التوتر الصيني ـ الياباني والتنافس على مصادر الطاقة
صحيفة المستقبل اللبنانية:
إن النزاع الحالي في منطقة الشرق الأقصى بشأن أرخبيل من الجزر غير المأهولة في بحر الصين الشرقي له إمتداداته في عمق التاريخ حيث التنافس الأزلي بين العملاقين الجارين اليابان والصين، كذلك له تداعياته المستقبلية مع إكتشاف الإحتياطي النفطي الخام في أعماق تلك الجزر.
يقع الحقل النفطي المكتشف جغرافياً، شرق البر الصيني، شمال شرق جزيرة تايوان (جمهورية الصين الوطنية)، وشمال الجزر اليابانية. من هنا يبرز التنافس على الجزر الرئيسية الثماني بين القوى الإقليمية الثلاث بدءاً من التسمية، فاليابان تطلق عليها جزر سنكاكو (Senkaku Islands) بينما تسميها الصين جزر ديايو،(Diaoyu Islands) أما تايوان فتشير اليها بإسم جزر تايوتاي (Tiayutai Islands)، حتى أن الإمبراطورية البريطانية في فترة التوسع حين كانت لا تغيب عنها الشمس أدلت بدلوها في إطلاق تسميتها الخاصة على تلك الجزر وهي جزر بيناكل (Pinnacle Islands).
تاريخياً، مع بدء النهضة اليابانية الأولى، عبر الإصلاح المايجي (Meiji Restoration) بدأت الطموحات الإقليمية اليابانية، فضمت اليها في العام 1879مملكة ريوكيو (Ryukyu kingdom) الواقعة في جزيرة اوكيناوا (Okinawa Island)، التي كانت جزر الأرخبيل المتنازع عليه الآن جزءا من اراضيها.
مع مطلع القرن العشرين جرت محاولة يابانية لإقامة مستعمرة صيد بملكية خاصة على جزيرة اوتسوري جيما (Uotsuri-Jima) (دايوداو (Diayu Dao) بالتسمية الصينية) يعمل بها 200 صياد، وصل عددهم مع عائلاتهم في العام 1909 إلى 248 نسمة، لكن المشروع فشل مع إحتدام الصراع في الحرب العالمية الثانية وعادت الجزر مهجورة من جديد.
مع استسلام اليابان في العام 1945 رضخت الجزر للإحتلال الأميركي الذي لم يبد إهتماما خاصا بها.
وقعت اليابان والولايات المتحدة معاهدة سان فرانسيسكو في العام 1951 لإنهاء الإحتلال الأميركي المباشر على معظم أنحاء الأراضي اليابانية مع إستثناء مقاطعتي أيوجيما التي بقيت تحت السلطة الامريكية حتى العام 1968، ومقاطعة أوكيناوا (التي يتبع لها الأرخبيل المتنازع عليه) حتى العام 1972.
في تلك الأثناء، تحديداً في عام 1968، برز العامل الإقتصادي، حيث أعلنت المفوضية الإقتصادية للامم المتحدة لمنطقة آسيا والشرق اللأقصى (ECAFE) عن إكتشاف متوقع للبترول والغازفي المحيط البحري للجزر الخمس الرئيسية.
مع عودة الجزر للمُلكية اليابانية بدأت مطالب جمهورية الصين الشعبية وكذلك تايوان بإستعادة الجزر لنطاق سيادتهما مدعمتين بالإرث التاريخي لما قبل التوسع الإمبريالي الياباني.
طغت الحرب الباردة أواخر القرن العشرين على الصراع الإقليمي، وترافق ذلك مع الطفرة النفطية في الشرق الأوسط التي أمدت السوق الياباني بإحتياجاته الضرورية، بينما توجهت الصين الشعبية الى مصادرها الداخلية للطاقة معتمدة على وفرة اليد العاملة الرخيصة والتكنولوجيا البدائية المستوردة من الإتحاد السوفياتي، بينما كانت تايوان مشغولة ببنائها الذاتي للتحول الى كيان خاص يمتلك مكونات الدولة المتكاملة.
تبدلت خارطة القوى العالمية مع مطلع القرن الواحد والعشرين حيث تسيد القطب الواحد الأميركي، وفي المقابل سعى الكثير من القوى النامية المتحفزة لزيادة إنتشارها الاقليمي في خطوة أولية نحو البروزعلى الساحة العالمية لتشكيل ندية للمشروع الاميركي الغارق في تجاذباته الداخلية بين نظرية الحزب الجمهوري (المحافظ) ذي التطلعات التوسعية الخارجية يقابله مبادئ الحزب الديمقراطي (الليبرالي) الساعي لمعالجة التراكمات الداخلية. مع التأكيد على أن الحزبين يلتقيان في الخطوط العريضة على صعيد السياسة الخارجية العامة للحفاظ على مصالح السطوة الاميركية وإن إختلفت المعايير والتطبيقات.
مع بداية العام 2004 بدأت الصين ببناء مجمع لإستخراج الغاز الطبيعي بمحاذاة شواطئها، ردت عليها اليابان بالبدء بحملة تنقيب واستكشاف للغاز والنفط داخل مياهها الإقليمية في تموز من العام نفسه. الرد الشعبي الصيني السريع كان من خلال مظاهرات أمام السفارة اليابانية في بكين إستنكارا للتنقيب “غير الشرعي” الياباني في المنطقة المتنازع عليها.
منذ ذلك التاريخ توالت الإستفزازات البحرية المتبادلة من السفن الصينية (صيد أو مراقبة) واليابانية (خفر سواحل) في المياه المتنازع عليها بالقرب من تلك الجزر، شارك في الإختراقات ايضا سفن صيد تابعة لتايوان في محاولة منها للعب دور ما في تقرير مصير تلك البؤرة المتوقعة لمصادر الطاقة المستقبلة.
إن الصراع على مصادر الطاقة في عالمنا الحالي تغلفه المصالح الوطنية للدول في ظل تناقص الثروات الطبيعية للكرة الأرضية، ويلعب الشعور القومي دور المحفز للشعوب في تكوين الكرامة الوطنية وتوق المجتمعات للرخاء الإقتصادي.
تتشارك دول العالم قاطبة في سعيها لتأمين السيادة على أراضيها ومياهها وأجوائها، وتوفير السعادة والرخاء لمواطنيها، وكذلك مبتغاها لحماية ثرواتها الطبيعية. من هنا تبرز أهمية حقول الغاز المكتشفة في شرق البحر المتوسط كمؤشر لمستقبل أفضل لوطننا الغالي لبنان حيث تمتد الحقول المتوقعة على طول الساحل اللبناني بإتجاه جزيرة قبرص عرضا وتتسع طولا من سواحل غزة مرورا بسواحل فلسطين المحتلة وصولا الى الشواطئ التركية.
إن الدفاع عن التراب الوطني والمياه الاقليمية هو واجب قومي بغض النظرعن الدوافع الإقتصادية ويكفي ان نشير الى شن إنكلترا حرب الفوكلاند ضد الارجنتين في العام 1982 دفاعا عن تلك المستعمرة النائية القليلة العدد في السكان والضئيلة في المنافع الاقتصادية دفاعاً عن أملاك ومواطني التاج البريطاني.