الصين: ولاية جينبينغ تبدأ.. وتلوث الهواء يبلغ أرقاماً قياسية
صحيفة المستقبل اللبنانية:
حمل العام 2013 الى الصين تغييراً شكلياً في طاقم الادارة السياسية للبلاد دائما في كنف الحزب الشيوعي المطبق على زمام السلطة منذ عقود. وتمكنت بكين هذا العام من تثبيت اقدامها اكثر فأكثر على الصعيد العالمي كدولة عظمى تهابها الدول وهي مستمرة في السير باتجاه الهيمنة ليس على الاقتصاد العالمي فحسب بل ايضا على الملفات السياسية العالمية. في السياسة الخارجية قدمت الصين نفسها مجددا كلاعب معتدل لا يحاول فرض رؤياه السياسيين على البلدان الاخرى وحافظت على موقف متوزان نوعا من الملف النووي الايراني خلال المفاوضات الدولية الجارية بِشأنه فيما استمرت بالتلطي وراء موقف موسكو في خصوص الازمة السورية مشددة على ان مستقبل سوريا يرسمه السوريون انفسهم وليس العالم. الا ان العملاق الشرقي لم ينأ بنفسه عن شتى الامور الخارجية فقد كشر عن انيابه عند النقاط الجيوسياسية التي تقترب من امبراطوريته جغرافيا وفي هذا السياق استعر الخلاف على الجزر المتنازع عليها مع اليابان واظهرت بكين لواشنطن عدم خوفها منها اطلاقا. ومع البأس الشديد الظاهر على الصين الا ان هناك ما يضايقها في عقر دارها مع عودة الاقليات الاسلامية الاويغور الى اثارة بعض المشاكل الداخلية التي لا تزال تسبب خروقات امنية مقلقة لبكين، هذا دون اغفال المبالغ الطائلة التي ستضطر الصين الى تخصيصها لأزمتها البيئية حيث بلغت نسبة التلوث في هوائها ارقاما غير مسبوقة.
داخلياً
شهدت الصين في 2013 عملية نقل كرسي الرئاسة من هيو جينتاو الى الرئيس الجديد كزي جينبينغ تحت مظلة الحزب الشيوعي الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد. كما شهدت احدى اكبر المحاكمات السياسية في تاريخها المعاصر حيث حكم القضاء الصيني على السياسي البارز بو كزيلاي بالسجن مدى الحياة بعد ثبوت التهم الموجهة اليه في قضايا فساد ورشاوى واستغلال للسلطة في خطوة اعتبرت عالميا اعلانا من الحزب الشيوعي الصيني انه سيتعامل بحزم مع الفساد المستشري الى حد كبير بين صفوفه.
وفي ما يمكن ان يطلق عليه اسم “اضطرابات داخلية نادرة”، استمر السجال كما في الاعوام الماضية مع كل من الانفصاليين التيبت والمسلمين الاويغور.
فزجت السلطات في كانون الثاني احد الرهبان التيبتيين هو وابن اخيه في السجن لمدة اقلها 10 سنوات بعدما اصدرت عليهما حكم اعدام مع وقف التنفيذ بتهمة تحريض 8 تيبتيين آخرين على احراق انفسهم حتى الموت. وقد اثارت المحاكمة زوبعة لدى وجهاء اقليم التيبت حيث اعلن نشطاء حقوق الانسان ان الحكم صدر بحق المتهمين بعد اخذ اعترافاتهم عنوة. وفي آب حكم على شابين مسلمين من الاويغور بالاعدام بسبب دورهما على حد زعم الشرطة الصينية في اشتباكات دارت في مدينة كزينجيانغ وادت الى مقتل 21 شخصا. الا ان ابرز الاحداث الامنية الذي سجل داخليا في العام 2013 كان عملية ارهابية قام بها ثلاثة اشخاص على متن سيارة رباعية الدفع في ميدان تيانانمان وسط العاصمة بكين في خرق امني خطير وادى انفجار السيارة واشتعالها الى مقتل الانتحاريين الثلاثة وشخصين صادف وجودهما في المكان. ونسبت السلطات العملية الى الانفصاليين الاويغور لكن بعض نشطاء حقوق الانسان لم يصدقوا الرواية الرسمية والمحوا الى امكانية اقدام النظام على تصفية احد خصومه.
وتسلم الرئيس الجديد كزي جينبينغ مقاليد الحكم في آذار في اطار عملية تسليم السلطة بشكل دوري في الصين مرة في كل عقد من الزمن، واطلق حملة ضد الفساد كان ابرز رأس اطاحت به هو السياسي البارز بو كزيلاي الذي حكم عليه في ايلول بالسجن المؤبد عقابا له على قضايا الفساد والرشوة التي ثبتت ضده. واعلن الرئيس الجديد في تشرين الثاني مشروع عمل حكومي لتخفيف سياسة “الولد الواحد لكل عائلة” التي اعتمدتها السلطات الصينية منذ عام 1979 بغية التصدي للكثافة السكانية.
الا ان ابرز التحديات التي ظهرت للنظام الصيني بشكل نافر في 2013 كانت نسبة التلوث المرتفعة جدا التي بلغت ارقاما قياسية هذه السنة تجاوزت كل المعدلات المسجلة خلال الـ52 عاما الماضية. وبعد دراسة علمية معمقة وجدت الادارة الصينية نفسها تواجه ميزانية مهولة في حال ارادت تنقية هواء البلاد واعلنت وزارة البيئة في كانون الاول ان الصين ستكون بحاجة لتخصيص ميزانية قدرها 176 مليار دولار اميركي من اجل تنقية الهواء من التلوث بشكل تدريجي بين 2014 و2017.
خارجياً
استمر نجم العملاق الصيني في الصعود في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية خلال العام 2013. واعتمدت بكين نهجي الانفتاح والحياد الى حد ما في الملفات الدولية البعيدة عنها جغرافيا بينما كشر التنين الصيني عن انيابه في وجه القضايا القريبة منه جغرافيا، وابرز احداث السنة كان اشتداد حال التوتر بين الصين واليابان على خلفية مجموعة جزر سنكاكو المتنازع عليها ولم يتوقف عرض العضلات بين بكين وواشنطن الداعمة لطوكيو بخصوص ملكية تلك الجزر طوال العام.
وعادت قصة الجزر بقوة في شباط عندما اعلن رئيس الوزراء الياباني تشيزو آبي ان قيام فرقاطة صينية بوضع سفينة تابعة للاسطول الحربي الياباني تحت رادارها هو تصرف خطير يمكن ان يؤدي الى اوضاع غير متوقعة. فردت الصين مبررة مضايقاتها للسفن اليابانية بأن على اليابان وقف تحركاتها غير المشروعة في محيط الجزر المتنازع علي ملكيتها بين البلدين اصافة الى تايوان.
ولجزر سنكاكو الراقدة في المحيط الهادئ تاريخ حافل بالصراعات وانتقال الملكية بين بلدان كبرى، إلا أن عودة الصين بقوة أخيراً للمطالبة بحقها في هذه الجزر والتوقيت الذي اختارته لذلك يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الدوافع. فالجزر رسمياً اليوم تحت سيطرة اليابان لكن الصين على ما يبدو مستعدة لخوض حرب لاستعادتها استناداً الى إثباتات تؤكد أن الصينيين هم أول من اكتشف الجزر واستعمرها في القرن الرابع عشر.
وبحسب المراقبين والمؤرخين الدوليين، هناك سببان يقفان وراء الاستيقاظ الصيني المفاجئ هما أولاً ترجيح وجود حقول نفط وغاز في محيط سنكاكو، وثانياً أن النظام الشيوعي في الصين يحاول جاهداً إرضاء نقمة شعبه الذي يعاني من تزايد الفوارق الطبقية وانحسار الخدمات الاجتماعية المتساوية للجميع، لذا تحاشياً لتكرار انتفاضة تيانانمان (التي قمع بها النظام العام 1989 بوحشية معارضيه مرتكباً مجزرة أوقعت أكثر من 2500 قتيل و7000 جريح)، فقد ارتأت الإدارة الصينية تحويل مشاعر الغضب لدى الشارع من النقمة على الحالة الداخلية في الصين الى مشاعر قومية وطنية مستعدة لخوض غمار حرب جديدة مع اليابانيين.
وفي سياق العلاقات مع جارتها كوريا الشمالية فقدت الصين في كانون الاول رجلها الاول في هيكلية النظام الكوري الشمالي يانغ سونغ تايك، ما افقدها اي قدرة على السيطرة او حتى التكهن بالخطوات المقابلة للديكتاتور الكوري الشمالي الشاب كيم جونغ اون. وهذا الواقع يولد قلقا بالغا لدى الغرب بعد اقدام اون على اعدام عمه تايك في كانون الاول.
وتوقع تقرير عام 2013 للاستخبارات الاميركية ان تكون الصين خلال العقد المقبل قادرة على تطوير صواريخ بالستية تطلق من غواصات لضرب الاراضي الاميركية من المياه الاقليمية الصينية. واوضح التقرير ان عدد الصواريخ النووية الصينية القادرة على بلوغ اهداف في الولايات المتحدة قد يتجاوز المئة صاروخ خلال الـ15 سنة المقبلة. كما افاد التقرير بان الترسانة النووية الصينية ستحتوي قريبا الصاروخ البالستي جي ال 2 الذي يمكن اطلاقه عبر الغواصات ويصل مداه الى 4500 ميل.
وبرغم الزيادات العسكرية الصينية بشكل مستمر كل عام والتي تراوح بين 200 و300 مليار دولار اميركي لموازنة العام 2013 ، الا ان الموازنة الاميركية تبقى الاضخم في العالم وهي تقدر بضعف هذا المبلغ اي نحو 500 مليار دولار سنويا. وقد وعدت واشنطن حلفاءها في الشرق الاقصى مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان بأنها ستساعدهم على اعادة التوازن العسكري بينهم وبين الصين وكوريا الشمالية.
وفي الملفات الدولية الابعد عنها جغرافيا التزمت الصين سياسة الحياد في اغلب الملفات كالنووي الايراني فهي تبنت كسواها من الدول الكبرى الاتفاق الذي تم ابرامه مع ايران في تشرين الثاني وهي كغيرها تشدد على التزام ايران بتنفيذ ما وعدت به. لكن بكين بقيت ملتزمة بالموقف الروسي حيال الازمة السورية بما يؤكد حلفها الاستراتيجي الثابت مع ادارة فلاديمير بوتين. ولم تغير الصين موقفها من الازمة السورية مع تغير رئيس البلاد ومع نهاية 2013 لخصت الخارجية الصينية موقفها من احداث سوريا بالفقرة التالية “يشارك خبراء صينيون في اعمال منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيميائية والاسهام في تدمير الترسانة الكيميائية السورية. بالنسبة لجنيف نحن ندعم عقد هذا المؤتمر في وقت قريب ونشدد على ان لا بديل في سوريا عن الحل السياسي. حتى الآن الوضع ميدانيا سيئ والشعب السوري حرم من السلام والامن، ولكننا نؤمن بأن الاطراف ستجلس في نهاية المطاف على الطاولة نفسها لإيجاد حل سياسي. ومن واجب الاسرة الدولية بما فيها الصين الاسهام في الظروف والاجواء المناسبة لولادة هذا الحل السياسي..