عين واشنطن لا تغفل التحالف الصيني الباكستاني
موقع العرب اونلاين الالكتروني:
خلال سنة 2011 أصبحت العلاقة الباكستانية الصينية تحظى باهتمام كبير نظرا إلى تدهور العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة بدرجة أولى جراء عدة أحداث مثل توقيف عميل لوكالة الاستخبارات الأميركية واغتيال أسامة بن لادن على الأراضي الباكستانية وغارة قامت بها قوات الناتو قتل فيها جنود باكستان. وفي نفس الوقت احتفلت الصين وباكستان ‘بسنة الصداقة’ وتبادلتا زيارات رسمية على مستوى عال بمناسبة مرور 60 عاما على علاقاتهما الدبلوماسية إلى جانب مشروعات اقتصادية مهمة.
وتقول الكاتبة إنه بالرغم من الكلام المعسول لوصف عمق العلاقات وقوتها بقي مستوى الاتصال بين الشعبين والروابط الثقافية بين البلدين متدن جدا وهو ما يدل على وجود عدم تناغم بين الخطاب الرسمي حول التحالف والأهمية التي يعطيها له الجمهور في البلدين.
بناء رواية ‘كل الظروف’
يرتكز الخطاب بين البلدين على العلاقات التاريخية، وولاء باكستان للصين وذاكرة الصين لذلك الولاء، و’الثقة المتبادلة’ و’مجالات التعاون المتبادل’. وبتفحص الخطاب على مدى العشرية الماضية يتبين أن أغلبه يتمثل في عبارات محايدة الهدف منها غالبا كبح طموحات الولايات المتحدة والهند الاقليمية وتشمل هذه العبارات ‘الصديق في كل الظروف’ و’روابط أعمق من بحر العرب’ و’الاحترام المتبادل’ ‘والتعاون متعدد الأبعاد’.
وتقوم الدراسة بتفحص هذه العبارات كل على حدة لمعرفة مدى مطابقتها للحقائق الواقعية بعيدا عن الخطاب السياسي المنمق.
الولاء الباكستاني والذاكرة التاريخية الصينية
يعتبر ولاء باكستان للصين واعتراف الأخيرة بذلك حجر زاوية التحالف بين البلدين لكن العلاقة بينهما كانت لها فترات من الصعود والهبوط مثل أي تحالف آخر وما انفكت تتأثر بالعلاقة الثنائية لكل بلد مع الهند والولايات المتحدة.
بعد ربط العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة 1951 تميزت العلاقات بعدم الاستقرار إلى أن جاءت الحرب الصينية الهندية سنة 1962 فتلاقت مصالحهما واستغلت الصين تدهور العلاقات بين باكستان وأمريكا لتوطيد علاقاتها معها، فعقدا اتفاقيتين حول التجارة والأراضي واتفقتا على إنشاء الطريق السيارة كراكرام الذي يربط شمال باكستان بغرب الصين.
وتوطدت العلاقات أكثر بعد اندلاع الحرب الهندية الباكستانية سنة 1965 بتقديم الصين المساعدة العسكرية والدعم السياسي لباكستان خاصة بعد قرار الولايات المتحدة حظر بيع الأسلحة للطرفين المتحاربين. وفي السبعينات لعبت باكستان دور الوساطة للتقارب الصيني الأمريكي وذلك في إطار الانفتاح الأمريكي على الصين ضد الاتحاد السوفياتي. وكانت حرب 1971 بين الهند وباكستان حول بنغلادش فرصة أخرى لإظهار الدعم الصيني لباكستان عسكريا ودبلوماسيا.
وفي الوقت نفسه سعت الصين للتقارب مع الهند لأنها أصبحت تنظر للفرص الاقتصادية الهائلة في الهند وبدأت في المرحلة ما بعد ماو تفضل التنمية في جوار مسالم. لكن أثر هذا التقارب كان محدودا بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان فوجد كل من الصين وباكستان عدوا مشتركا آخر خاصة وأن الأخيرة كانت تخشى دخول السوفيات لأراضيها من أجل الوصول إلى المياه الدافئة.
ومثلت زيارة رئيس الوزراء الهندي رجيف غاندي لبكين سنة 1988 لحظة مهمة في العلاقات الهندية الصينية نتج عنها تخفيف الصين لخطابها الداعم لباكستان عند احتدام الصراع في كشمير بعد سنة. وفي العشرية الأولى بعد الحرب الباردة ركزت الصين على تحسين علاقاتها مع الهند لأهداف اقتصادية تتمثل في فتح السوق الهندية لسلعها ولإيجاد ثقل مقابل للحلف الهندي الأمريكي، فلم تعد باكستان تتحصل على المساعدة السابقة وأخذت الصين موقف الحياد في التوترات اللاحقة.
التعاون متعدد الأبعاد
في العقد الأخير تطورت العلاقات الصينية الباكستانية واسترجعت أهميتها فتعمق اهتمام الصين بأمن باكستان وكثفت تعاونها معها في هذا المجال كما تواصل الصين بيع مفاعلات نووية لأغراض مدنية وطائرات حربية ومعدات تقليدية رخيصة الثمن. وفي المقابل لا تعارض باكستان أي من مصالح الصين ‘الأصلية’ بما في ذلك كسنجيانغ وتايوان والتبت وبحر جنوب الصين. وأبرمت سنة 2005 ‘المعاهدة الباكستانية الصينية للصداقة والتعاون وحسن الجوار’ كوسيلة أساسية لتقوية العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية.
ويستعمل التعاون العسكري غالبا كوسيلة رمزية للدلالة على قوة العلاقة بين البلدين ومن ذلك أن سارعت الصين بتسليم 50 طائرة حربية إضافية من نوع جي.أف-17 لباكستان إثر مقتل بن لادن وساعدتها على بناء أول زورق حربي أصلي، وفي أغسطس 2011 أطلقت قمر صناعي باكستاني للاتصالات.
ويوجه الجزء الأعظم من الاستثمار الصيني في باكستان إلى القطاع العمومي ويقدر بمليارات الدولارات. وتخطط الصين وباكستان من 2012 إلى 2017 إنجاز 36 مشروعا بقيمة 14 مليار دولار، لكن الكثير من المشاريع ليست استثمارات مباشرة. وقامت الصين بدور ريادي في تمويل ميناء قوادر في بلوشستان وتشييده وهو ميناء يتميز بعمق مياهه الدافئة ولا يبعد عن مضيق هرمز أكثر من 250 ميلا.
أما بالنسبة للتجارة بين البلدين فهي الآن أكثر من التجارة الباكستانية الأميركية بنسبة 20 بالمائة ولم تبدأ القيمة الجملية للتجارة الصينية الباكستانية في الارتفاع بشكل عال إلا ابتداء من أواخر التسعينات فارتفعت من واحد مليار دولار سنة 1998 إلى 10.6 مليار دولار سنة 2011. لكن مستوى التجارة الثنائية ما زال منخفضا لعدة اسباب منها محدودية أنواع البضائع الباكستانية المعدة للتصدير، وتركيز الصين على تصدير البضائع الرخيصة لباكستان.
الحفاظ على نفس الخطاب
أخذت وسائل الاعلام في كلا البلدين على عاتقها دورا أساسيا في تعزيز الخطاب والصورة لتحالف قوي لتعويض ضعف الاتصال بين الشعبين وقلة القيم الثقافية المشتركة بينهما. ويتحدث الخطاب الرسمي الذي تنقله وسائل الاعلام عن صداقة ‘كل الظروف المناخية’ التي تتقابل مع علاقة ‘الطقس الهادئ’ مع الولايات المتحدة. وتقوم مؤسسات تفكير مثل مؤسسة باكستان-الصين في اسلام أباد ونشرياتها بالمساعدة على استدامة الخطاب والصورة عن علاقة متينة. وثبت أن هذا الخطاب نجح في التأثير على الرأي العام الباكستاني إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية الشعب ينظرون إلى الصين نظرة ايجابية ويرون أنها لا تتدخل في شؤونهم الداخلية.
التحديات
إلى جانب كون الروابط الصينية الباكستانية تدعّمت بالخطاب المستعمل، من الواضح أيضا وجود عدة تحديات أمام الحلف بين الدولتين. أولا لم تعد باكستان تتحصل على الدعم المالي الملموس كما كانت من قبل. وثانيا مع زيادة حالة عدم الاستقرار في باكستان تجد الصين صعوبة أكبر لايجاد التوازن بين مساندتها لحليفتها والانتقاد الموجه إلى باكستان من المجتمع الدولي المتعلق خاصة بالمجهودات لمعالجة انتشار النضال الاسلامي وضمان سلامة أسلحتها النووية. وأخيرا تقتضي ديناميكيات منطقة جنوب آسيا وهياكل التحالفات الثنائية من الصين وباكستان ايجاد التوازن بين الخطاب حول علاقتهما ومصالحهما الاستراتيجية.
ليس بالشيء الجديد أن تتقارب باكستان والصين عندما تتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وأحدث مثال على ذلك أن تقوية العلاقات بين باكستان والصين في 2011 تزامن مع العام الذي شهد أكثر المشاكل في العلاقات الباكستانية الأميركية على الأقل في العشرية الماضية.
ومع تحسن علاقة باكستان بالصين على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري أصبحت معالمها أيضا أكثر وضوحا. ويصف المسؤولون في البلدين الحلف على أنه علاقة مفيدة للطرفين ترتكز على الاحترام والتعاون المتعدد الأبعاد من أجل الوقوف في وجه الطموحات الاقليمية لدول أخرى وبالتحديد الولايات المتحدة والهند.
وبدراسة العلاقات والتفاعلات بين البلدين يتضح أن العلاقة بينهما ليست متكافئة، إذ من المتوقع أن تواصل الصين الهيمنة على جدول الأعمال وتسييره، وعلى باكستان أن تقدم نتائج ملموسة في خدمة المصالح الصينية وخاصة الأمنية منها حتى تواصل الصين اهتمامها بالتحالف ومن ثم تقديم مساعدتها لباكستان.