الصين وصِغار وكِبار العرب!!!
صحيفة الديار الاردنية:
م. يلينا نيدوغينا*:
تفتق العقل الصيني من جديد عن إبداع جديد لدفع العلاقات النافعة مع العالم العربي برمته، وهذه المرة مع صِغار التجار والمستثمرين العرب، ممن ضاقت بهم أوطانهم ولفظهم ترابها، فباتوا مقهورين وضائعين وغدا بعضهم وربما أكثريهم لاوطنيين!. فها هي الحكومة الصينية قد بادرت الى انتشالهم، وتقديم الفرص التجارية والاستثمارية إليهم، والعمل يداً بيد معهم في سبيل مضاعفة مداخيلهم المالية، وبالتالي ارتقائهم فدخولهم الى نادي أصحاب الملايين العرب، الذي أقفل منذ زمن بعيد بَعد سيطرة أقلية النفطيين عليه !!!.
كل يوم تقدّم الصين إلينا فكرة جديدة تقترب من العبقرية. ولا تنتظر بكين أن نقوم نحن العرب بتفعيلها، فربما هي تعلم علم اليقين بأننا وإن بدأنا بها فسوف نخرّبها فتكون نهايتها قبل بدئها!. فها هي الصين تبادر بنفسها الى فكرة، تعقد لها الفعاليات في ربوعها وعلى حسابها ليكون نجاحها سهلاً ومُحققاً. فمؤخراً بادرت الصين الى جمع أسماء صِغار التجار والإقتصاديين والمستشمرين العرب الى فعاليات ستدنو من العرب هذه المرة في العام المقبل، ليغرفوا من الصين ما يشاؤون من بضائع وليشاركوا ما وسعهم الجهد في استثمارات مع الصينيين، بشرط إدامة التعاون واستمراريته وخلوه من طحن الكلام!.
ففي بداية العام المقبل 2013 سيقام بدعم من حكومة الصين الشعبية منتدى تشرف عليه الشركات الصينية ومعها العربية، الصغيرة تحديداً، في مدينة يينتشوان الواقعة في شمالي غربى الصين، وسيتكرر انعقاد المنتدى سنوياً وفقاً لما أقره المجتمعون في الدورة الثالثة من المنتدى الاقتصادي والتجاري الصيني العربي المنعقد حالياً في الصين.
سيُركّز المنتدى المستحدث على تقديم المعلومات عن الأسواق الصينية والعربية المتصلة بالشركات المتوسطة والصغيرة وبيئات الاستثمارات، والتمويل، والقوانين والقواعد، بالإضافة الى بِناء شَرَاكاتٍ للتعاون، وتوسيع مجالات التنسيق والتدريب والإدارة. والملاحظ، بأن المنتدى الجديد لن يخلو هذه المرة من ممثلي الحكومات العربية، زد عليهم مشاركة ممثلي ومندوبي الشركات المتوسطة والصغيرة ووسائل الإعلام العربية والصينية .
كان بودي ان يتم استثناء الحكومات العربية من المشاركة هذا المنتدى الجديد، كما واستثناء تام للإعلام والصحافة الحكومية العربية. فالحكومات العربية لن تلعب دوراً تقدمياً في إطار هذا المنتدى، بل وربما ستعيق رسالة المنتدى المُمَيّزة حقاً التي يريد الصينيون إنجاحها وتعميمها على اوسع الجماهير العربية. لكن الحكومات العربية قد اعتادت واستمرأت تحويل هكذا منتديات الى ساحات لتبادل الخطابات الرنّانة، وبالتالي تفريغها من مضامينها الجادة التي أقيمت من أجلها، وتحويلها الى نوادٍ للمبارزات اللغوية ومسابقات للبلاغة وبورصات للاستثمارات اللفظية.
المنتدى الذي نحن بصدد خاص بالشركات وبيئات الاعمال العربية “المخنوقة” بقوانين الحكومات وأذرع الفساد والإفساد فيها. لذا من الضروري تجاوز عقلية الحكومات التي يَعتقد البعض ضرورة مشاركتها وأهمية تواجدها في “كل” الفعاليات الخارجية، ذلك ان مشاركة الحكوميين فيها تنحصر عملياً في تلقي المياومات وتنفيذ الجولات السياحية والجلسات الاسترخائية وتحصيل المكاسب على تنوعها!!!.
إن مشاركة “الحكوميين” في منتديات خاصة بِصِغار التجار والمستثمرين في الصين سيتحوّل الى وبال على ممثلي ومندوبي القطاعات الخاصة العربية الصغيرة. فهؤلاء لن يستطيعوا الحديث بحرية في المنتدى المُبدَع، ولا التمتع بعقد صفقاتهم المالية دون مراقبة صارمة من المشاركين “الحكوميين” أصحاب السلطة والنفوذ، ولن يخلو لقاء لهم مع الصينيين من أوامر رسمية عربية تعيقهم عن إلتقاط اللحظة التاريخية المناسبة التي ستمكّنهم من الإنسلاخ عن طبقتهم، للانضمام الى طبقة اجتماعية عربية اخرى أكثر تقدماً في السُلّم الإجتماعي والإقتصادي، لكون الطبقة العربية العليا مُغلقة على جمعٍ مِن اصحاب النفوذ الإقتصادي السياسي المزدوج، واللعب معها سيكون خطراَ، أما مشاركة الصِغار في طبقة الكبار بدعم تجاري واقتصادي صيني مفعم بالصداقة، فسيولّدُ قراراً قامعاً تتخذه هذه طبقة الكِبار العربية بحقهم!.
*كاتبة، وعضو مجلس إدارة الاتحاد الالكتروني الدولي للصحفيين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.