات في أكرا ولومي” بقلم (لين أكسيلسون ونينا سيلفانوس)، يبدأ بتقديم سياق تاريخي في فهم استراتيجيات نساء توغو وغانا ودورهنّ في التجارة الجديدة المرتبطة مع البضائع الصينية، وإلى مسار الدولة ما بعد الكولونيالية والعلاقة المتغيرة والمتصارعة مع التاجرات، وخطط فصل الديناميكيات الاقتصادية والسياسية والتاريخية المتشابكة، التي ساهمت في دخول هذه البضائع الصينية في هذه الأسواق . ويوضح الفصل كيف أن التاجرات يجدن طرقاً إما للبقاء مخلصات لإرثهن التاريخي أو يتحدين الإرث نفسه بالانغماس في التجارة مع الصين .

الصين وإفريقيا نحو علاقة أمنية جديدة

يحتوي القسم الرابع من الكتاب بعنوان “رابطة التنمية-الصراع: توازن متقلّب!” على ثلاثة فصول (11-12-13) وسنتناول هنا الفصل الحادي عشر بعنوان “الصين وإفريقيا: نحو علاقة أمنية جديدة” بقلم (كويس أنينغ) . يعاين الفصل سياسة الصين الأمنية في ما يتعلق بإفريقيا بشكل عام والاتحاد الإفريقي بشكل خاص، وتأسست منظمة الاتحاد الإفريقي في (2002) خلفاً لمنظمة الوحدة الإفريقية، تضم اثنتين وخمسين دولة إفريقية، اجتماعها نصف سنوي، ومقر الأمانة العامة في أديس أبابا في إثيوبيا، وتهدف إلى زيادة الاندماج السياسي والاقتصادي والاجتماعي في إفريقيا، كما تعمل على دعم وتعزيز مواقف إفريقيا تجاه القضايا التي تخص الأمن والسلام، وتساند الديمقراطية وحقوق الإنسان . يعاين الفصل على نحو خاص أكثر مبادرات الصين في المساهمة في حل أو تدهور الأزمة في السودان . علاوة على أنّ علاقة الاتحاد الإفريقي مع الصين تم إخضاعها للاختبار، خاصة في ما يرتبط بناشطي حفظ السلام الصينيين في القارة . وحسب المحررين، فإن التحليل وضع ضمن سياق التفاعل بين التدخل غير السياسي والأمني، والذي تبع بمحاولة لشرح نجاح الصين في إفريقيا .

يرى المحرران أن ارتباط الصين مع إفريقيا يعكس ديناميكيات قوة جديدة في الاقتصاد العالمي، لكن رغم ذلك يثير هذا الارتباط سؤالاً حاسماً: “إلى أي مدى يكون وجود الصين في إفريقيا مختلفاً أو أكثر في الوقت نفسه؟ وإلى أي مدى تفيد هذه العلاقات الدولية الجديدة إفريقيا على الصعيد الاقتصادي في الوقت الذي تزداد فيه أيضاً تدخّل العلاقات الدولية الإفريقية في القضايا الأمنية؟”

في النهاية يبين المحرران أنه ما من شك في أن الدول الإفريقية تنظر إلى الصين كدولة صديقة بسبب تاريخها ومنهجها، حيث لا تحمل ذلك العبء الثقيل الذي تحمله القوى الأخرى، وبشكل أدق بسبب دعمها في الفترات الأولى لحركات التحرير في إفريقيا . علاوة على ذلك، هناك اعتراف بحقيقة أن السياسة الخارجية الصينية، تبذل جهداً كبيراً لاحترام الإفريقيين كشركاء، ولذا، هذا النوع من العلاقة يقدّم نوافذ الفرص ضمن وعبر الإطار الذي يمكن للدول الإفريقية أيضاً أن تعيد النظر في نفسها في ما يتعلق بالارتباط مع المسائل الأمنية .

ويؤكّدان أنه من السابق لأوانه مناقشة التأثيرات الدائمة لارتباطات إفريقيا الجديدة مع الصين والشكل الذي ستبدو عليه، لكن من دون شك، بناء على ما سبق، فالارتباط المتين مع منظمة الاتحاد الإفريقي يدفع الشركاء التقليديين لها، خاصة الاتحاد الأوربي، للارتباط على نحو أكثر .