انهيار كوريا الشمالية أكثر ما تخشاه الصين
صحيفة البيان الإماراتية ـ
بقلم: جون بومفرت ـ ترجمة: نهى حوّا:
يسرد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قصة في مذكراته يدور موضوعها حول كوريا الشمالية والصين. ففي أكتوبر 2002، دعا بوش الزعيم الصيني حينئذ، جيانغ زمين، إلى مزرعته في تكساس، وكانت بيونغيانغ تطور أسلحة نووية، فأراد بوش الحصول على مساعدة الصين في هذه المسألة.
وبحسب أقوال بوش فإن جيانغ قال له إن: “كوريا الشمالية هي مشكلتي (أي مشكلة بوش) وليست مشكلته”. ولم تفعل الصين شيئا. وبعد ذلك ببضعة أشهر، حاول بوش سلوك مسار مختلف. فقال لجيانغ في يناير 2003 إنه إذا استمر برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، فإن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على منع اليابان من تطوير ترسانتها النووية الخاصة بها، ومع ذلك لم يحدث شيء.
وبعد ذلك بشهر، حذر بوش الصين من أنه سوف ينظر في توجيه ضربة عسكرية ضد كوريا الشمالية إذا لم تحل المشكلة بالوسائل الدبلوماسية. وعند هذه النقطة فقط تحركت الصين. وبدأت المباحثات مع كوريا الشمالية، لكن المملكة الناسكة واصلت برنامجها النووي، وأجرت اختبارا نوويا ثالثا أخيرا.
الدروس المستفادة
ومذكرات بوش تقدم درسا لأولئك الذين يعتقدون أن الصين تحمل مفتاح الحل لمشكلة كوريا الشمالية النووية، وهي القضية التي قد تحول شمال شرق آسيا إلى المنطقة الأخطر على وجه الأرض.
وكانت بكين شريكا مترددا لأميركا في هذه الأزمة منذ البداية، ولقد أظهرت اهتماما محدودا باتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة لإجبار بيونغيانغ على التخلي عن القنبلة النووية.
وطبعا، عملت الصين بشكل وثيق مع الولايات المتحدة في صياغة العقوبات الأخيرة الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن كوريا الشمالية، كما انتقد بعض المسؤولين الكبار بما في ذلك نجل الزعيم ماو تسي تونغ، نظام كيم يونع أون علناً.
وتدور شائعات مفادها أن الرئيس الجديد للصين، شي جينبينغ، منفتح لتكتيكات مختلفة، لكن هذا لا يغير القضية الأساسية فيما يتعلق ببكين.
وببساطة، فإن قادة الصين لا يقبلون بصحة الحجة الأميركية التي تقول إن العمل مع واشنطن على حل الفوضى النووية لكوريا الشمالية يصب في مصلحة بكين. والأسباب الداعية لذلك هي أيديولوجية وتاريخية، أولها أن اهتمام الصين الرئيسي بكوريا الشمالية ليس نزع السلاح النووي، بل ضمان عدم سقوط الحكومة في كوريا الشمالية.
وتعتبر قضية الانهيار المحتمل لكوريا الشمالية قضية شديدة الحساسية إلى درجة أن المسؤولين الصينيين رفضوا مرارا التوسلات الأميركية المتكررة لمناقشة سيناريوهات حول كيفية تجنب حدوث اشتباكات إذا ما حدث الانهيار وعند حدوثه.
مخاوف بكين
بالنسبة لبكين، فإن وجود دولة شيوعية عازلة بين الصين وكوريا الجنوبية، حتى لو كانت دولة مزعجة، يبقى أمرا حساسا بوضوح، ذلك أن قيام شبه جزيرة كورية موحدة في ظل كوريا الجنوبية سيطرح تحديا هائلا للنظام السياسي للصين.
وألمانيا الشرقية هي المثال الذي يستخدمه بعض الصينيين عندما يسألون عن السبب الذي يدعو الصين لعدم الضغط على بيونغيانغ. لقد انهار الاتحاد السوفييتي عندما سقط جدار برلين، وفي حال جرى اختراق المنطقة المحرمة التي تفصل كوريا الشمالية عن كوريا الجنوبية، فهل يمكن أن يحدث الأمر نفسه للصين؟
ولطالما اعتقدت الصين أنه من الضروري السيطرة على الأقل على جزء من شبه الجزيرة الكورية. وفي عام 1894، خاضت العائلة المالكة الأخيرة للصين، عائلة كينج، حربها الأولى مع اليابان حول قيادة المملكة الكورية، وقد خسرت الصين.
ومن الواضح، أن الصين لا تمارس سلطتها أو تتحكم بسير الأوضاع في كوريا الشمالية اليوم، لكن نفوذها على بيونغيانغ يعد اكبر بكثير مما قد يكون على كوريا موحدة وعاصمتها سيؤول.
وأخيرا، هناك سبب غير معلن وراء تردد الصين في الضغط على كوريا الشمالية، والذي تؤكده تعليقات جيانغ لبوش بأن قنبلة بيونغيانغ مشكلة أميركا وليست مشكلة الصين.
فأعضاء من الحزب الشيوعي والدولة الصينية يعتقدون أن وجود كوريا شمالية نووية يعقد الحسابات الأمنية لأميركا اكثر مما يعقد الحسابات الأمنية للصين، وهذا لا يعد بالنسبة لهم أمرا سيئا.
وعلى مدى سنوات، ناشد المسؤولون الأميركيون نظراءهم الصينيين بإظهار التشدد والقسوة مع كوريا الشمالية، قائلين لهم إن سياسة بكين لا تصب في مصالح الصين طويلة الأمد.
لكن الصينيين يفكرون بأمرين كليهما سيئين عندما يتأملون بفرض المزيد من الضغوط على كوريا الشمالية وبشبح الوحدة في شبه الجزيرة الكورية، ويستحضرون حدثين من الذاكرة، هما سقوط جدار برلين والحرب الصينية اليابانية. ولقد خسرت الشيوعية التحدي الأول، فيما خسرت الصين الثاني.
حلم الوحدة
قادة الصين لا يقبلون بالحجة الأميركية التي تقول إن العمل مع واشنطن على حل الفوضى النووية لكوريا الشمالية يصب في مصلحة بكين. والأسباب الداعية لذلك هي أيديولوجية وتاريخية.
أولا، اهتمام الصين الرئيسي بكوريا الشمالية ليس نزع السلاح النووي، بل ضمان عدم سقوط الحكومة في كوريا الشمالية.
وفيما قد تكون بكين غاضبة من قدرة سلالة كيم على صرف انتباه الصين عن الأمور الأكثر أهمية، لكن الصين سوف تدعم بيونغيانغ لأن البديل المتمثل بانهيار كوريا الشمالية يعد بديلا أكثر سوءا.
وفيما يخشى عدد كبير من الكوريين الجنوبيين من كلفة الوحدة مع إخوانهم في الشمال، تعارض الصين ذلك بمزيد من الحدة. فمئات ألوف اللاجئين سيتدفقون إليها.
وسيتوجب على الصين تحديد كيفية التعامل مع كوريا الجنوبية والقوات الأميركية التي ستتحرك للضمان سلامة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. وستواجه الصين ملايين الصينيين-الكوريين الذين سيلهمهم قيام وطن موحد جديد.