صعود الصين والهند في إفريقيا(القسم الثالث)
الدور الصيني في دارفور
الصين وزامبيا: بين التنمية والسياسة
الصراع على الموارد الإفريقية
العلاقات الصينية-الأنغولية
الحضور الهندي في أنغولا
الإمبرياليات الجديدة
في الحقيقة، أصبحت الهند والصين في السنوات الأخيرة من أكثر الشركاء الاقتصاديين البارزين في إفريقيا، وبات حضورهما يزداد على نحو كبير، ومن دون شك ساهمتا في تغيير العلاقات الدولية لهذه القارة بطريقة دراماتيكية . وعلى الرغم من أن التأثير الشامل لارتباط الهند والصين في إفريقيا يحمل تأثيرات إيجابية على المدى القصير، وبشكل جزئي، كنتيجة ارتفاع العائدات من صادرات السلع التي دعمتها الطلبات المفرطة من البلدين، إلا أنه يوجد القليل من البحوث التي تبين تأثير العلاقة المتنامية الفعلي في التحول الاقتصادي لإفريقيا .
جاء هذا الكتاب (276 ص من القطع الكبير – دار النشر: “زيد بوكس” البريطانية- 2010) ليعاين بشكل مفصل الفرص والتحديات التي يطرحها حضور الهند والصين المتزايد في إفريقيا، ويقدم مداخلات حاسمة من حيث ضرورة وجوب الحكومات الإفريقية الالتزام بها، لكي تتفاوض مع الصين والهند من أرضية أقوى وأكثر اطلاعاً، وكي لا تتحول الفرص المتاحة لبناء آفاق من التعاون والتنمية إلى تهديد يثقل كاهل القارة الإفريقية .
في الحقيقة، وضع النزاع المستمر في دارفور في السودان والارتباط الصيني المتنامي على الصعيد الاقتصادي هناك، وبشكل خاص في حقل الطاقة، سياسة الصين مع إفريقيا تحت دائرة الضوء، ذلك أن الصين والسودان، تسود بينهما علاقات صداقة متينة، وتربطهما علاقات اقتصادية وسياسية وطيدة، وقد كان المجتمع الدولي يعقد الكثير من الآمال على دور الصين في التأثير في الحكومة السودانية في هذه المسألة الحساسة . وفي الواقع، وضع الجدل الدولي حول دارفور سياسة الصين الخارجية الطويلة الأمد في “عدم التدخل” على حالة الصدام مع المبدأ الدولي الجديد في “مسؤولية الحماية” والحملات التي تقودها الدول الغربية وبعض المنظمات غير الحكومية لفرض “نظام العقوبات” على حكومة السودان . وفي الفصل الثاني عشر من القسم الرابع في الكتاب بعنوان “قضية دارفور: اختبار جديد لسياسة الصين مع إفريقيا” يناقش الفصل في أنه طالما أن الحكومة الصينية معنية، فإن مبدأ “عدم التدخل” يجب ألا يفسّر كعدم حماسة من ناحية الصين للاضطلاع ب”مسؤولية الحماية” . في السنوات الأخيرة، أظهرت سياسة الصين في التعامل مع دارفور مرونة أكثر فأكثر، وتخضع سياسة “عدم التدخل” نفسها لتغييرات أيضاً . وبحكم التعقيد الذي تتسم به قضية دارفور وعلاقات الشمال والجنوب المتقلّبة في السودان، فإن “منهج الارتباط” الذي تبنته الصين ودفعته إلى الأمام، على قدر من الفعالية على نحو أكثر من “مبادرة العقوبات” التأديبية، التي دفعها الغرب لجلب الاستقرار والسلام إلى السودان . أما بالنسبة إلى مبدأ “عدم التدخل” فهو أحد المبادئ الخمسة للتعايش السلمي الذي يوجه السياسة الخارجية الصينية منذ انعقاد مؤتمر باندونغ في إندونيسيا (1955) . وفي الوقت الذي تتوجّه فيه الصين إلى نظام مبنيّ على السوق، فإن مبدأ عدم التدخل يبقى ثابتاً، وكرّر في العديد من الوثائق الرسمية الهامة . تعتقد الصين أن دعم عدم التدخل وعرض المساعدة غير المشروطة، هي مهمة في دعم جهودها الرامية إلى تطوير العلاقات الدائمة مع إفريقيا .
الدور الصيني في دارفور
نتج عن النزاع في دارفور أسوأ أزمة إنسانية خلال عقود، فقد قدّر عدد من مات في النزاع من عشرة آلاف (بحسب الحكومة السودانية)، إلى سبعين ألفاً وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ونزح أكثر من مليون شخص . وقد أثار فشل الحكومة السودانية في حماية المدنيين من القتل اليومي على يد الميليشيات في دارفور، الكثير من الجدل في الأوساط الدولية، حتى إن العديد من المنظمات الإنسانية اتهمت الحكومة السوادنية بالتواطؤ في ارتكاب “إبادة جماعية”، وبسبب اللامبالاة من نظام البشير تجاه المدنيين في دارفور وقف المجتمع الدولي بشكل صارم ضد الحكومة السودانية، وكانت هناك إرادة دولية في فرض عقوبات، خاصة من قبل الولايات المتحدة، حيث سعت إدارة بوش إلى مجلس الأمن، لكن لم يتم تبني أيّ من مسودّاتها بسبب عدم الاتفاق بين الأعضاء الدائمين . ويشير المحرران إلى أنه في هذا الجانب “نحتاج إلى معاينة دور الصين في أزمة دارفور، ونرى إذا ما كان لدى بكين أي خدع في حقيبتها الدبلوماسية لإقناع نظام البشير بالانصياع إلى المعايير والأعراف الدولية في معالجة الأزمة في السودان” .
رأت العديد من الحكومات الغربية والمنظمات غير الحكومية أن الصين بعلاقاتها مع السودان، تسعى ببساطة إلى مصالحها الاقتصادية وتتجاهل وضع حقوق الإنسان في دارفور . لذلك حمّلوا الصين الكثير من المسؤولية للأزمة الإنسانية المتدهورة في دارفور، حيث لابد أن تتصرف كصاحبة جزء من المسؤولية على المسرح الدولي . والجدير بالإشارة إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين السودان والصين تأسست في عام (1959)، وتطورت العلاقة بهدوء، وتم توقيع المعاهدة الأولى بين الحكومتين عام (1962) . أما ناحية الصناعة البترولية، فقد حسّن تعاون الصين مع السودان بشكل دراماتيكي القدرة البترولية السودانية . وبدأت الشركات الصينية بالتنقيب عن مصادر الطاقة في السودان في منتصف سنوات التسعينات، وفي نهاية (2003) بلغ إجمالي الاستثمار 7 .2 مليار دولار، وفي الواقع، مع وجود الاستثمار الصيني، حوّلت السودان نفسها من بلد مستورد للنفط إلى بلد مصدّر، ففي عام (1993) ارتفع إنتاج البترول من (2000) برميل يومياً إلى (500) ألف برميل في الوقت الراهن .
يجد المحرران أن نجاح الصين في “الدبلوماسية الهادئة” في دارفور، لا يعني أن الصين لا يتوجب عليها ألا تقوم بإعادة تقييم لسياستها في إفريقيا بشكل عام، وفي السودان بشكل خاص . ذلك أن العولمة والتقدم في إفريقيا أنذرا بظروف استراتيجية وسياسية على القارة، وهذا سيستمر بالتأثير في تقديرات السياسة الخارجية الصينية في إفريقيا . ويريان أنه لابد من معالجة اختلال التوازن على وجه السرعة، لأنه لا يمكن تحقيق السلام في دارفور إذا لم يكن هناك من إحلال سلام وأمن بين الشمال والجنوب، وهذه هي نفس الرسالة التي كانت الصين تحاول إيصالها إلى المجتمع الدولي، ولكن مع القليل من النجاح، وفي الحقيقة، الفشل في هذا الموقف المتناقض، سيرسل من دون شك إشارات خاطئة، وسيضرّ بالجهود الساعية إلى تحقيق السلام في البلاد بالكامل .
الصين وزامبيا: بين التنمية والسياسة
يشير المحرران في الفصل الثالث عشر من القسم الرابع في الكتاب بعنوان “الصين وزامبيا: بين التنمية والسياسة” بقلم (فيدريك موتيسا)، أن العلاقة الصينية-الزامبية الثنائية شهدت ازدهاراً على الرغم من التغيرات السياسية والأيديولوجية في كلا البلدين، ولم يكن من المفاجئ أن الرؤوساء الثلاثة الذين حكموا زامبيا منذ حصولها على الاستقلال السياسي من الاستعمار البريطاني عام (1964)، حيث أشار كل هؤلاء الرؤوساء إلى أن علاقة زامبيا مع الصين كان يسيطر عليها مناخ من الصداقة . وفي الحقيقة، عانت زامبيا من عدم الاستقرار العسكري والاقتصادي بسبب دعمها لحركات تحرير السود في الدول المجاورة، حيث كانت الأقلية البيضاء تتحكم بهم، وكان هذا الدعم يؤثر على الطرق التجارية التي تمر في تلك الدول موزامبيق (شرقاً)، وروديسيا (جنوباً) وهي زيمبابوي الحالية وأنغولا (غرباً)، وكنتيجة لتلك المضايقات طلبت زامبيا في أواخر (1960) المساعدة من الدول الغربية والمؤسسات المالية المتعددة لإنشاء خط حياة بديل على ميناء دار السلام، وهي عاصمة تنزانيا الدولة الصديقة، ولكن تم رفض هذا الطلب بذريعة أن المشروع غير مجدٍ اقتصادياً . لكن تقدّمت الصين لبناء سكة حديد تربط تنزانيا وزامبيا بطول (2000) كم . وهذا بقي رمزاً دائماً على موثوقية الصين كحليف لزامبيا، ومن ناحيتها وقفت زامبيا جنباً إلى جنب مع الصين في الجهود الدبلوماسية للحصول على القبول كعضو في المجتمع الدولي . وكانت دولة زامبيا من بين من شارك في دعم مسودة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في (1971) لاستعادة مقعد الصين في مجلس الأمن، ودائماً ما كانت حكومات زامبيا المتعاقبة من الداعمين الدائمين لسياسات الصين . لكن خلال عقود ثلاثة، طرأت تغيرات على مناخ الصداقة، فقد تغير الوضع الجيوسياسي في جنوب إفريقيا، وباتت السلطة بيد السود، وخضع المجتمع الصيني لتحولات كبيرة، وهجر النظام الاقتصادي الاشتراكي المتصلّب، وتوجّه نحو اقتصاد السوق الحرة . وخضع العالم لنظام القطب الواحد الذي كانت الليبرالية الجديدة هي القوة الأيديولوجية المحرّكة وراء العولمة الحديثة . ولذلك، في القرن الواحد والعشرين، وجد الحلفاء والخصوم السابقين أنّ عليهم أن يستجيبوا إلى منطق مختلف في حال الارتباط والتعامل مع بعضهم بعضاً، وللمرة الأولى تعرّضت العلاقات الصينية – الزامبية إلى الاضطراب بعد أن كان مناخ الصداقة مخيّماً عليها .
أما بالنسبة للتعاون الاقتصادي فقد كانت السياسة الصينية الاقتصادية ترضي شهيتها المفتوحة على الموارد الاقتصادية في زامبيا أمام اقتصادها المتسارع في صعوده، وأمام القروض الكبيرة التي أعطتها الصين لزامبيا، وحالات استغلال العمال في الاستثمارات، وجلب العمال الصينين غير المهرة، أثّر بدوره في معيشة السكان المحليين القادرين على القيام بهذه الأعمال، وخلّف تأثيرات سلبية .
يرى المحرّران أنّ قضية الاستثمارات الصينية في زامبيا عالية الحساسية، حتى أنّ رئيس الجبهة الوطنية المعارضة في زامبيا لا يتوانى عن توجيه الانتقاد الشديد إلى العلاقة الصينية مع زامبيا، حيث يجد أن الاستغلال يهيمن عليها، رغم التأكيد المستمر من الرئيس الزامبي وشركائهم الصينين على أن العلاقات تحقق المنفعة للطرفين .
الصراع على الموارد الإفريقية
يحتوي القسم الخامس من الكتاب بعنوان “الصراع على الموارد والبترول الإفريقي” على ثلاثة فصول (14-15-16) . يستكشف الفصل الرابع عشر بعنوان “النفط الإفريقي في حسابات أمن الطاقة لدى الهند والصين” بقلم (سيريل أوبي)، مكان إمدادات الغاز والنفط الإفريقية في حسابات أمن الطاقة لدى القوتين العالميتين الصاعدتين: الصين والهند . أما الفصل الخامس عشر بعنوان “الصين والهند في أنغولا” بقلم (أليكس فاينس وإنديرا كامبوس) فيتناول الحضور الصيني والهندي في أنغولا، ويتناول الدعم الصيني والهندي للحركات التحريرية، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية خلال العقود السابقة منذ فترة الاستقلال بين الصين وأنغولا من جهة وبين الهند وأنغولا من جهة أخرى . وسنتناوله بشكل مفصل في الفقرتين التاليتين . ويناقش الفصل السادس عشر بعنوان: “ثمن الانفتاح: نحو التحكم الاقتصادي الصيني في زامبيا” بقلم (بيتر كراغيلوند)، أن تقدم المشاريع الصينية في إفريقيا ليست فقط نتيجة السياسات الصينية المتعمدة بالحصول على الموارد والأسواق، بل أيضاً نتيجة سياسات الاستثمار الإفريقية الليبرالية التي فرضها المتبرعون الغربيون منذ أوائل سنوات الثمانينات .
العلاقات الصينية-الأنغولية
تستمع أنغولا بفترة من السلام المستمر منذ إبريل/نيسان (2002)، وأجرت انتخابات تشريعية في سبتمبر/أيلول (2008) كانت الأولى منذ (1992)، وتعد أنغولا من بين الدول الإفريقية، التي شهدت صراعات مطوّلة، ولكن خلال ست سنوات أصبحت من بين أكثر الدول الناجحة اقتصادياً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى . حيث مع انتهاء الحرب، كانت من أولى أولويات الحكومة إعادة البناء السريع ما بعد الصراع، ولعبت الصين دوراً مهماً في تقديم المساعدة لهذه الجهود، وهذا حجب الجهود الهندية للحصول على أسعار مخفضّة للطاقة .
في الحقية، أثار دور الصين المتنامي في أنغولا الكثير من الجدل والتوقعات . ومن وجهة نظر كل من الصينيين والأنغوليين، العلاقة بينهما براغماتية واسترتيجية . وفي مناسبة زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى أنغولا في يونيو/حزيران ،2006 قال الرئيس الأنغولي ببساطة، إن “الصين تحتاج إلى المصادر الطبيعية وأنغولا تريد التنمية” . كانت سنة (2008) هي الذكرى الخامسة والعشرون لتأسيس العلاقات بين البلدين . حيث علاقة الصين مع أنغولا تعود إلى السنوات الأولى من النضال المناهض للاستعمار عبر دعمهم لثلاث حركات تحرر في البلاد، وتأسست العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين في عام (1983) بعد أن وقفت عن دعم متمردي (يونيتا) وهو حزب سياسي أنغولي أسسه في عام (1966) جوناس سافيمبي، وهو مناهض للشيوعية، واعترفت الصين بالحزب الحاكم (إمبلا) أو ما يعرف الحركة الشعبية لتحرير أنغولا-حزب العمل المتأسس في عام (1956) والذي يحكم أنغولا منذ استقلالها عن البرتغال عام (1975)، وتم توقيع الاتفاقيات التجارية بين الصين وأنغولا في عام (1984) وتبعتها اللجنة التجارية والاقتصادية المشتركة، ثم تحسنت العلاقات بينهما تدريجياً في سنوات التسعينات من القرن المنصرم، وأصبحت أنغولا الشريك الثاني الأكبر للصين في إفريقيا (متجاوزة جنوب إفريقيا) بنهاية العقد، وغالباً بسبب التعاون الدفاعي، حتى إن الرئيس الأنغولي دوس سانتوس زار الصين في عام (1998) سعياً إلى توسيع الروابط الثنائية، كما زار بكين مرتين في (2008) . في الحقيقة بعد نهاية الصراع في (2002) تغيرت علاقة الصين مع أنغولا إلى علاقة اقتصادية بعد أن كانت أمنية ودفاعية، ووصلت العلاقة بينهما إلى أعلى مستوياتها في مارس/آذار (2004) عندما قدم بنك الاستيراد والتصدير الصيني قرضاً إلى أنغولا لتمويل إعادة بناء البنية التحتية في البلاد، ومنذ ذلك الحين يتم تبادل العلاقات على مستوى المسؤولين الرسميين في سبيل دعم الشراكة، وهذه الزيارات أسهمت في تطبيع العلاقات بين الطرفين، ونتج عنها توقيع الكثير من الاتفاقيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية .
وجدير بالذكر أن تأثير العلاقة واضح في أنغولا من خلال مواقع البناء الصينية المنتشرة على طولها، وفي عام (2008) كانت تبلغ الجالية الصينية ما يقارب 50 ألفاً . كما أن قيمة التجارة وصلت نهاية (2005) إلى (9 .6) مليار دولار، وخلال سنة تضاعف ذلك المبلغ، بعد أن كان في سنوات التسعينات يرواح بين(150- 700) مليون دولار . وكانت أنغولا قد فتحت سفارتها في بكين عام (1993)، وبسبب استثماراتها في هونغ كونغ وماكاو، قررت أن تفتح قنصلية في كل منهما في (2007) .
الحضور الهندي في أنغولا
على الرغم من أن الهند كانت من بين أولى الدول التي اعترفت بالحكومة الأنغولية التي قادتها (إمبلا) أو ما يعرف بالحركة الشعبية لتحرير أنغولا-حزب العمل عام (1975)، إلا أن بصماتها ضئيلة في أنغولا مقارنة مع الصين . فالهند بدأت بإرسال بعثتها الدبلوماسية المقيمة في لواندا في سبتمبر/ أيلول (1986)، وأنشأت السفارة الأنغولية في نيودلهي عام (1992) .
على الرغم من أن العلاقات الثنائية المتبادلة كانت في البداية نادرة، إلا أن زيارة رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي في مايو/أيار (1986) قادت إلى توقيع اتفاقية تبادل تجاري في أكتوبر/تشرين الأول (1986) في نيودلهي . وزار الرئيس الأنغولي الهند عام (1987)، إضافة إلى سلسلة من المسؤولين الهنود على المستويات كافة، وفي مختلف القطاعات . أصبحت الزيارات المتبادلة أكثر انتظاماً بعد (2004) بعد أن أصبحت دبلوماسية النفط والماس تشكّل جزءاً من ازدهار السلع العالمية . كما أنه في عام (2006) زار وزير الخارجية الأنغولي جاو ميراندا الهند، والتقى العديد من الوزراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال، ووقع اتفاقيات تعاون في العديد من المجالات، خاصة في مجال النفط والصناعة والغاز الطبيعي . وكذلك زار وزير الخارجية الهندي أناند شارما في (2007) لواندا لمناقشة التعاون في حقول النفط والجيولوجيا والتعدين والزراعة والصحة والتعليم والسياحة .
في الحقيقة، نسبة التجارة بين أنغولا والهند صغيرة، وبشكل خاص في المنتجات الغذائية اليومية، وعلى الرغم من أن العديد من الشركات الهندية كانت لها مصالح تجارية في أنغولا، فإن الجالية الهندية تقارب الألف، والاستيراد الرئيسي من أنغولا هو النفط الخام والنفط المكرر من شركة النفط الهندية التي تديرها الدولة . إن دبلوماسية الماس الهندية تبدو أكثر نجاحاً، وقد قبلت شركة الماس الأنغولية الحكومية على القيام بأعمال تجارية مع صناعة الماس الهندية، في الوقت الذي تتطلع فيه الهند لفتح معهد لصناعة الماس في لواندا . حتى إن وزير التجارة الهندي قام بإطلاق مبادرة خلال زيارته أنغولا في (2009) للاستيراد المباشر للماس . وفي الوقت الراهن هناك العديد من الجهود المبذولة من قبل الطرفين، بحيث يعمقان ويوسعان العلاقات الاقتصادية بينهما، لتشمل كل القطاعات، وعلى أعلى المستويات .
الإمبرياليات الجديدة
أما في القسم الأخير من الكتاب، والذي يعد خاتمة له يحتوي على فصل واحد بعنوان (مناهضة “الإمبرياليات الجديدة”: مادور الشراكة الجديدة في تحقيق التنمية الإفريقية؟) بقلم (فانتو جيرو وماغنوس كاليس)، ويدور موضوع الفصل حول السؤال الرئيس الآتي: “كيف يمكن للدول الإفريقية أن تستفيد من هذه العلاقات الجديدة مع الصين وإفريقيا، وتتجنّب الخضوع والإهمال بحيث لا يصبحان نموذجاً استعمارياً جديداً يذكّر بالقرن المنصرم مع أوربا؟” .
يرى المحرران في النهاية أن معرفة إفريقيا من الجانب الصيني والهندي تقع ضمن إطار المحدود والعام، وكذلك الفهم الإفريقي للمجتمع الهندي والصيني هو دون المطلوب، ويحتاج إلى وضعه في دائرة الاهتمام على نحو أكثر، بحيث يصل مستوى الفهم والمعرفة إلى درجات تعود بالفائدة على الهند والصين وإفريقيا دون التعرض لأي استغلال على يد أي جانب، ولا يكون هناك تكرار لأي ممارسات استعمارية بأي شكل . كما يشدّد المحرران على أن مناهضة “الإمبريالية” الهندية والصينية تتطلب الاستثمار الكبير من قبل الحكومات الإفريقية في حقل التنمية والبحث عن أساليب السياسات العامة والخطط الاقتصادية والسياسة الخارجية لهذين العملاقين الآسيويين الصاعدين، وهو في الحقيقة تحد كبير أمام الحكومات الإفريقية . . فهل تنجح في ذلك أم فعلاً يفرض هذان العملاقان بظلالهما على إفريقيا، بحيث يمارسان أسلوباً إمبريالياً بلون مختلف؟