لماذا لن تنشب الحرب بين الصين واليابان؟
صحيفة الغد الأردنية ـ
كلود ميير- (لوموند) 2012/12/27 –
ترجمة: مدني قصري:
بعد أشهر من التوترات التي اتسمت بالعنف في بعض الأحيان، تبدو الأزمة الصينية اليابانية حول جزر سينكاكو/ دياويو وأنها تتجه نحو نقطة اللاعودة التي تجعلنا نخشى قدوم ما هو أخطر وأسوأ. ففي يوم 13 كانون الأول (ديسمبر) -بعد خمسة وسبعين عاماً بالضبط من مذبحة نانجينغ، ولم يأت هذا التاريخ من قبيل الصدفة– حلقت طائرة استطلاعية صينية في أجواء أرخبي الجزر الذي تسيطر عليه اليابان وتطالب به الصين كجزء من المناطق الخاضعة لسيادتها الإقليمية. وردت طوكيو على الفور عن طريق إرسال طائرات مقاتلة من طراز أف-15، احتجاجا على هذا الانتهاك للمجال الجوي الياباني، وهو الانتهاك الأول لفترة ما بعد الحرب. وبعد مرور ثلاثة أيام على ذلك الحادث، أحرز حزب المحافظين الياباني فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية، والذي صرح رئيس الوزراء شينزو آبي على إثره مباشرة: “إن الصين ترفض الاعتراف بأن هذه الجزر هي جزء لا يتجزأ من الأراضي اليابانية. وهدفنا هو وضع حد لهذا التوجه”. وعلى الجانب الصيني، يسود نفس الاتجاه من التعنت والإصرار، ويبدو أن النزاع غير قابل للتسوية عن طريق المفاوضات. فهل يظل صوت الأسلحة هو السبيل الوحيد لفرض الحق والقانون؟ إن مثل هذا السيناريو غير مرجح إلى حد كبير، لأسباب اقتصادية واستراتيجية وسياسية.
إن أي مواجهة مسلحة، أو حتى حرب تجارية واسعة، سوف تكون كارثية على اقتصادات العملاقين الآسيويين، نتيجة للتعاون الوثيق بين البلدين في مجالات التجارة والاستثمار والأموال. فمنذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001، ارتفع حجم التبادل بين البلدين بمقدار عشرة أضعاف ليصل إلى 345 مليار دولار في العام 2011. وهكذا، تمثل الصين أكبر شريك تجاري لليابان وتمثل المورد الرئيسي لجارتها الكبرى. ويقدر مخزون الاستثمارات اليابانية بحوالي 80 مليار دولار، وتسهم آلاف الشركات اليابانية العاملة في الصين في توسّع وتطوّر الصناعة الصينية.
وفي الوقت الذي يتعثر فيه نمو اليابان، وفي حين تسعى الصين إلى إعادة توجيه نموذجها التنموي، لسنا نرى كيف سيغامر القادة بشن هجوم عسكري ستكون عواقبه الاقتصادية وخيمة. وقد تكون اليابان هي الأكثر ضعفا وتأثرا في حال وقوع مثل هذا الهجوم، لأن 20 ٪ من صادراتها تذهب إلى الصين، مقابل 8 ٪ فقط في الاتجاه الآخر. لكن الاقتصاد الصيني سوف يمنى بأضرار كبيرة نتيجة انهيار التدفقات التجارية، ونزوح الشركات اليابانية. وقد رأينا بعد كارثة فوكوشيما كيف أن الانقطاع القصير للصادرات اليابانية لمُكونات أساسية أدى إلى مجموعة من العواقب المتسلسلة على الصناعة الصينية والعالمية: وقد توقفت بعض المنتجات كليا، لا سيما في مجال الإلكترونيات والسيارات.
أما على الصعيد العسكري، فستكون مُحصلة أي صراع غير معروفة، لأن أي تفوق عددي في القوات الصينية سيقابله التفوق التكنولوجي لبحرية اليابان وطيرانها. ولا شك أن القيادة العسكرية الصينية تعي ذلك جيدا، وفي ذلك ما يفسر مضاعفة الموازنة العسكرية الصينية بين العاميين 2007 و2012، وخاصة في مجال تحسين الأداء الإلكتروني على متن الطائرات والسفن، وتحويل قوات بحرية تعمل على السواحل أساساً إلى قوات تعمل في أعالي البحار.
وعلاوة على ذلك، قد تُطرح مسألة التدخل الأميركي في وقت أو آخر. وقد سعت واشنطن حتى الآن، إلى تهدئة اللعب، من دون أن تفصح عن موقفها حول موضوع النزاع. لكن القوات الأميركية سوف تضطر إلى التدخل في حالة قيام أي نزاع مسلح، لأن هذه الجزر مشار إليها ضمنيا في المادة 5 من معاهدة الأمن الموقعة بين الولايات المتحدة واليابان، والتي تنص على تقديم الولايات المتحدة الدعم العسكري في حال حدوث هجوم على الأراضي اليابانية.
وأخيرا، وعلى الصعيد السياسي، لا تفكر أي من الحكومتين في الوصول إلى مواجهة عسكرية. وعلى الرغم من التصريحات العسكرية، تدرك كلتا الحكومتين أن عواقب أي اشتباك لا تمكن السيطرة عليها، بالنظر إلى المناخ المتأجج الذي ساد خلال الأشهر القليلة الماضية. وتقوم الصين بإرسال وسائل الاستطلاع والمراقبة إلى المنطقة –من الطائرات والسفن– حتى تثبت اهتمامها بما تعتبره جزءا من أراضيها. ولذلك، فما من شك أن هذه الإجراءات الرمزية القوية تهدف إلى تهدئة رأي عام تؤججه نار باردة، أكثر مما تهدف إلى تركيع اليابان.
ومن جانبه، عرض رئيس الوزراء اليابان الجديد أجندته الوطنية في مقدمة حملته الانتخابية. لكنّ للسيد شينزو آبي، على غرار الإله الروماني جانوس، وجه آخر أيضا. فهو رجل واقعي براغماتي، كما رأينا ذلك في العام 2006: كان آنذاك وهو رئيس للوزراء، قد حرر العلاقات مع الصين من جمودها، بعد أن كان قد قوّضها سلفه جونيشيرو كويزومي.
ولكن، إذا كانت الحرب غير واردة، فماذا يمكن أن يكون المخرج من هذه الاستفزازات؟ هل هو العودة إلى الوضع القائم الذي ظل سائدا منذ العام 1972، بحيث تترك للأجيال القادمة تسوية هذه النزاعات؟ كلا، إن هذا أمر غير محتمل، لأن بكين تعتقد بأن طوكيو قد “كسرت” هذا الاتفاق، من خلال “تأميم” الجزر في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. ولذلك، ربما يحتاج الوضع إلى الاستمرار في تكريس الوضعٍ الراهن، لكن مع “تخصيبه” كأن يتم اقتسام الموارد الكثيفة ومصادر الطاقة بين البلدين، من دون البت في مسألة السيادة غير القابلة للحسم في الوقت الحالي. وعلى الرغم من أن مثل هذا الاتفاق يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي، إلا أن الحرب تبدو مستبعدة أيضاً -اللهم إلا إذا طرأ حادث طفيف وأدى إلى تفاقم الأمور، في حال تعذر أي تواصل بين القادة في البلدين.