عودة الصين …هل يقوم التنين من كبوته؟
صحيفة الشبيبة العمانية ـ شنجهاي- أناند رامان
* 298 عملية استحواذ صينية تمت في العام 2008 بعد أن كانت 40 عملية في العام 2003 و82 عملية في العام 2006.
* 18.2 بليون دولار امريكي قيمة الاستحواذات والإندماج الصينية في العام 2006 قافزة من 1.6 بليون دولار أمريكي في العام 2003 .
أحيانا، تبدور الشركات الصينية وكأنه لا يمكن لأحد أن يوقفها. وما من أمة حول العالم اقتربت من مجاراة الصين في إنجازاتها الاقتصادية الهائلة منذ السبعينيات. بل إن التغير والتغيير في الصين كان سريعا ومذهلا لدرجة أنهما أعميا أعين المراقبين في أغلب الأحوال عن حقيقة أن للصين نصيبها من الإخفاقات أيضا.
وموجة الاستحواذ والدمج عابرة الحدود التي سبحت فيها الشركات الصينية خلال العقد الفائت ما هي إلا دليل واف على هذا القول. ففي العام 2000، قبل وقت قصير من قبول الصين عضوا في منظمة التجارة العالمية، أدركت حكومة الصين أن الشركات المحلية ستحتاج الى أن تتمتع بالقدرة على المنافسة على المستوى العالمي لكي تمكن هذه الشركات من البقاء قيد الحياة، وأعلنت الحكومة عن سياسة مخصوصة لذلك، مكنت الشركات المحلية من القيام بعمليات استحواذ على شركات اخرى اجنبية خارج الصين وللمرة الأولى في تاريخ البلاد. وانتهزت الكثير من الشركات الخاصة والشركات المملوكة للدولة الفرصة. وقفزت قيمة الاستحواذات والإندماج الصينية، على سبيل المثال، من 1.6 بليون دولار أمريكي في العام 2003 الى 18.2 بليون دولار امريكي في العام 2006، ما أثار قلقا عالميا كبيرا من خطر استحواذ الشركات الصينية على الشركات العالمية الأخرى.
ومع هذين يستحق الأمر منا أن نلقي نظرة ولو خاطفة على موجة الاستحواذ الاولى. فلقد انتهت الكثير من الشركات التي قامت بالاندماج مع شركات اخرى أو الاستحواذ على شركات اخرى بالفشل الذريع، مع انسحاب الشركات الصينية أو بيعها حصتها في الشركة المستحوذ عليها.
على الرغم من ذلك، وبخلاف الكثير من الدول المتقدمة، لم تصب الصين بالشلل جراء هذا الفشل، وقامت بسرعة – وبهدوء- بتغيير المسار. وبدلا من أن تشتري الماركات العالمية، وشبكات المبيعات العالمية، قامت الشركات الصينية بمحاولات للاستحواذ على أصول ثابتة، مثل مخزونات المعادن أو التكنولوجيات الراقية جدا. هذا بالإضافة الى أن الشركات الصينية لم تعد تستخدم استحواذاتها خارج الصين لتكسب بها حصة في الأسواق الخارجية؛ هي بدأت في توظيف الاستحواذات الخارجية لتقوية مواقعها داخل السوق الصيني نفسه.
ومن المبكر جدا أن نعرف ما إذا كان النهج الجديد ناجحا أم لا، لكن النتيجة المبدئية هي نتيجة مشجعة كثيرا. فلأنهم فشلوا في وقت مبكر من المحاولات، تمكن فنانو الاستحواذ الصينيون من معرفة كيف يحققون النجاح مستقبلا.
* سباق على منحدر التل
تطورت استراتيجية الصين المتعلقة بالاستحواذات العالمية بشكل سريع جدا خلال العقد الفائت. ففي التسعينيات، عندما تبادلت الحكومة الصينية المدخل الى الأسواق الصينية بالتكنولوجيا الواردة من الخارج، هي في الأغلب سمحت للمشاريع والشركات المملوكة للدولة أن تشتري حصصا صغيرة في شركات الطاقة والشركات العاملة في إنتاج الموارد الطبيعية خارج الصين.
لكن هذا النهج تغير في أكتوبر 2000، لأن الحكومة الصينية أصبحت مقتنعة أن الشركات الصينية ستلعب للأبد دور البديل لو أنها اعتمدت على نقل التكنولوجيا من الشركات متعددة الجنسيات. وخلال السنوات الثلاث التي تلت ذلك، قامت بكين بإعادة وضع العديد من العقبات أمام الاستثمارات عابرة الحدود، تلك العقبات التي كانت قد أزالتها في التسعينيات. وفي نهايات العام 2004، عندما أعلن رئيس الوزراء الصيني وين جياباو رسميا أن” الحكومة الصينية تشجع المزيد من المشاريع على التحول الى العالمية”، وأن السباق نحو شراء الشركات الاجنبية بدأ. وارتفع عدد عمليات الاستحواذ التي قامت بها الشركات الصينية على شركات اجنبية سريعا جدا: تضاعف عدد عمليات الاستحواذ من 40 عملية في العام 2003 الى 82 عملية في العام 2006، و وصل الى الذروة بعدد 298 عملية في العام 2008.
على الرغم من هذا، انتهت الكثير من عمليات الاستحواذ، خاصة تلك التي قامت بها شركات القطاع الخاص الصيني بسرعة وبشكل سيئ. واضطر بعض المستحوذين الصينين الى بيع استثماراتهم، وبعضهم تراجع عن الأهداف الطموحة، والبعض الآخر انتهى بالإفلاس.
* وضع صعب
بحلول العام 2007، كانت الحكومة الصينية معنية جدا بالمشكلات التي تواجهها الشركات الصينية في الخارج. وكانت القشة التي قصمت ظهر بعير الاستحواذ في الأغلب هي تلك المشكلات واجهتها شركة “لينوفو” الصينية- الابن البكر لاستراتيجية الاستحواذ الصينية بعدما تم الاستحواذ على قطاع الحواسيب الشخصية في شركة “أي بي إم” مقابل 1.75 بليون دولار في ديسمبر 2004. وعلى الرغم من أن الاستحواذ جعل الشركة الصينية ثالث أكبر شركة حواسيب شخصية في العالم، بعد “إتش بي” و”ديل”، هبطت الشركة الصينية بعد عام واحد فقط الى الترتيب الرابع، لتحل محلها الشركة التايوانية “أسر”. وبينما كانت الشركة الصينية تناضل في حل ملفات وقضايا الاستحواذ، كتقنين العمال الفنية وتوحيد المعايير، انخفضت حصتها السوقية و مستويات الربحية كثيرا.
بعدها قالت الحكومة إن شركات القطاع الخاص والشركات المملوكة للدولة والتي تتوفر بها قدرات ومقدرات إدارية ومهارات تفاوض جيدة هي فقط التي ستقوم بعمليات الاستحواذ. كما أشارت الحكومة الصينية أيضا الى ضرورة أن تسعى الشركات الصينية الخاصة والعامة قدر المستطاع الى الأهداف التي تحقق الربحية.
وعندما أرادت شركة المعدات الصناعية الثقيلة، وهي شركة تقع في إقليم سيشوان وغير مرعوفة في السوق، عندما أرادت أن تستحوذ على قطاع سيارات “هامر” في شركة “جنرال موتورز” الأمريكية في يونية 2009، رفضت لجنة الإصلاح والتنمية الوطنية أن تؤيد العملية، بل إن وزارة التجارة الصينية نفسها لم تر أن الفكرة فكرة جيدة. وانتهت العملية، والتي كانت أول محاولة استحواذ تسقطها الحكومة الصينية علانية.
مع هذا، وفي ظل تجاوز احتيطات الصين من العملات الاجنبية حاجز 2 تريليون دولار أمريكي في العام 2009، بدت فكرة تنويع الاحتياطات لتتعدى سندات الخزانة الأمريكية الى أصول مادية لا توجد بها خطورة انخفاض القيمة بسبب التضخم، بدت هذه الفكرة جذابة جدا. وبدأت الحكومةالصينية والهيئات التابعة لها، ومن منطلق الحرص على ضمان أن تصبح الشركات الصينية قادرة على المنافسة عالميا قبل أن تسمح الحكومة للعملة المحلية اليوان بالصعود أمام العملات الأخرى، بدأت في التفكير مجددا في سياسات الاستحواذ.
* تجديد النهج
يشير تحليل حديث لنصف دستة من آخر عمليات الاستحواذ التي قامت بها الشركات الصينية، يشير الى أن هناك استراتيجية ثلاثية الفروع جديدة تماما. وهذه الاستراتيجية تجعل من قدرات الشركات الصينية على الاستحواذ على شركات عالمية كبيرة جدا. والفروع الثلاثة للاستراتيجية الجديدة هي:
* الانتقال الى الأصول الملموسة
تقبل الشركات الصينية على نحو متزايد على شراء الأصول الملموسة مثل احتياطات ومخزونات المعادن والنفط والغاز.
وبحلول العام 2009، تضمنت أكثر من 70 بالمئة من صفقات الاستحواذ الصينية إما موارد طبيعية أو طاقة. ومن بين تلك الاستحواذات: استحواذ شركة “يانتشو للفحم” على شركة ” فيليكس” الاسترالية مقابل 2.8 بليون دولار أمريكي، واستحواذ شركة “سنوبيك” على شركة “اداكس” السويسرية للنفط والغاز مقابل 7.2 بليون دولار.
* البحث عن التكنولوجيا المتقدمة
يستهدف الصينيون الشركات العالمية التي تمتلك القدرة على توفير التكنولوجيات الجديدة، ويستهدفون هيئات ومراكز البحوث والتنمية حول العالم. ومن بين الشركات الصينية التي سعت الى هذا النوع من الاستحواذ شركة “صناعة الطائرات” التابعة لشركة “الشركة الصينية لصناعة الملاحة الجوية” المملوكة للدولة. وكانت محاولات “صناعة الطائرات” الأولى للاستحواذ على بعض شركات تصنيع الطائرات محاولات فاشلة. لذا، كانت مفاجأة لخبراء الصناعة عندما أعلنت شركة “صناعة الطائرات” في اكتوبر 2009 عن نجاحها في التوصل لاتفاق تشتري بمقتضاه 91.25 بالمئة من شركة “فيتشر أدفانسيد كومبوزيت” النمساوية.
* تحقيق النمو في الداخل
في عكس لسير الاستراتيجية، لم تعد بعض الشركات الصينية تسعى الى استخدام عمليات الاستحواذ من أجل أن تكسب حصة سوقية في الخارج. وبدلا من هذا، حددت هذه الشركات تقوية مكانتها في الداخل كهدف من عمليات الاستحواذ. وقد أعلنت “جيلي” بعد استحواذها على “فولفو” في 2010 عن أن هدفها الأول هو دمج تكنولوجيا فولفو في ثلاثة مصانع جديدة في الصين لخدمة السوق المحلي. والخطة تقول بتنمية مبيعات فولفو في الصين من 24 ألف سيارة الى 300 ألف سيارة سنويا- ومضاعفة مبيعات فولفو العالمية.
ومعرفة توقيت الابتعاد عن صفقة استحواذ هو أهم ما في عمليات الاستحواذ المعقدة جدا. فقبل عشر سنوات، كانت الشركات الصينية لتصر على إتمام الصفقة بأي سعر. وتوقف هذه الشركات عن هذا الفعل ربما يكون الدليل على أنها تعلمت من أخطاء الماضي.