عودة أواصر الدفء بين الصين وباكستان
موقع محيط الالكتروني:
بعدما ظن كثيرون أن حبل الود كاد ينقطع بين بكين وإسلام آباد، جاء الواقع ليؤكد أن ذلك لم يكن سوى استجابة لضرورات تكتيكية فرضتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والحرب على ما يسمى بالإرهاب.
ومنذ توليه رئاسة الوزراء للمرة الثانية، قام رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف بزيارة الصين كأول رحلة رسمية إلى الخارج، مع الأمل في أن تساعد الصين بلاده في تحديث بنيتها التحتية ومعالجة مشاكلها الاقتصادية المتداعية.
وذكر شريف في وقت سابق أنه “على باكستان أن تتجاوز صعوباتها، ونريد أن نتعاون مع الصين في قطاع البنى التحتية والطاقة”، مع العلم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في العام الماضي 12 مليار دولار، ويستهدف الجانبان رفعه إلى 15 مليار في الأعوام الثلاثة المقبلة.
واتفق شريف مع رئيس مجلس الوزراء الصيني “لى كه تشيانج” على تعزيز الشراكة بينهما، وتسريع عملية التكامل الاقتصادي الإقليمي عبر دفع التعاون في مختلف المجالات، إضافة لإنشاء طريق مشترك بين شمال غرب الصين عبر جبال باكستان لتعزيز النمو الاقتصادي بين البلدين.
ويعد ضعف النمو الاقتصادي والتضخم المرتفع وتفاقم أزمة الكهرباء، في مقدمة القضايا التي يواجهها شريف منذ عودته إلى الحكم، فالاقتصاد الباكستاني يمر بمرحلة عصيبة جداً من التدهور، وجاءت الأزمة المالية الدولية لتهدده بالانهيار ولن ينفع معه سوى جرعات مهدئة من القروض الكبيرة والميسرة التي عادة ما يقدمها الحليف الصيني بكل سخاء، بالإضافة إلى توسيع فرص الاستثمار الصيني في باكستان عبر مجموعة اتفاقيات تم التوقيع عليها خلال القمة بين الرئيسين وشملت مجالات متنوعة.
جذور حميمة
وعلى ما يبدو يمكن وصف العلاقة الصينية الباكستانية بأنها قدر، وبأنها لا تخضع لأية مؤثرات محلية أو إقليمية أو دولية، بغض النظر عمن يحكم باكستان من الأحزاب السياسية.
تلك رؤية يشترك فيها الجانبان إلى حد كبير وتفرضها حقائق الجغرافيا ويشهد عليها التاريخ وتعززها كذلك المصالح المشتركة، وبغض النظر عن انتماءات الرئيس سواء كان مدنياً أم عسكرياً، فإن العلاقات الباكستانية الصينية تبقى دائماً علاقات حسن جوار وشراكة إستراتيجية.
وقد يكون من المهم التذكير هنا أن أول مرة قالت فيها الصين “لا” في مجلس الأمن – وتلك حالات نادرة- مستخدمة حق النقض (الفيتو)، كان من أجل باكستان ضد انفصال بنجلاديش، كما أن خطوط الطيران الباكستانية كانت هي المتنفس الأول أو الوحيد التي تواصلت بكين من خلاله مع العالم إبان عزلتها الدولية في فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ويعد التعاون العسكري أيضاً أحد أهم أوجه التعاون بينهما، فقد تجاوز مراحل بيع الأسلحة والصواريخ وإجراء المناورات المشتركة، ووصل مرحلة متقدمة بإنتاج مشترك لطائرة عسكرية يجمع المراقبون أنها تقارب في قدراتها القتالية طائرة (أف-16)الأمريكية.
عدو مشترك
وبالإضافة لتصريحات مسئولي السياسة الخارجية الصينية، التي أكدت على “احتياج الصين لباكستان في سياساتها الإقليمية”، فإن الحليفين يحتاجان إلى بعضهما لاعتبارات تتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، و”كبح” أو تحجيم الطموحات الهندية التي تقف في موقف العدو المشترك للطرفين، وهو ما مثل من وجهة نظر العديد من المحللين نقطة ارتكاز إستراتيجية في المنطقة.
فمن جانب الصين، ترى أنه من دواعي تخفيف حدة التوتر بينها وبين الهند (المشتعل بين الحين والآخر عبر النزاعات الحدودية)، أن تعمل على دعم باكستان في نوع من “المواجهة المحكومة”، الأمر الذي يقلل من ضغط الهند إستراتيجياً على الصين.
وعلى جانب آخر ضمن إستراتيجية الدفاع المشترك، فإن الصين كثيراً ما نظرت بعين الريبة إلى الوجود الأمريكي في أفغانستان، بوصفه جزءً من الإستراتيجية الأمريكية لتطويقها، كما ترى الضغط الأمريكي المتصاعد على باكستان، في إطار “الحرب على الإرهاب”، خطراً يهدد مصالح الصين الاقتصادية هناك، ومحاولة لزعزعة تمركزها الإستراتيجي على شاطئ المحيط الهندي.
ومن الجانب الآخر، ثمنت باكستان ولا زالت الدور الصيني باعتباره يمثل حائط صد بالنسبة لإسلام آباد في نزاعاتها الحدودية مع عدوتها اللدود “الهند” فيما يخص الصراع الممتد على إقليم كشمير.
علامات فارقة
ومما لاشك فيه أن الصين بحضورها الإقليمي والدولي وبتجربتها الاقتصادية الناجحة وبرصيدها الدبلوماسي المعروف بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، تشكل خياراً صحيحاً للاعتماد عليه بالنسبة لباكستان.
وكذلك الأمر بالنسبة لبكين، فباكستان تقع على خاصرة الصين الغربية الرخوة بمحاذاة إقليم شينغيانغ ذي الأغلبية الأيغورية المسلمة، حيث تنشط بعض المنظمات الانفصالية في الإقليم الذي يشكّل سدس مساحة الصين ويزخر بالخيرات النفطية.
وعادة ما تتخذ تلك المنظمات من الأراضي الباكستانية والأفغانية مسرحاً لتدريباتها، وكانت أجهزة الأمن الصينية أحبطت مؤخراً عملية اختطاف طائرة قالت إنه تم الإعداد لها في باكستان.
والأهم من هذا كله أن باكستان هي رئة الصين على نفط الشرق الأوسط وأسواقه، وهذا ما فتح الباب أمام ما بات يُعرف باسم “حرب إنشاء الموانئ من القوى الكبرى في باكستان”، وكذلك البدء بدراسة مشاريع كبيرة وطموحة لمد أنابيب تروي عطش “التنين الصيني” من نفط الشرق الأوسط عبر الأراضي الباكستانية.