الصين والعرب… ملامح الصورة المتبادلة في إطار الديبلوماسية الثقافية
موقع صحيفة الحياة الالكتروني:
بكين – محمد علي فرحات:
ندوة «الإعلام الصيني الموجه للعالم العربي» في كلية اللغة العربية في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، هي واحدة من مساعي الصين لموازاة دورها الإعلامي (وبالتالي السياسي) مع الدور الاقتصادي الوازن في العالم العربي، فبكين أبرز مستوردي النفط العربي وأبرز المصدرين إلى الدول العربية.
حضر الندوة دارسون صينيون وعاملون عرب في الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي وضيوف من عواصم عربية، وأدارها عميد كلية اللغة العربية شوي تشينغ قوه (بسام). وافتتحها نائب رئيس الجامعة الذي قال إن معظم الديبلوماسيين الصينيين في العالم العربي هم من خريجي الكلية. وتحدث مندوب وزارة الخارجية عن تاريخ العلاقة بين الصين والعرب بدءاً من طريق الحرير إلى المشاركة في حركات التحرر الوطني في أواسط القرن العشرين، وأشار إلى علاقات استراتيجية مع مصر والجزائر والسعودية والإمارات وصولاً إلى آلية حوار مع دول مجلس التعاون، كون الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية وأن 10 دول عربية تعتبر مقصداً للسياح الصينيين.
وحدد سياسة الصين تجاه العرب بأنها دعم لقضاياهم العادلة وأبرزها استعادة الحقوق الفلسطينية وتأسيس دولة مستقلة عاصمتها القدس وفق مبدأ الأرض مقابل السلام. وأشار إلى أن سياسة الصين قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، واعتبر الثقة قائمة مع العرب على رغم الأحداث الحالية، خصوصاً في سورية، فالشعوب العربية تملك قرارها والتدخل الخارجي لا جدوى منه.
الإعلامي العراقي باسم السامرائي (الفضائية الصينية CCTV بالعربية) أثنى على الإعلاميين الصينيين الناطقين بالعربية الذين يخوضون تنافساً شرساً بين ألف فضائية تسبح في العالم العربي، لكنه انتقد النزعة المركزية في إدارة القناة الصينية. وتناول ووتشونغ مين (وكالة شينخوا) إنجازات الوكالة عربياً وتأسيسها مكتباً إقليمياً في القاهرة و18 فرعاً في العالم العربي، وقال إن التقارير الموجهة للخارج تختلف عن التقارير الإيجابية الداخلية التي تقدم عادة أبطالاً نموذجيين، وذكر أن الوكالة تترجم إلى العربية مجلة «القوات المسلحة الصينية». وتناول عزت شحرور مراسل قناة الجزيرة في بكين ثقافة الصورة التي رآها متخلفة لدى الجانبين العربي والصيني، ودعا إلى الخروج من الصورة النمطية إلى صورة الواقع المتغيرة. وقال جيا بونغ (نائب رئيس CCTV) إن ساعات بث القناة الصينية بالعربية ارتفعت، وإن المسلسلات الصينية سائرة إلى الدبلجة بدل الترجمة. وأشاد زميله محمود البوشي بالصورة التي يبثها التلفزيون الصيني، ودعا إلى زيادة عدد العرب العاملين في هذا التلفزيون للوصول إلى أوسع قاعدة مشاهدة، وأكد زميله ليو شينلو زيادة في معدل زائري موقع الإذاعة والتلفزيون الصينيين 18 في المئة خلال السنة الأخيرة. أما الزميل الآخر هوكاي فقارن بين إذاعتي الصين ومونت كارلو العربيتين داعياً إلى مزيد من الاعتماد على مذيعين ومذيعات لغتهم الأم هي العربية من أجل تواصل أفضل مع المستمعين، وتحدث بالتفصيل عن الإخراج والتصميم الموسيقي للبرامج.
ودار كلام في الندوة على أن أفضل وسيلة للتعرف على الصين هي الأفلام والمسلسلات المدبلجة، وضرورة تحسين صورة المنتج الصيني في الإعلام، فمن يعرف مثلاً أن في الصين أسرع قطار في العالم، وأنها بنت فندقاً كبيراً في مدة قياسية (15 يوماً).
وفي محور «صورة الصين في الإعلام العربي» تحدث قو تشنلونغ عن سلبيات تعليقات عربية تضخم أحداث شمال غربي الصين وتدعو إلى مقاطعتها بسبب موقفها في مجلس الأمن من الحدث السوري. واعتبر معرفة السلبيات ضرورية لتوضيح صورة الصين سياسياً وإنسانياً، وتحدث شوي تشينغ قوة عن مقالات سلبية بينها اعتبار الشيخ يوسف القرضاوي إيران وروسيا والصين أعداء وطلبه من الحجاج الدعاء عليها، لكنه أشار إلى كتّاب أنصفوا الصين بينهم عادل الطريفي الذي قال إن الصين لا تكترث بالأسد لكنها لا تريد للغرب أن يقرر مصائر حكومات ودول، وقال إن الانتقادات العربية للصين تراجعت بعد تفاقم الأزمة السورية، وإن الصداقة بين الطرفين تاريخية وقادرة على الصمود أمام المشاكل العابرة، لكنه دعا إلى اهتمام صيني بآراء الشارع العربي ومواصلة الموقف المبدئي من القضية الفلسطينية لأنها بوصلة العرب للتفريق بين الصديق والعدو، وفي الإطار السياسي تحدث مسعود ضاهر عن التنبه الروسي والصيني إلى مسار الربيع العربي بعد انهيار ليبيا، والتخوف من هيمنة أوروبية أميركية على المنطقة. وتحدث عن سيناريوات إيجابية وسلبية، أخطرها حرب روسية أميركية على الأرض السورية بالواسطة.
ورأت لي تشنهوا إيجابية ومهنية في تغطية قناة «العربية» للحدث الصيني، وعرضت وي تشيرون نتائج استطلاع عن الصين في عيون السودانيين التي تشير إلى فقر في المعلومات، لكنها لاحظت أن الشباب أكثر معرفة من كبار السن. ولاحظت تشانغ جينغشو إيجابية ومهنية في معظم التغطيات العربية للتفجير في ساحة تيان آن من.
أما التعاون الإعلامي – الصيني العربي فكان موضوع كلمات محمد علي فرحات الذي رأى أن العرب المأزومين لا يستطيعون الانفتاح بسرعة على أمة صاعدة مثل الصين فالأمر يتطلب وقتاً وجهداً بلا حساب، وتساو يي التي لاحظت مواكبة الإعلام الصيني الحدث العربي والاستناد إلى تزايد تأثير الصين عالمياً واتساع قاعدة مستخدمي الإنترنت العرب الذين يستقبلون الإعلام الصيني، وأيمن القاضي (وكالة أنباء الشرق الأوسط) الذي أشار إلى أجندات إعلامية لا مفر منها، وتشن جيه الذي دعا إلى إدخال الثقافة الصينية إلى العالم العربي كقوة ناعمة عبر الترجمة ورسل الثقافة وإنشاء مزيد من المراكز الثقافية الصينية في العالم العربي، ومن ذلك زيادة عدد معاهد كونفوشيوس (عددها 11 في العالم العربي).
وجعفر كرار الذي انتقد المركزية في الإعلام الصيني واعتبرها أبرز معوقات انتشاره ودعا إلى إشراك خبراء عرب في استراتيجيات هذا الإعلام، وتشانغ يان الذي رأى أن وسائل الإعلام الجديدة تتجاوز التقليدية لكن هذه الأخيرة لا تزال تتمتع بصدقية أكثر، ودعا إلى توطين الإعلام وعدم دمجه بالدعاية، وتشانغ رونغ التي تحدثت عن التعاون الصيني – السعودي في مجال الإعلام وقالت إن التبادل بدأ في ثمانينات القرن الماضي وتمثل في دعوة السعودية صحافيين ومثقفين صينيين للاشتراك في مناسباتها الوطنية ومهرجاناتها الثقافية، وأشارت إلى إنشاء فرع لوكالة شينخوا في الرياض وإلى اتفاقية تعاون في مجال الإعلام عام 1999، وكذلك التعاون الإعلامي في إطار منتدى التعاون الصيني – العربي، وخوا جيوان الذي دعا الى تعاون الصين مع قنوات أخبارية تتوافق مع نهجها، واعتبر هذه القنوات منبراً من منابر الديبلوماسية العامة، وتشن جينغ التي أنهت الندوة بتفصيل عن النشر الصيني بالعربية ومنه مجلة «الصين اليوم» التي تصدر من مصر وتوزع في 22 دولة.
* * *
الإعلام الصيني الموجه إلى العالم العربي يحتاج إلى وقت مديد ليحقق مبتغاه، ويتم ذلك بالضرورة عبر أمرين آخرين.
الأول هو نشيط الإعلام العربي الموجه إلى الصين، أي حضور صورة العربي الحديثة بموضوعية لدى النخب الصينية والقاعدة المتعلمة في البلد الكبير الناهض، وهي صورة قلقة ناتجة من الفترة الحرجة التي يمر بها العرب في بحثهم عن استقرار الدولة الحديثة وشيء من الاستقلال، وذلك في عالم يزداد تشابكاً ويكاد يمسح معالم الهويات الضعيفة.
من هنا يتوجب على الصين مساعدة الطرف الآخر في بلورة صورته وحضور هذه الصورة الثقافية لدى المتلقي الصيني كطرف ثان في عملية التبادل.
والأمر الثاني هو أن الإعلام الصيني بدأ يتعزز عقب اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 ودعوتها إلى بناء حضور ثقافي فاعل، ما يعني منافسة الحضور الثقافي الغربي في ما كان يسمى سابقاً العالم الثالث، وبذلك تسير الصين على خطى دول كبرى سبقتها في ما يمكن تسميته «الديبلوماسية الثقافية».