مقال تحليلي: هل ينزلق الاقتصاد الصيني نحو وضع خطير؟
شبكة الصين:
في الاسابيع القليلة الاخيرة ثار جدال أخذ يتنامى فى الداخل والخارج حول الصين ونموها الاقتصادى، مستخدما لغة طنانة تتكهن بانفجار اقتصادى وشيك فى ثانى أضخم اقتصاد فى العالم.
ومن المثير للانتباه ملاحظة الفارق بين ما يتنبأ به المتشائمون عن اقتصاد الصين ومايجرى بالفعل فى الصين. ففى نظر الاقتصاديين المتشائمين، يبدو أن الصين هى الاقتصاد الأسواء أداء وسوف تعانى من كوابيس مقبلة، لكن حقيقة الأمر هى أن الاقتصاد الصينى لايزال أسرع الاقتصادات نموا فى مجموعة العشرين بنسبة 7.8 % فى النصف الأول من العام الحالى.
ويأتى هذا التباعد فى التقدير فى وقت يواجه فيه الحزب الشيوعى الصينى عددا من القضايا الحساسة الأخرى استعدادا لمؤتمره الوطنى الثامن عشر.
وقد يجد الرافضون بعض المساندة لحجتهم فى الأرقام الاقتصادية الكلية الاخيرة الصادرة عن المسئولين الصينيين بخصوص الاستثمار والاستهلاك والتصدير فى شهر أغسطس،التى تشير إلى زيادة الضغوط الاقتصادية النزولية فى الربع الثالث من العام.
كما أن مؤشرات أخرى مثل مؤشر مديرى المشتروات الصناعى واستهلاك الكهرباء تشير بدورها إلى أن اقتصاد الصين يعانى هبوطا بسبب تراخى الطلب الخارجى والمحلى ،وهو مايقلق المتشائمين من مدى قدرة البلاد على الوفاء بهدف النمو الاقتصادى السنوى للعام الحالى البالغ 7.5 %.
ونتيجة لذلك فإن عدة بنوك استثمارية أجنبية وصينية منها جولدمان ساكس وباركليز ومورجان استانلى وايه بى ان امرو وماكوارى ومؤسسة رأس المال الدولية الصينية المحدودة قد قللت توقعاتها للنمو الاقتصادى الصينى هذا العام.
وكان جيم أونيل رئيس ادارة الاصول فى جولدمان ساكس والخبير الاقتصادى الذى ابتكر كلمة “بريك”للدلالة على الاقتصادات الأربع سريعة النمو وهى البرازيل وروسيا والهند والصين ،قد حاول أن يبرهن فى الشهر الماضى على أن التباطوء فى اقتصادات نامية ضخمة مثل الصين وبقية كتلة البريك يثير قلقا أشد مما تسببه أزمة منطقة اليورو.
فهل اقتصاد الصين ،والحالة هذه ،ينزلق بالفعل نحو منطقة خطيرة أو مايسمى “الهبوط الصعب”على نحو ماتنبأ البعض؟. من المفترض أن مثل هذا التنبوء المتشائم يستند إلى مشكلتين أحدهما دورية والأخرى هيكلية. فأولا، سوف يزداد ضعف الطلب الخارجى على السلع الصينية الذى يرتبط على نحو وثيق بالدورات الاقتصادية فى العالم، بسبب أزمة ديون منطقة اليورو المستمرة والتعافى الاقتصادى الهش فى الدول المتقدمة، وخاصة مع مواجهة الولايات المتحدة ماتسميه”المنحدر المالى”فى نهاية العام الحالى مدفوعة بإجراءاتها لتقليل العجز. وثانيا، يفترض أن الطلب المحلى للصين سوف يزداد انكماشا لفترة بسبب الانتقال الاقتصادى فى البلاد، مع ضيق المساحة أمام صانعى السياسات لاتخاذ اجراءات جريئة لحفز الاقتصاد.
بيد أنه مع إعلان بنك الاحتياطى الفيدرالى الامريكى عن جولة ثالثة من التيسيرات الكمية هذا الشهر وإصدار المحكمة الدستورية الألمانية حكما بالمصادقة على آلية الاستقرار الأوربى لتزيل الشكوك حولها،فإن من المتوقع أن تستقر المخاطر الخارجية التى تواجهها الصين،وهو ما سوف يدحض الافتراض الاول حول “الهبوط الصعب” للصين.
صحيح ان اقتصاد الصين يمر بوقت عصيب فى الوقت الحالى فى أعقاب نموه سنويا بما يقارب معدلا عشريا فى المتوسط فى العقود الثلاثة الاخيرة ،حيث تباطأ الصعود الاقتصادى لتسعة فصول متتالية بعد ان ارتفع ناتج المحلى الاجمالى الى 11.9 % فى الربع الاول من عام 2010. ومع ذلك فإن من التسرع أن نستخلص ان اقتصاد الصين يمر بركود عميق من الآن فصاعدا.
فبالمقارنة مع الاقتصادات الرئيسية الاخرى ،يبدو نمو الناتج المحلى الاجمالى للصين بنسبة 7.6 % فى الربع الثانى امرا باعثا على الحسد،حتى مع تباطوء نموها الاقتصادى الى مابين 7.0 % و 7.5 % فى الربع الثالث أخذا فى الاعتبار حجممها كثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
ان التباطوء الحالى فى الصين دورى من جهة بسبب انخفاض الطلب الخارجى من أوربا والولايات المتحدة ولكنه هيكلى من جهة أخرى حيث ان الحكومة الصينية شددت الضوابط التنظيمية لقطاع العقارات وبدأت فى تطبيق اجراءات اخرى لاعادة التوازن فى الاقتصاد.
ومع ذلك ،فإن لدى الصين من قوة النيران فى ذخيرة سياساتها من أجل حفز النمو الاقتصادى مايزيد على ماتملكه الدول الاوربية والولايات المتحدة.
والسؤال الأكثر محورية الآن هو :كيف تستطيع الحكومة الصينية ان تحافظ على التوازن بين استقرار النمو على المدى القصير وترك مساحة لتنمية مستدامة واكثر قوة فى المدى الطويل بعد ان اتخذ صناع السياسات اجراءات لدعم التجارة الخارجية ووافقوا على خطط استثمار كثيف فى البنية التحتية تتجاوز تريليون يوان(158 مليار دولار أمريكى).
كما ترمى الحكومة الصينية الى زيادة مبيعات التجزئة المخلية بنسبة 15 % سنويا لتصل الى 32 تريليون يوان بحلول 2015.
ومن المتوقع ان تعمل الاجراءات السابق ذكرها على استقرار الاستثمار والتصدير والاستهلاك فى الصين ومن ثم تجعل التنبوء الثانى غير واقعى.
ومع استمرار كفاح العالم للخروج من أزمة مالية عالمية بدأت فى 2008 ،ليست هناك حاجة لإثارة جلبة حول تباطوء اقتصادى فى الصين حيث يمكن رؤية الضوء فى نهاية النفق المظلم.وان مانحتاجه الآن هو قدر من الثقة والصبر.