موقع متخصص بالشؤون الصينية

الصين وشبكتها المتطورة

0


صحيفة الاقتصادية السعودية:
في مقال نُشِر أخيرا، يُعَرِّف رجل الاقتصاد أكسل ليونهوفود نظام السوق بوصفه شبكة من العقود. ولأن العقود مرتبطة ببعضها البعض، فإن أي عجز في الوفاء بالديون المستحقة من شأنه أن يؤدي إلى سيل من الوعود غير المنجزة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ”تدمير الشبكة بالكامل تقريباً من العقود الرسمية وغير الرسمية والتي يحتاج إليها النظام لكي يؤدي وظائفه”. ويتلخص دور الدولة في حماية وتعزيز وتنظيم هذه العقود وحقوق الملكية المرتبطة بها، فضلاً عن التدخل لمنع الفشل الشامل للنظام.

وهذه الشبكة من العقود ــ التي يتم التعامل معها غالباً باعتبارها من الأمور المسلم بها، إلى الحد الذي قد تصبح معه غير مرئية ـــ تجسد القواعد الرسمية وغير الرسمية المتأصلة في نظام السوق الذي يشكّل ويقيد السلوك الفردي والاجتماعي. وهي تشكل النسيج الذي تتألف منه كل المؤسسات الإنسانية.

وتمتلك الأنظمة الاقتصادية المتقدمة شبكات بالغة التعقيد من العقود، مثل المشتقات المالية. ويزعم ليونهوفود أن هذا يعني بالنسبة لأوروبا نهجاً ذا شعب ثلاث يركز على ”مستويات المديونية”، و”عدم توافق تواريخ الاستحقاق”، و”وضعية الشبكة” ــ وهذا يعني ”مدى ترابطها وما يتواجد فيها من العقد الحرجة التي هي أضخم من أن يُسمَح لها بالفشل فيها”. وهذا لأن ”شبكة العقود اكتسبت بعض التناقضات الخطيرة”. والإصرار على ضرورة الوفاء بكل العقود من شأنه أن ”يؤدي إلى انهيار الأقسام البالغة الضخامة من الشبكة”، فضلاً عن ”العواقب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي لا يمكن حساب أبعادها”.

وعلى النقيض من هذا، تعمل الأسواق الناشئة مثل الصين وفقاً لأنظمة أقل تطورا، وتنشأ لديها روابط تعاقدية/ مؤسسية أكثر تعقيداً بمرور الوقت، وخاصة من خلال المعاملات الخاضعة للعولمة. وفي ظل الاقتصاد الصيني الموجه فإن أغلب العقود تتم بين أفراد ودول، في حين نشأت عقود السوق الأكثر تطوراً أو عادت إلى النشوء على مدى الأعوام الـ 30 الماضية فقط. والواقع أن الاستخدام الواسع النطاق لعقود السوق مع شركات الملكية العامة كان بمثابة تكيف حديث ومهم في التحرك باتجاه ”اقتصاد السوق الاشتراكي”.

ولكن من الممكن أيضاً أن نفهم شبكة العقود باعتبارها أنظمة سوق متكيفة معقدة، وتشتمل أيضاً على علاقات الدولة والأسرة. ولكي نفهم اقتصاد السوق الاشتراكي في الصين، فمن الضروري أن ندرس بشكل منهجي هذه الأشكال المختلفة من العقود والهياكل المؤسسية.

عقود الأسرة والقرابة: التي تحكم الزواج، والتبني، والمعايشة، والميراث، إلى آخر ذلك من أشكال الوحدة الأساسية للمجتمع البشري. وهذه العقود هي الأكثر قِدَماً والتي تظل تشكل الأساس للعلاقات الاجتماعية في الصين اليوم.

عقود الشركات: التي تضع الشخص القانوني الساعي إلى الربح في قلب المعاملات وتربط بين كل أصحاب المصلحة فيها. ولقد سجلت عقود الشركات نمواً مضطرداً على مدى الأعوام الـ 30 الماضية، ولكنها تتميز بسمات خاصة تعكس الدور الأساسي الذي تلعبه المؤسسات المملوكة للدولة في الصين.

عقود السوق: التي تُبرَم بين المنتجين والمستهلكين ــ و/أو بين المنتجين في سلاسل التوريد ــــ وتربط الأفراد، والأسر، والشركات، والحكومات، والمنظمات العامة عن طريق الأسواق المحلية أو العالمية. وفي العقود القليلة الماضية، بدأت الصين في ممارسة قانون حديث للعقود وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية، وألزمت نفسها بالقواعد الدولية التي تحكم التجارة والاستثمار.

العقود المدنية غير الحكومية وغير الساعية إلى الربح: والتي تربط الناس معاً في أنشطة طائفية ودينية واجتماعية وسياسية. ولا تزال هذه العقود جديدة نسبياً وخاضعة للتطور في الصين.

العقود الاجتماعية المنشأة بقوة القوانين الدستورية والإدارية: والتي تحدد صلاحيات ومسؤوليات الدولة وهيئاتها التأسيسية في مقابل الأفراد والقطاع الخاص. وهي تتضمن سلطة فرض الضرائب والقيود على الأفراد والكيانات الخاصة من خلال القوانين الجنائية والإدارية والمدنية، فضلاً عن التزام الدولة بتوفير المنافع والخدمات العامة. ولقد نجحت الصين في تعزيز قوة دولتها الوحدوية بتطعيمها بإبداعات مؤسسية مهمة أسفرت عن ازدهار النمو والطبقة المتوسطة، ولكنها لا تزال تحتفظ بالبنية الإدارة المؤلفة من مستويات خمسة ــــ الحكومة المركزية على القمة، والهيئات على مستوى الأقاليم والمدن والبلدات والقرى عند القاعدة ــــ والتي نشأت لأول مرة قبل ألفي عام.

لقد تمكنت الصين من خلال التجريب والتكيف والتطور ــــ وهي العملية التي وصفت بأنها ”عبور النهر بتحسس الصخور” ــــ من إنشاء نظام أعلى، أو سلسلة توريد خامسة لعملية صنع القرار السياسي. والواقع أن ”هندسة الحكم العالية المستوى” هذه، كما تُعرَف الصين، كانت تشكل ضرورة أساسية لتنسيق وإدارة سلاسل التوريد المختلفة والشبكة الإجمالية من العقود من أجل إيجاد التوازن الدقيق بين الأهداف الفردية، والأسرية، والشركاتية، والاجتماعية، والوطنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.