المسلمون الصينيون واهتمامهم بالأدب العربي و الإسلامي
موقع الصين بعيون عربية ـ
جمال جوزي*:
يُعد الأدب الصيني العميق مِن أهم الآداب التي تمتعت به الشعوب و الحضارات البشرية في العالم، مما دعا الكثير من المهتمين و المفكرين و الأدباء إلى ضرورة الاهتمام الآداب الأخرى التي تميزت بتعددها الفكري و الاديولوجي على مر التاريخ، و المتعلقة باتخاذ خطوات معتبرة نحو تعزيز و تطوير الموضوعات المعاصرة المتعددة الاقتصادية منها و الفكرية لتشكيل قوة إقليمية فعالة يمكن أن تواجه تحديات العصر و العولمة .
ومما لا ينبغي جهله و نكرانه، هو قيام الأدب الصيني في بنائه الفكري القدرة على البحت و التنقيب باستمرار على المراجع الفكرية و التاريخية و الاعتقادية للحضارات و الشعوب الأخرى، كما هو الحال في مجال اهتمامه بالأدب العربي، خاصة الشعري منه و حتى النثري و القصصي على مر حقباته التاريخية التي بنيت أساسا على القومية و العشائرية القبائلية المتعصبة، إلى أن جاء الإسلام الذي اخرج الشعوب العربية من الظلمات إلى النور، و إلى الانفتاح الحضاري مع الغير، و الحث على ضرورة العلم و المعرفة والتواصل بين شعوب العالم تحت راية السلام و المحبة و التعاون الإنساني المشترك، و الذي دعا إلى تعزيز مجال الفكر البشري و حرية التعبير، و السعي إلى الرقي و البناء الحضاري الذي يرفع الإنسان و يوجهه إلى الطريق السليم، الذي يحفظ إنسانيته و حقيقة وجوده في الحياة .
وكما أن اللغة هي عبارة عن أداة تواصل حقيقي و فعّال، فقد أدرك الشعب الصيني أنها يمكن أن تخدم أفكاره، و تطورها على أساس خدمة مصلحته الإنسانية و المادية و تحقيقها في مجال حياته المتعدِّدة بين الشعوب الأخرى.
ومن هذا المنطلق اهتمت الصين حكومة وشعبا بالأدب العربي و الإسلامي وهو خير دليل على هذا التوجه الإنساني العميق، الذي أكّده بجدارة في إقباله بجدية عالية، و الاطلاع على روائعه الفكرية و الإبداعية على مر العصور، و اعتناق الكثير من شرائح المجتمع الصيني للإسلام، و السعي الحثيث في البحث عن معانيه و مبادئه ومعتقداته التي أتى بها إلى البشرية جمعاء لإخراجها من الظلمات إلى النور.
وعلى أساس هذا الإقبال الصيني الحضاري على الأدب العربي و الإسلامي، مروراً بالجماعات المسلمة التي كانت تتنقل من الجزيرة العربية إلى الصين قصد التجارة، و أيضا عِبر البعثات الإسلامية المتتالية لنشر الدين الجديد خاصة توسّعها بشكل معتبر في العصر الأموي، بفضل الكثير من الصحابة رضي الله عنهم، و الذين تميزوا بأخلاق حميدة فطبقوا مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي نزل على محمد صلى الله عليه و سلم، و بذلك انتشر الإسلام في الصين الذي بُني بعده في تلك الحقبة من الزمن أول مسجد في الصين سمي هويشينغ، على يد الصحابي الجليل سعد إبن أبي وقاص رضي الله عنه كما جاء به المؤرخون و الذي بعد من أقدم المساجد في الصين و بفضله بدا المعتنقون للإسلام ينشرونه في اغلب مناطق الصين حتى اكتسب المسلمون الصينيون العديد من التقاليد الإسلامية عن طريق تعاملاتهم المختلفة في شتى مجالات الحياة و عن طريق المصاهرة بين الأسر و بذلك احتل المسلمون مكانة محترمة بين الصينيين، و كذلك تقلدوا مناصب معتبرة بين الأهالي، و التي سمحت لهم بعد ذلك بإظهار فنونهم و حرفهم و ابتكاراتهم و ثقافتهم بين الصينيين و خاصة العمرانية منها.
فكان لا بد على الأمة العربية و الصينية العمل على جعل تعاون فعال و جاد في توسيع تعليم اللغة العربية، و أيضا الصينية في كلا الأمتين العريقتين على حد سواء و جعل هذه الشراكة الثقافية و الأدبية أكثر انتشارا بين الشعبين، و رسم ديناميكية مشتركة في هذا الشأن و تشجيع
الشعوب العربية و الصينية للإقبال على هذه الأسلوب الثقافي و الحضاري الحقيقي، و تكوين علاقات فكرية واسعة، و العمل على ترسيخ التعاون الذي يخدم الجميع، خاصة الاهتمام بمجال الترجمة في الأدب العربي و الصيني بناء على دراسات علمية و فكرية واسعة، خاصة أن كلتا اللغتين الأكثر صعوبة في العالم اللتان تعكسان مدى قوة و الحضارتين، و عمقهما من الناحيتين البشرية والتاريخية .
ويعتبر التعريف بالحضارتين العربية و الصينية، يدل على الاهتمام الواضح في تبادل الأفكار و استمرار التعاون بين الشعوب، بهدف السلام و تحقيق التنمية المشتركة الحقيقية، كما انه لا ينكر بان ما احتلته الصين من هذه المكانة المعتبرة في العالم، يوحي أيضا بمدى انتشار اللغة الصينية في العالم الحديث، الذي يعمل على تشجيع التبادلات الثقافية و الفكرية، و حتى الاقتصادية التي تستدعي إرادة حقيقية لترسيخ هذه المبادئ الإنسانية و التاريخية الخالدة .
ويعتبر أيضا مدى اهتمام الصين الأدب العربي خاصة الشعر، الذي يعد ديوان العرب، يعكس مدى تذوق الصينيين لآداب الشعوب الأخرى، و الحرص العميق في اكتشاف مراحله و إبداعاته المتنوعة، مرورا بالقوافي الشعرية و المحسنات البديعية للشعراء العرب على مر الأزمنة و العصور، و فضلا عن ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف الذي أراده الله لشعوب العالم اجمع، ليحفظ الإنسان كرامته وعقله و ماله، و زرع الخير بين كل البشر، و تحقيق السلام والتعاون المشترك فيما بينهم جيل بعد جيل .
و يعتبر اعتناق الكثيرين من أبناء الصين للإسلام، الذي جاء رحمة للبشرية جمعاء، يرجع في الكثير من الحالات إلى دور اللغة العربية و آدابها، أي لغة القران الكريم ، و ما قدمته للتعرف أكثر على الإسلام، وذلك مما يستدعي المزيد من الاجتهاد و الاهتمام في وضع دراسات معمقة في هذا المجال من قبل إرادة الجانبين العربي و الصيني، في إطار راق، ومسعى صحيح و واع، و العمل على تحقيق التعاون المشترك و ذلك في كل جوانب الحياة .
و نأمل من وراء هذا الإرث المشترك بين الصين و البلدان العربية المعاصرة، أن يمتد بفضل ما حققته الشعوب الماضية من تعاون خاصة في المجال التجاري و الثقافي و غيره، من مجالات الحياة المختلفة، أن يسعى الأكاديميون و المثقفون و المسئولون، و حتى بما يسعوا إليه الدبلوماسيون العرب و الصينيون في الإسهام بفعالية في نشر هاتين اللغتين الممثلتين لحضارتين عريقتين في الصين و البلاد العربية، و تعزيز المسعى الثقافي و الفكري، في إطار المصلحة المشتركة خاصة أننا إذا استشرفنا المستقبل من خلال المعطيات الحالية في هذا المجال، نجد انه يوحي إلى أن كل هذه المساعي سوف تحقق بالتأكيد خطى حقيقية بناء على الماضي المشترك في العلاقات الحضارية و الإنسانية بين الشعبين العربي و الصيني
*كاتب من الجزائر الشقيق..