الإعلام الصيني يبحث عن قضية
موقع الثبات اللبناني:
يونس عودة:
من الحقائق التاريخية والواقعية والجغرافية أن الصين البالغة مساحتها سدس الكرة الأرضية، يعيش فيها ما يزيد على مليار وثلاثمئة مليون بشري، يشكلون ما نسبته 22 في المئة من سكان العالم، وهؤلاء يُعتبرون أكبر مستهلك إعلامي في العالم، إن من حيث عدد وسائل الإعلام التي يحوزها المجتمع الصيني، أو من حيث النسبة البشرية المهتمة بالإعلام؛ قياساً إلى ما يشهده الكون من تطور مضطرد في هذا المجال.
قد يفاجَأ المرء أن في بلاد الصين ألفيْ صحيفة يومية، وثمانمئة وست عشرة صحيفة متخصصة (اقتصاد، مال، مهن، نقابات، وغيرها)، كما أن هناك تسعة آلاف مجلة، وثلاثمئة وستون قناة تلفزيونية، تبث على أكثر من ألفي قناة، كما يوجد ستمئة وستون محطة إذاعية.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع للإنترنت، لم تتأثر أي من الوسائل المذكورة، إنما هي في تطور متنامٍ، حيث يوجد خمسمئة وثمانية وثلاون مليون مستخدم للإنترنت، وأكثر من ثلاثمئة مليون يستخدمون المدونات الصغيرة للتعبير والتذمر، وهناك مثال حيوي يفرج عنه رئيس تحرير صحيفة “الاقتصاد” اليومية، أن 15 مليون متصفح يزورون موقع الجريدة على الشبكة العنكبوتية، فكيف إذاً بالصحف الأخرى، مثل صحيفة “الشعب”؟
يعترف المسؤولون المهنيون بتلقائية نادرة بالهواجس الإعلامية التي تقلقهم، لأن إعلامهم، رغم اتساعه، لم يواكب القفزات الاقتصادية النوعية، والمنوي المحافظة عليها برموش العين، والاندفاع بها إلى الأمام، ربما لاحتلال الموقع الأول عالمياً بدل الولايات المتحدة، من دون الاعلان عن ذلك، والأرجح من باب التواضع، كسمة صينية مشهود لها.
لكن المريب في هذا التواضع ما قاله امامي البوفسيور “شي أن بين”، من جامعة “تشينغهوا”، عندما أعلن أن “الصين قوة عظمى لكن هشة”، وتابع: “لذلك نقول إن الصين في مرحلة النمو والتحوّل، وإن وسائل الإعلام تمر في مرحلة انتقالية، لأنها في خضم المرحلة الإصلاحية من ضمن نهج الإصلاح والانفتاح.
إلا أن هذه المرحلة على المستوى الداخلي تُحقق نجاحات غير محققة على المستوى العالمي، مثلما نجحت محطات لدول أقل شأناً بكثير من الصين. أما أسباب ذلك فتعود إلى الحيرة في استلهام أسلوب من الأساليب الأربعة المعمول بها في العالم:
– النموذج الأميركي: حيث تعمل المؤسسات وفق العوامل التجارية “سوق حرة”، لكن هذا النموذج تعتريه مشكلة كبيرة، وهي “تجاهل مصالح عامة الناس”، وهنا يمكن أن تكون فضيحة طغيان الإعلام الغربي مثلاً ساطعاً.
– نموذج المسؤلية الاجتماعية: إحدى خصائص هذا النموذج تكمن في عدم اعتمادها على الإعلانات فقط لتأمين مواردها، بل على مصادر عامة، وصناديق تمويل، ومن المشاهد الذي يدفع رسوماً.
– النموذج السلطوي: وهو أن تمارس الحكومة سلطة رقابة على وسائل الإعلام بشكل صارم.
– النموذج الشيوعي: وهو عندما يكون الإعلام تابعاً كله للدولة، وهذا لا يتناسب مع الانفتاح والإصلاح، ولذلك تتجه الصين إلى النموذج الثالث وتستفيد من الأول، وترى أن المواءمة بين النموذجين الآنفي الذكر تشكّل نموذجاً حالياً يمكن تسميته بـ”النموذج التنموي”، بحيث يكون الانفتاح تدريجياً تحت رقابة الحكومة، والنظر إلى احتياجات السوق.
إلا أن هذا الخيار لا يزال تحت التجربة؛ كي تتبلور رؤية يمكن اعتمادها، تكون قادرة على تحقيق الاختراق العالمي المتوخَّى، والمنافسة القادرة على مجاراة ومواكبة الإنجازات الاقتصادية.
يرجّح أحد كبار الخبراء الصينيين أن هناك حاجة لقضية سياسية يتمنطقها الإعلام الصيني، ولما سئل: لماذا لا تكون قضية الإعلام هي الدفاع عن الإنسانية، ما دام الإعلام الغربي عموماً يروّج للشر ويدافع عنه؟ أجاب: “أوافق على أن تكون للاعلام قضية”.. وحتى ذلك الحين يبقى البحث مستمراً.