الصين تعيد هيكلة قطاع الفحم لتحقيق الاكتفاء الذاتي
صحيفة الاتحاد الاماراتية:
يخيم الصمت على وادي مناجم الفحم في هضاب إقليم شانكزاي الذي يعد أغنى مناطق الفحم بالصين. وأبدى لابي وو المدير المالي لشركة بودا كول للفحم ملاحظته أثناء قيادة سيارته صوب أحد مناجم فحم الكوك المعطلة قائلاً: “منذ عام واحد مضى كان هذا الطريق مليئاً بشاحنات الفحم”.
وأغلقت أنفاق المناجم بسبب مشروع اندماج شركات الفحم العملاق الذي اجتاح إقليم شانكزاي خلال العامين الماضيين، وبدأ هذا المشروع ينتشر إلى مناطق انتاج الفحم المجاورة ضمن استراتيجية الحكومة الصينية الرامية إلى إعادة هيكلة صناعة الفحم والتي لم تقتصر تداعياتها على الصين فقط، بل شملت أسواق الفحم في سائر أنحاء العالم.
حين باتت الصين (أكبر منتج ومستهلك فحم في العالم) فجأة مستورداً صافياً للفحم الحراري عام 2009 على خلفية قيام بكين بفرض رقابة صارمة على أعمال التعدين غير القانونية وغير الآمنة في شانكزاي، تسبب ذلك التحول في رفع أسعار الفحم عالمياً. واليوم يعتبر انتاج الصين من الفحم وصعوبة نقله إلى المناطق التي تحتاجه، أمراً بالغ الأهمية والتأثير على أسواق الفحم العالمية.
وكانت شركات تعدين ومؤسسات منافع عامة آسيوية قد أبرمت عقوداً سنوية في أوائل هذا العام تغطي عامي 2011 – 2012 بسعر قياسي غير مسبوق بلغ 130 دولارا للطن بزيادة 32,6 في المئة على سعر 2010 – 2011 البالغ 98 دولارا للطن.
وزادت أسعار الفحم الصيني (التسليم الفوري) باطراد هذا العام وبلغ مؤشر الفحم الحراري (بوهاي ريم) المعياري 808 ريمنمبي للطن في 27 أبريل الماضي، بزيادة من 774 ريمنمبي للطن في 26 يناير، قبيل السنة الصينية الجديدة.
وقال متعاملون إن سوق البيع النقدي به نقص حاد حالياً، كما حذّر مسؤولون صينيون من أن بعض الأقاليم قد تواجه انقطاعاً في الكهرباء في أشهر الصين الحارة حين يشغل الناس أجهزة تكييف الهواء.
غير أن الأمور لا تدعو للتشاؤم في الأجل الطويل. إذ يجري حالياً تنفيذ مشاريع خطوط سكك حديدية كبرى في الصين لتنقل إمدادات الفحم، كما أن برنامج الاندماج سيكفل لصناع القرار في بكين إبداء رأيهم في كيفية ومكان انتاج الفحم.
هذه المشاريع أثارت جدلاً وقسمت صناعة الفحم العالمية إلى قسمين قسم يقول إن الصين ستصبح مستورداً صافياً للفحم الحراري في الأجل الطويل على نحو يرفع أسعاره ويزيد أسعار أسهم شركات تعدين مثل اكستراتا وبومي المدرجتين في بورصة لندن، وقسم آخر يقول إن الصين ستصبح مكتفية ذاتياً نظراً لأن لديها احتياطيات محلية وافرة. كانت الكفة تميل بقوة منذ فترة ليست بالبعيدة ناحية استيراد الصين طويل الأجل للفحم وارتفاع أسعاره بالتالي. غير أنه منذ فترة أقرب بدأت أقلية متزايدة تعرض سيناريو متفائلاً بالنظر إلى توجه بكين نحو التغلب على عوائق نقل الفحم وزيادة الإنتاج مجدداً بعد انتهاء سياسة الاندماج الحكومية المطبقة في إقليم شانكزاي.
وقال بوني ليو محلل الفحم في مؤسسة ماكواري بمدينة شنغهاي: “من خلال التوسع في شمالي الصين وغربها سنشهد مزيداً من الإمدادات. غير أن المشكلة الكبرى لا تكمن في الإنتاج بل في مسألة نقل الفحم من مناطق انتاجه إلى مناطق استهلاكه. وبحلول عام 2015 لو أنجزت جميع مشاريع السكك الحديدية في وقتها فإنه من المنتظر أن تحل الصين مشكلة المخانق اللوجستية”.
من المنتظر أن تتيح خطوط السكك الحديدية الجديدة لإقليمي زنيجيانج ومنغوليا الداخلية شحن مزيد من الفحم إلى باقي أنحاء الصين قد يصل إلى 50 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة من ملياري طن عام 2010 إلى ثلاثة مليارات طن عام 2015، ما سيجعل الفحم المحلي أقل تكلفة بالنظر إلى أن النقل بالقطار أرخص كثيراً من النقل عبر الطرق البرية.
ويعتبر برنامج اندماج عمليات تعدين الفحم المحلية في الصين أحد العوامل المؤثرة المهمة. يرمى هذا البرنامج إلى اغلاق المناجم الصغيرة الخاصة وتشكيل عدد صغير من كيانات الفحم العملاقة المملوكة للدولة. إذ ترغب الحكومة في تقليص دور شركات التعدين الخاصة التي يشتهر أصحابها بلقب “أمراء الفحم” والنهوض بأحوال السلامة من خلال اغلاق المناجم القديمة وتحسين مستوى المناجم القائمة.
غير أن هذا البرنامج أسهم في زيادة استيراد الصين للفحم عامي 2009 و2010 بالنظر إلى أن الكثير من المناجم أغلق أثناء قيام الحكومة بإعادة تنظيم ملكيات تلك المناجم.
وما حدث لشركة بودا كوك يعد مثالاً متكرراً في صناعة تعدين الفحم عموماً في الصين. حيث فوَّضت الحكومة الصينية شركة بودا كول المدرجة في بورصة نيويورك في الاستحواذ على عدد من المناجم التي كانت ملكية خاصة. ومتى وافق المالك السابق على السعر يتولى المالك الجديد أعمال إعادة تصميم المنجم وتطوير (وهو نشاط أفاد منه موردو معدات سلامة المناجم فائدة عظيمة).
وترتب على برنامج الاندماج بإقليم شانكزاي الذي أطلق عام 2009 تراجع انتاج الفحم في الصين بنسبة 10 في المئة في أول ثلاث فترات ربع سنوية ما أجبر الحكومة الصينية على زيادة وارداتها من الفحم بنسبة 171 في المئة.
أما اليوم فإن عملية الاندماج في طريقها إلى الانتهاء في شانكزاي بحسب وو الذي يقول إن لمنجمهم موعداً نهائياً لبدء الإنتاج بحلول آخر هذا العام.