تجاذب الصين بين الولايات المتحدة وروسيا
موقع صحيفة النهار الالكتروني:
منذ فترة قصيرة تعددت التعليقات التي تركز على انخفاض معدل النمو في الصين من 8 في المئة سنويا الى 7,5 في المئة وصوّر الوضع كأنه بداية تراجع الاقتصاد الصيني.
وخلال الازمة المتعلقة بالموازنة ورفع سقف الاقتراض للاقتصاد الاميركي، عبر الصينيون عن قلقهم من الممارسات الاميركية، خصوصا انهم يملكون سندات خزينة اميركية بقيمة 1,3 تريليون دولار وقد تبعهم في انتقاد السياسات الاميركية اليابانيون الذين يملكون 1,2 تريليون دولار.
وبعد انقشاع غيوم الوضع في الولايات المتحدة ولو لفترة أربعة أشهر يفترض خلالها توصل الاميركيين الى توضيح منهجية معالجة ارقام الموازنة والتزامات القروض، ظهرت تعليقات في “الفايننشال تايمس” ومجلة “الايكونوميست” مفادها ان مستقبل الاقتصاد العالمي يرتهن بتحسن أوضاع الاقتصاد الاميركي وان المؤشرات الجديدة تفيد ان الصين استعادت معدل نمو خلال الربع الثالث من هذه السنة على مستوى 7,8 في المئة وان هذا المعدل مرشح للارتفاع.
الصينيون، الذين لم يفقدوا التميز بمعدلات النمو لان معدل الـ7,5 في المئة من النمو الذي أثار المخاوف كان يوماً أعلى من معدل النمو في أي بلد صناعي. فالمانيا التي تمثل رابع اكبر اقتصاد عالمي وثانية كبرى الدول المتاجرة في العالم تتوقع نمواً بمعدل 1 في المئة فقط سنة 2014، وبقية الدول الاوروبية الرئيسية باستثناء بريطانيا التي يقدر ان تحقق نمواً بمعدل 2,5 في المئة سنة 2014 لن يتجاوز معدل النمو في أي منها نسبة ½ في المئة السنة المقبلة.
ونمو بريطانيا بمعدل يقرب من معدل النمو المرتقب في الولايات المتحدة والبالغ 2,7 في المئة سنة 2014 يعود في المقام الاول الى انها اختارت البقاء خارج منطقة الاورو المتعثرة اليوم، كما يعود الى اقبال المستثمرين على الاستثمار في العقار في بريطانيا، واقبال الصين على التزام المساهمة بنسبة ملحوظة في بناء مفاعل نووي لانتاج الكهرباء في بريطانيا واعتماد لندن مركزاً مالياً لتحقيق استثماراتها في أوروبا الغربية، واستعادة دورها كأهم مركز مالي عالمي متجاوزة نيويورك وجنيف.
الفرنسيون الذين يعانون ازمة اقتصادية مالية خانقة، تتوافر لدى بعض شركاتهم مثل شركة كهرباء فرنسا أموال ملحوظة. والفرنسيون يعتمدون على المفاعلات النووية لانتاج الكهرباء أكثر من أي دولة في العالم، ولم يواجهوا حوادث بارزة منذ عشرات السنين وقد تعاقدت شركة كهرباء فرنسا على انجاز مفاعلين نوويين في بريطانيا تبلغ تكاليف انجازهما التقديرية 19 مليار أورو.
في خضم المناخ التفاؤلي الجديد للاقتصاد العالمي المستند الى الامكانات الاميركية ومجالات التعجيل في النمو في الصين، نشهد تحركاً اميركياً نحو الصين على صعيد تشجيع انتاج الغاز من صخور الطفال. فالدراسات الجيولوجية تشير الى توافر كميات من هذا الغاز في الصين تفوق ما هو متوافر في الولايات المتحدة. ولدى الصين أكبر برنامج في العالم لزيادة انتاج الطاقة الكهربائية. ان انتاج الغاز في الصين واستعماله بديلاً عن الفحم الحجري الذي يستعمل بكثافة حاليا يساهمان في تخفيف تلوث المناخ وتحقيق التزام خفض نسب التلوث عالمياً.
وانتاج غاز الطفال في الصين يحتاج الى سنوات، لكن الاميركيين يؤكدون للصينيين تطويرهم تقنيات هذا الغاز في الولايات المتحدة، كما انتاج كميات ملحوظة من النفط، عن سبيل اعتماد تقنيات أميركية متقدمة، من شأنه ان يعجل في تحول الصين نحو الاعتماد على مواردها الغازية من الطاقة.
الاميركيون حققوا اكتفاء ذاتياً من انتاج الغاز للاستهلاك المحلي، كما رفعوا الكميات المنتجة من غاز البوتان الذي يستعمل في المنازل والذي يمكن استعماله لتسيير السيارات، كما حققوا اكتفاء ذاتياً من موارد الطاقة سنة 2013 بنسبة 86 في المئة وقد شارف انتاجهم من النفط على مستوى 8 ملايين برميل يومياً. وتفيد دراساتهم انهم يحققون اكتفاء ذاتياً بنسبة 100 في المئة قبل نهاية سنة 2016.
يرغب الاميركيون في زيادة صادراتهم من غاز البوتان سنة 2014، فلديهم فائض يجعل امكاناتهم تفوق قدرة أي بلد آخر، وفي الوقت ذاته يأملون في احتلال المركز الاول في تصدير الغاز الطبيعي السائل سنة 2017، أي ان يتجاوزوا صادرات قطر ونروج ونيجيريا في ذلك التاريخ.
موقع الولايات المتحدة تجاه اسواق الشرق الاقصى وبصورة خاصة الصين واليابان حيث استهلاك الغاز ضخم، يتعزز بانتهاء اعمال توسيع قناة بناما التي تربط سواحل الولايات المتحدة على المحيط الاطلسي والمحيط الهادىء. واعمال التوسيع تنتهي سنة 2015 فتصير مسافة الابحار من الولايات المتحدة الى الصين واليابان مساوية لمسافة النقل من الخليج العربي ونيجيريا الى تلك البلدان، وتاليا يستطيع الاميركيون منافسة دول الخليج في تسليمات الغاز في انتظار زيادة انتاج غاز الطفال في الصين، كما منافسة تسليمات الغاز التي اتفق عليها بين روسيا والصين والتي بدأ العمل على انجاز خطوط تسليمها من روسيا الى الصين، وهذا العقد انجز حديثاً.
الصين كحليف سياسي اقتصادي استراتيجي باتت الهدف الاساسي للولايات المتحدة، وان هي انجزت اتفاقات على الشكل المشار اليه اعلاه، تستطيع التحكم من جديد باسعار الطاقة في العالم. لا شك في ان الولايات المتحدة تهدف الى خفض مداخيل روسيا من النفط والغاز، وهذا هدف استراتيجي آخر علماً بان تحقيق ذلك سيصيب قطر والسعودية – التي تصدر كميات ملحوظة من غاز البوتان – باضرار مالية واقتصادية.
أخيراً، تجدر الاشارة، التي أوردناها سابقاً منذ شهر ايلول 2011، الى ان الولايات المتحدة حققت معدل نمو أفضل من الدول الصناعية بسبب منافع توافر الغاز على مستوى سعر لا يعلو عن نسبة 30 في المئة من الاسعار التي يواجهها الاوروبيون واليابانيون، واكتسبت الولايات المتحدة ميزات تنافسية في صناعة الحديد والصلب والسيارات والكيماويات والاسمدة واستوعبت صناعات الغاز الجديدة وانتاج النفط من صخور الطفال 1,9 مليون عامل منهم نسبة مرتفعة من الفنيين.
اذا نجحت الولايات المتحدة بحلول اوائل سنة 2014 في اعتماد نظم جديدة مقنعة لمعالجة مستوجبات تحضير الموازنة وحققت ارتفاعاً في معدل نموها وخصوصا عبر اتفاقات مع الصين، ربما شهدنا قبل نهاية 2014 ارتفاعاً لسعر صرف الدولار.