أزمة (منطقة اليورو) تلقي بظلالها على اقتصادات آسيا
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
بدأت اقتصادات آسيا الشعور بتأثيرات تداعيات الأزمة المالية في أوروبا، حيث تباطأ نمو الاقتصادات الرئيسية في آسيا، ولكن المنطقة مازالت تأمل في مواصلة قيادة النمو الاقتصادي في العالم.
كانت المخاوف من التأثيرات السلبية لأزمة الديون في أوروبا والنمو الضعيف للاقتصاد الأميركي على الأداء الاقتصادي لآسيا، قد تحققت أمس الأول عندما أعلنت الصين انخفاض معدل نمو اقتصادها خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى 7٫6% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل معدل نمو ربع سنوي لثاني أكبر اقتصاد في العالم منذ 3 سنوات. في الوقت نفسه، انكمش الاقتصاد السنغافوري، خلال الفترة نفسها، بنسبة 1٫1% من إجمالي الناتج المحلي بسبب انخفاض الناتج الصناعي بنسبة 6% بشكل أساسي. أما الهند التي تقود مع الصين اقتصاد المنطقة، فمن المتوقع أن تعاني تراجعاً في معدل نمو اقتصادها خلال العام الحالي، حيث يتوقع بنك التنمية الآسيوي نمو الاقتصاد الهندي خلال العام الحالي بمعدل 6٫5%، في حين كانت التقديرات السابقة 7% من إجمالي الناتج المحلي.
وذكر “التنمية الآسيوي”، في تقرير صدر الخميس، أن آفاق الاقتصادات النامية في آسيا تتراجع بسبب التطورات الاقتصادية السلبية العالمية وتباطؤ نمو اقتصادي الصين والهند. وأضاف التقرير أن “تباطؤ النمو في الولايات المتحدة و(منطقة اليورو) يقلل الطلب على صادرات المنطقة (آسيا).. كما ظهرت مؤخراً المخاوف بشأن القوة الاقتصادية للاقتصادات النامية المهمة”. وبعيداً عن المعاناة من ضعف الصادرات في الاقتصادات الكبرى في آسيا، تواجه أيضاً تراجعاً في مبيعات التجزئة، كما حدث في هونج كونج، حيث ارتفعت مبيعات التجزئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 13٫5% عن الفترة نفسها من العام الماضي في حين كان متوسط النمو السنوي العام الماضي 24٫9%.
ويقول ديفيد أورير، المحلل الاقتصادي في غرفة التجارة العامة في هونج كونج، “مازالنا نكافح في مواجهة أزمات شمال الأطلسي (الولايات المتحدة وأوروبا) وتراجع التجارة العالمية التي بدأت منذ خمس سنوات الشهر الحالي.. هونج كونج غالباً في حالة ركود الآن”.
كما أن دول آسيا تلعب دوراً مهما كمستورد، حيث أشارت الأرقام الأخيرة إلى أن أستراليا تضررت من تراجع الاقتصاد الصيني حيث أن الصين تستورد حوالي 25% من صادرات أستراليا. وأثارت هذه الأرقام المخاوف بشأن نمو ناتج الاقتصاد الأسترالي، حيث بلغ معدل النمو خلال 12 شهراً حتى يوليو الحالي 2٫2% فقط، وهو ما يقل عن معدل النمو الذي تتوقعه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ويبلغ 3٫1% للعام الحالي ككل.
وقد بدأت مؤشرات التراجع الاقتصادي في أستراليا تظهر بالفعل، حيث ارتفع معدل البطالة خلال يونيو الماضي إلى 5٫2% مقابل 5٫1% في الشهر السابق بعد أن تم إلغاء 27 ألف وظيفة الشهر الماضي. كما تم توقف العمل في عدد من مشروعات التعدين الجديدة، وكذلك تراجعت مبيعات التجزئة بسبب انهيار ثقة المستهلكين في الاقتصاد. وكان البنك المركزي الأسترالي قد خفض سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية خلال مايو الماضي ثم ربع نقطة مئوية في يونيو.
من ناحيته، قال جوشونج شوانج، نائب كبير المحللين الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، إن منطقة آسيا مازالت أكبر مساهم في الاقتصاد العالمي رغم تباطؤ النمو. وأضاف أن “أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي للعالم مازال يأتي من آسيا.. عالمياً، لا نرى ركوداً، ولكن هناك مخاطر وأكبرها هي أزمة (منطقة اليورو). افتراضنا هو أن أزمة اليورو لن تتحول إلى أزمة عالمية”. وأضاف “نعتقد أن دول (منطقة اليورو) مازالت تعمل معاً، وسوف تصل إلى مزيج سياسي سيتفادى تحويل أزمة اليورو إلى أزمة عالمية”. وأشار إلى حاجة الاقتصادات الآسيوية إلى قدر أكبر من المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية من خلال تقليل الاعتماد على الطلب الخارجي وتعزيز مصادر النمو المحلية والإقليمية وتحديث صناعاتها المحلية.
ويقول الخبير الاقتصادي ليو يوانشون، الأستاذ في جامعة “رينمين” الصينية، إن التباطؤ الذي يشهده نمو الاقتصاد الصيني يكشف أيضاً عن مشكلات هيكلية في هذا الاقتصاد. وأوضح “أولاً إذا انخفض نمو إجمالي الناتج المحلي إلى أقل من 8%، فإن الأمر سيتحول إلى صداع بالنسبة للصين. أكبر مشكلة ستكون الزيادة الحادة في معدل البطالة .. ولكن مع هذا التباطؤ وعدم ظهور أزمة البطالة بصورة كبيرة، فهذا يشير إلى تغييرات جذرية في المشكلات الهيكلية” بالصين. وهناك أيضاً عوامل داخلية تؤثر على أداء اقتصادات آسيا حيث أن اليابان على سبيل المثال مازالت اليابان تتعافى من تداعيات كارثة الزلزال المدمر وأمواج المد العاتية (تسونامي) التي ضربت شمال شرق اليابان في 11 مارس من العام الماضي. كما أن اليابان تعاني الكساد منذ أكثر من 10 سنوات في حين تنقل الشركات اليابانية باستمرار مصانعها إلى الخارج بحثاً عن تكاليف إنتاج أقل.
ويقول مينورو موريتا، المحلل السياسي الياباني، إن انتقال المصانع اليابانية إلى الخارج يمكن أن تعمق أزمة الاقتصاد المحلي. وأضاف أنه على الحكومة بذل المزيد من الجهود للمساهمة في توفير الوظائف وزيادة الطلب المحلي. ويقول شوانج، من بنك التنمية الآسيوي، إن دول آسيا تستطيع الاستفادة من زيادة التجارة البينية بما يقلل اعتمادها على الاقتصادات المتعثرة في الخارج.