صعود قوة الصين الخشنة
صحيفة الاتحاد الإماراتية:
حسن ولد المختار:
لقد رسخت الصين خلال الفترة الأخيرة انطباعاً عاماً لدى المراقبين الغربيين مؤداه أن سقف تطلعاتها الاستراتيجية يزداد ارتفاعاً باستمرار، ولكنها سعت أيضاً في الوقت نفسه إلى التأكيد على سلمية سياساتها وتطلعاتها. وقد وجهت مؤخراً على لسان رئيسها رسالة «شي جينبينج» رسالة واضحة إلى الدول التي تحاول عبور الخطوط الحمراء التي وضعتها بكين. فعندما يتعلق الأمر بمتطلباتها الدفاعية الحيوية، كما بالنسبة لأهداف صعود وانبعاث الأمة الصينية، فقد تلقى الجيش الصيني أوامر بأن يكون «جاهزاً للمعركة» تماماً. ولذا فإن احتمال نشوب حرب عارمة في منطقة بحر الصين يبدو اليوم مطروحاً، ويعتبر بكل المقاييس، تهديداً جدياً للاستقرار والسلام في تلك المنطقة، وخاصة مع استمرار النزاع المحتدم هناك بين بكين وطوكيو حول جزر «دياويو- سينكاكو»، التي ترفض كلتا العاصمتين التزحزح عن المطالبة بها، واعتبارها امتداداً لحوزتها الترابية. وعلى خلفية هذا النزاع تتحدى العاصمتان بعضهما بعضاً من خلال استعراض القوة وحشد الطائرات المقاتلة والسفن الحربية من كلا الجانبين. ولكن هل سيؤدي صعود الصين العسكري الصاخب إلى تغيير موازين القوى، في النهاية، على صعيد عالمي، وبشكل لا رجعة فيه؟
هذا ما يثيره الكاتب والأكاديمي الفرنسي بيير بيكار في كتابه الصادر مؤخراً تحت عنوان: «الصين: تهديد عسكري؟»، محاولاً فيه وصف واقع العسكرة الصينية الحثيثة، واستشراف مآلات هذا الجنوح نحو اكتساب المزيد من القوة الخشنة، إلى جانب تكاثف قوة العملاق الآسيوي المرنة، واقتصاده الهائل، وقصة صعوده في مختلف المجالات الأخرى، مما تتطلع القوى العظمى عادة لاكتسابه من أوجه القوة، وأسباب التفوق على غيرها. ولا أدل على ذلك من توقع بلوغ حجم الميزانية الدفاعية الصينية في سنة 2015 إلى 180 مليار «يورو»، واستمرار الجيش الصيني في مسيرته الصامتة نحو صدارة جيوش العالم، مدعوماً في ذلك برافعة اقتصادية صلبة وصعبة، ولا تكاد تنافس. ولذا يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين الغربيين بأن قوة الجيش الصيني أكبر بكثير مما هو ظاهر ومعلن.
ويرى الكاتب أن بكين كلما زادت من تسلحها كلما زاد شعور «البنتاجون» بالقلق. ولذا نرى كيف وجه الرئيس الأميركي 60 في المئة من بحريته إلى آسيا. وقبل ذلك بدأ الصراع الصامت بين الطرفين من خلال تكثيف الهجمات الرقمية وأعمال القرصنة والمراقبة الإلكترونية، على نحو ما كشفت جوانب من ذلك مؤخراً تسريبات المتعاون السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي أدوارد سنودن. ومن المعروف أن الصين لم تكن في السابق مصنفة على أنها تشكل تهديداً عسكرياً عارماً للغرب. ولم تكن بكين عادة ترفع قفاز التحدي، وإنما كانت دائماً ما تظهر الرغبة في التعاون والدخول في شراكات عالمية وخاصة في المهمات الدولية التي ترسل إليها آلافاً من القبعات الزرقاء ضمن قوات حفظ السلام الدولية. وكانت دائماً ما ترفع شعار التنمية السلمية. ولكن هل ما زال ذلك النوع من الخطاب سارياً الآن، بعد كل هذه المياه التي جرت تحت الجسر خلال السنوات الأخيرة، وبعد تعاظم قوتيها المرنة والخشنة معاً، بشكل غير مسبوق؟ فمع ميزانية عسكرية ما فتئت تتصاعد بات الجيش الصيني يمتلك اليوم من الوسائل التقنية العالية قوة هائلة بما في ذلك وسائل تقنية عالية وأسلحة مدمرة كالصواريخ النووية، كما لوحظت أجسام طائرة غريبة صورت في السماء يفترض أن تكون وسائل أو تقنيات عسكرية متقدمة.
وفي المجمل يسلط هذا الكتاب الضوء على رهانات الصين الاستراتيجية الحالية والمستقبلية، مع محاولة استشراف ردود الفعل الغربية عليها، منافسة أو تعاوناً، أو احتواءً، أو حتى صراعاً، خلال السنوات والعقود المقبلة. ويحسب لكتاب بيكار عموماً طابعه التحليلي في النظر إلى قوة الصين من زوايا نظر متعددة، مع وضع المنافسين العالميين الآخرين كرقم مؤثر ومتأثر لا يمكن إغفاله ضمن مفردات المعالة الصينية. كما يوفر الكتاب أيضاً كثيراً من المعلومات والمعطيات والأرقام عن الصين وقوتها العسكرية، والاقتصادية، والفضائية، وقدراتها العملياتية. كما يحلل أهداف بكين في المديين القريب والبعيد، وتفاعلاتها مع بقية القوى الأخرى الكبرى في المشهد الدولي. كما يفرد مساحة للحديث عن سياستها الدفاعية فيما يتعلق بأمن المعلومات خاصة، وتطلعاتها أيضاً لإيجاد مواطئ قدم لها في مختلف أنحاء العالم.