هل تحجّم أميركا قوةَ الصين التصديرية؟
صحيفة الاتحاد الإماراتية ـ
آندرو هيجينز دونجوا – الصين:
ليس صحيحاً أن القوة التصديرية للصين لا يمكن وقفها، وما على المرء إلا أن يسأل لورانس ين، رئيس شركة “وودوورث وودن إنداستريز”. فمصنعه بهذه المدينة الواقعة جنوب الصين كان يصدّر في الماضي حوالي 400 حاوية من أثاث غرف النوم إلى الولايات المتحدة كل شهر. أما اليوم، فقد أضحى يرسل 60 حاوية فقط.
والواقع أن ذلك بالضبط هو ما كان منافسو “ين” الأميركيون يأملون حدوثه عندما فرضت وزارة التجارة الأميركية، في يناير 2005، تعريفات جمركية على الواردات من الأسرّة والمناضد وغيرها من قطع الأثاث المشابهة. غير أن ما حدث بعد ذلك لم يكن جزءاً من المخطط؛ حيث قام “ين” بفتح مصنع في فيتنام وأخذ يصدِّر منتجاته إلى الولايات المتحدة من هناك. وفعل آخرون الشيء نفسه. وهو يقوم اليوم بإنشاء مصنع كبير في إندونيسيا ويأمل في بيع المزيد إلى الولايات المتحدة.
ويقول “ين” إن صناعة الأثاث الأميركية “لن تستطيع أبداً منافسة آسيا”. ونتيجة لذلك، تمثل الواردات اليوم حوالي 70 في المئة من سوق الأسرّة والمنتجات المشابهة لها، وهو ما يمثل ارتفاعاً من 58 في المئة قبل أن تتدخل واشنطن في محاولة لحماية المصنعين الداخليين من عملية “الإغراق بالبضائع” الصينية، أي تصدير السلع بأسعار منخفضة على نحو غير نزيه.
والجدير بالذكر في هذا السياق أن الولايات المتحدة والصين تتبادلان الاتهامات بـ”الإغراق بالبضائع” منذ سنوات، وقد فرضتا رسوماً انتقامية؛ غير أنه في أثناء ذلك، تخرج الصين عادة منتصرة، حيث ارتفع فائضها التجاري مع الولايات المتحدة إلى أكثر 273 مليار دولار في 2010، حسب أرقام مكتب الإحصاء الأميركي، أي ضعف مستوى العقد الماضي بثلاث مرات.
غير أن التخوفات التجارية تثير دعوات إلى اتخاذ تدابير أشد من قِبَل واشنطن من أجل وقف هذا المد وحماية الوظائف الأميركية. لكن هل الرسوم الجمركية ناجعة وفعالة؟ في حالة أثاث غرف النوم، من الواضح أنها ساعدت في إبطاء الآلة التصديرية الصينية. ذلك أنه في عام 2004، وقبل أن تصبح التعرفات الجمركية سارية المفعول، صدّرت الصين ما قيمته 1.2 مليار دولار من الأسرّة وما شابهها إلى الولايات المتحدة. وهو رقم انخفض العام الماضي إلى 691 مليون دولار فقط. غير أنه خلال الفترة نفسها، ارتفعت الواردات من السلعة نفسها من فيتنام -حيث تعد الأجور وتكاليف أخرى أكثر انخفاضاً مقارنة مع الصين نفسها – فارتفعت من 151 مليون دولار إلى 931 مليون دولار. وفي غضون ذلك، ازدادت سرعة خسارة الوظائف في أميركا، حيث بات عدد الأميركيين الموظفين حالياً ممن يصنعون أثاث غرف النوم أقل من نصف ما كان عليه عندما بدأ فرض الرسوم الجمركية.
والجدير بالذكر هنا أن عمال الأثاث في دونجوان، وهي مدينة صناعية تنبض بالحركة بالقرب من هونج كونج، يكسبون حوالي 170 دولاراً في الشهر، مقارنة مع أقل من 80 دولاراً في فيتنام، هذا في حين يجني نظراؤهم الأميركيون حوالي 12 دولاراً في الساعة الواحدة. وفي هذا الإطار، يقول كيث كنيج، رئيس “سيتي فرنيتشر”، وهي شركة لبيع الأثاث بالتجزئة يوجد مقرها في فلوريدا، وأحد منتقدي الرسوم الجمركية، “إن المسلسل برمته هو مثال جيد للنوايا الحسنة التي تؤدي إلى نتائج عكسية تماما”. وعلى غرار العديد من بائعي التجزئة، يعتمد كنيج على البضائع المستوردة التي تعد أرخص من نظيرتها المصنوعة في أميركا.
ويمكن القول إن الأميركيين الوحيدين الذين يحصلون على مزيد من العمل نتيجة للرسوم الجمركية، هم محامو واشنطن، الذين تلجأ إليهم الشركات الأميركية والصينية؛ إذ يشمل عملهم التفاوض كل عام حول دفع “التسويات” الخاصة التي يندد بها المصنعون الصينيون باعتبارها “ابتزازاً حمائياً”. إذ خوفاً من رفع معدلات الرسوم التي يدفعونها، فإن العديد من مصنعي الأثاث الصينيين يدفعون المال نقداً لمنافسيهم الأميركيين، الذين يحق لهم أن يطلبوا من وزارة التجارة إعادة النظر في الرسوم المفروضة على الشركات. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول ين: “إنك تدفع من أجل السلام!”.
ومن جانبه، يشبّه دايفيد كاي، مدير شركة “هوادا للأثاث” في دونجوان، العملية بالابتزاز إذ يقول: “إنهم مثل المافيا، لأنك تدفع المال من أجل الحماية”. وقد قام “كاي” أيضاً بخفض عدد قطع أثاث غرف النوم التي يقوم بتصديرها إلى الولايات المتحدة.
أما المبلغ الذي يدفع في “التسويات” كل عام، فيعتمد على المفاوضات التي تجرى مع المحامي في واشنطن جوزيف دورن، الذي يمثل مصنعي الأثاث الأميركيين، والذي كان أول من دعا إلى التعرفات الجمركية كوسيلة لمحاربة الإغراق الصيني بالسلع. وفي هذا الإطار، يقول دورن: “لا يجوز للشركات الصينية أن تنتقد هذه الممارسة لأنها هي التي أتت بهذه الفكرة ووافقت طواعية” على الدفع.
والواقع أن الخسائر التي تلحق بقطاع الأثاث الأميركي بسبب تسونامي السلع الصينية ليس موضع شك. فمنذ عقد التسعينيات، أغلقت مئات المصانع في كارولاينا الشمالية وفرجينيا ومراكز أخرى لصناعة الأثاث في أميركا أبوابها نتيجة انتقال عمليات الإنتاج إلى الخارج، وبخاصة دونجوان الصينية. وفي 1992، بلغ مجموع الصادرات الأميركية من الأثاث القادم من الصين 129 مليون دولار، حسب معطيات مكتب الإحصاء. ثم قفز في 2003 إلى 5.28 مليار دولار – في ما يمثل زيادة بقرابة 4000 في المئة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»