أفريقيا والطريق الصيني
صحيفة الشروق المصرية:
كتب موريتى موتيجا، مدير تحرير فى مجموعة «إعلام الأمة» فى كينيا، مقالا نشر على موقع جريدة نيويورك تايمز تحدث خلاله عن دور الصين المرتقب فى القارة الأفريقية، وما إذا كان ينبغى على الدول الأفريقية أن تحذو حذوها فى التقدم الاقتصادى، ويشير إلى جدلية العلاقة بين الاستبداد والتقدم الاقتصادى.
بدأ الكاتب مقاله بأسطورة كينية تقول إن المتنبئة سيوكى ماو، فى أوائل القرن التاسع عشر، أخبرت شعبها عن «ثعبان طويل ضيق، ينفث النار» سوف يتخذ طريقه من الساحل الأفريقى الشرقى، جالبا معه «أناس حمرًا» سوف يسلبون أرضهم. وكانت محقة، فقد كان الطريق البالغ طوله ألف كيلو متر، تمتد من ميناء مومباسا الكينى إلى أوغندا، يمثل المشروع الأكثر طموحا لبريطانيا فى أفريقيا جنوب الصحراء. وقد تعطل بناء السكك الحديدية الشهيرة، التى بدأت عام 1895. وفى غضون السنوات الخمس اللاحقة، تم استكمال خط السكة الحديد وفتح الطريق للهيمنة البريطانية فى المنطقة.
وعن انتقال الهيمنة من بريطانيا إلى الصين، يقول موتيجا: «صار الصينيون هم اللعبة الجديدة فى المدينة. وقد وقعت بكين على اتفاقات بشأن مشروعات السكك الحديدية فى جميع أنحاء القارة ــ من أنجولا فى الجنوب، وإثيوبيا فى الشرق ونيجيريا فى الغرب، تبشر بطفرة توسعة البنية التحتية على نطاق لم يسبق له مثيل فى أفريقيا».
•••
وينتقل موتيجا إلى الحديث عن افتتاح أكبر مشروع فى تاريخ المنطقة فى 28 نوفمبر، باجتماع رؤساء أربع دول أفريقية فى مومباسا؛ خط سكك حديدية قياسى بقيمة 13.8 مليار دولار، يتوقع أن يصل بين خمس دول فى شرق أفريقيا، ويحل محل الخط الذى بناه البريطانيون. لا شك أن شبكات السكك الحديدية الضخمة، وكلها تقريبا تؤدى إلى البحر، ستعزز صورة الصين المتعطشة للموارد، الحريصة على انتزاع أكبر قدر ممكن من القارة.
وفى زامبيا، يونيو 2011، نبهت هيلارى كلينتون، وكانت وقتها وزيرة الخارجية الأمريكية، أثناء مقابلة صحفية، الأفارقة إلى أن يحذروا من القوى الاستعمارية، التى تأتى، لتنهب الموارد الطبيعية، وتشترى الحكام، ثم ترحل. ولكن هذا التركيز على شهية الصين للمواد الخام، يغفل تحديا أكثر دهاء.
•••
ويشير موتيجا إلى أن الحديث قد كثر، فى العشرين عاما التى أعقبت نهاية الحرب الباردة، عن السوق الحرة والديمقراطية التعددية، كنموذج مثالى للحكم. ولكن الآن، وبالنظر إلى المثال الذى ضربته الاقتصادات سريعة النمو فى آسيا مثل الصين وسنغافورة وماليزيا ــ وكلها حققت نموا هائلا فى ظل حكومات استبدادية حداثية ــ ظهرت مجموعة من القادة الأفارقة تعلن صراحة عن إعجابها بهذا النمط من أنماط الحكم.
ربما كان ملس زيناوى، الزعيم الإثيوبى، أكثر من دعا بصراحة إلى النظام الذى يولى التقدم الاقتصادى أولوية على الديمقراطية.
ويتحدث الآن الزعماء الأفارقة الآخرون، من بول كاجامى رئيس رواندا إلى على بونجو فى الجابون، بطريقة مماثلة. غير أن الجاذبية المتزايدة لنموذج الدولة الصينية لم يلقَ الاهتمام الكافى فى الغرب. وفى حديث للخبيرة الاقتصادية الزامبية دامبيسا مويو، نبهت القوى الغربية، إلى ضرورة الاهتمام بالإعجاب المتزايد بالمعجزة الاقتصادية الصينية.
وأضافت، مشيرة إلى نجاح الصين فى انتشال ملايين المواطنين من الفقر: «ليس فى الاقتصاد فحسب، ولكن بمفهوم مستويات المعيشة. ونحن نرى أن 28 فى المائة من الشعب الصينى، كان لديهم فرصة الالتحاق بالمدارس الثانوية. واليوم تقترب النسبة من 82 فى المائة».
ولعل هذه الأرقام تثير الإعجاب، ولكن فكرة ضرورة أن تسير أفريقيا على خطى الصين، لم تقنع الجميع. فالبلدان الأخرى، لا سيما بوتسوانا وموريشيوس، أثبتت أن التقدم الاقتصادى لا يأتى بالضرورة بصحبة الحكم الاستبدادى.
وربما تكون كينيا أكثر بلد يلخص صراع الأفكار بصورة واضحة، فهى المركز التجارى ومركز المواصلات فى شرق أفريقيا، ومن الدول الأكثر انفتاحا على القارة. غير أن رئيس كينيا الجديد، اوهورو كينياتا، الذى يعتبر الصين الحليف الأهم، لديه مسحة استبدادية واضحة.
وكثيرا ما يجرى تذكير الأفارقة أن ماليزيا وسنغافورة قبل 40 عاما، كان لديهما تقريبا نفس الناتج المحلى الإجمالى فى كينيا وغانا اليوم. وفى كثير من الأحيان لا يلاحظ أن المعجزة الاقتصادية الآسيوية تحققت فى ظل حكام مستبدين بكل معنى. وتقول الحجة المضادة إن الأفارقة لن يضمنوا النمو الاقتصادى العادل إلا بإحلال الضوابط والتوازنات التى توفرها النظم الديمقراطية، محل الحكام اللصوص.
•••
يختتم الكاتب مقاله بتساؤل مفتوح: هل يكون هذا القرن، قرن الصين؟ يصعب العثور على الإجابة من إعلان أرقام التجارة أو قياس طول خطوط السكك الحديدية. وربما كانت المتنبئة العظيمة سيو كى ماو، محقة بشأن السكك الحديدية القادمة، عندما تنبأت بأن الثعبان النافث للنار، سيكون ذيله فى المحيط الهندى ورأسه فى بحيرة فيكتوريا، ولكنها للأسف، لم تقل شيئا عن الكيفية التى ستدور بها معركة الأفكار.