السباق الاقتصادي بين الصين وأميركا لا يعني الكثير!
جريدة القبس الكويتية:
توقعت معطيات تقرير صدر اخيرا عن صندوق النقد الدولي أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في عام 2016. ورغم أن التقرير لم ينل اهتماما واسعا إلا أنه نال ردود فعل حانقة. مثلا، توقع أحد التعليقات المنشورة حوله أن رئيس الولايات المتحدة القادم سينال مكانة مشؤومة بترؤسه لعهد انحدار الولايات المتحدة عن الصدارة. تواصلت هذه اللهجة بتصريحات منذرة بالخطر حول المستقبل العسكري العالمي وكذلك النظام المالي العالمي.
كما أطلقت تلك التوقعات جدلا حول الإجراءات المناسبة لتلك المقارنة، ومثلا، الناتج الوطني الإجمالي مقابل توازن معدلات التبادل بالنسبة للقدرة الشرائية أو مقارنات الناتج الوطني أمام ناتج الفرد. في المحصلة أعتقد أن ردود الفعل على تلك التوقعات يجب أن تخفف كما هي الحال عند الاحتفال بعيد الميلاد بعد اجتياز سن محددة.
فهذه ببساطة نقطة فارقة، فالانفعال الزائد لبلوغ سن أكبر بسنة لا يمثل استجابة عقلانية لعملية حتمية مثل التقدم بالسن. وهي عملية تسهل التأمل بدور الصين والولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي لتوحي بضرورة استبدال ردود الفعل المتعجلة على رقم إحصائيات مفرد حول أدوار كل من الصين والولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.
تبدل الأدوار
تحليل كذاك يجب أن يتناول كيفية تبدل دوري البلدين خلال العقود الماضية واستمرار ذلك التغير في العقود المقبلة. ومن المحتمل أن تظهر فائدة ذلك مقارنة بالتركيز على الحجم النسبي لكل اقتصاد في البلدين.
فالفكرة في اعتبار البلدين مجرد خصمين مع النظر إلى الصين على أنها تلاحق الولايات المتحدة لتكون القوة الاقتصادية المهيمنة في العالم لا تتسق مع الحقائق. من الصعب تصور الصين وهي تسعى لسياسة نمو الصادرات الرخيصة أو الولايات المتحدة وهي قادرة على الاستمتاع بفورتها الاستهلاكية الحالية التي تستند للديون ما لم يتعاون البلدان معا. واعتبار البلدين مجرد خصمين هو أمر يفتقر للحقائق التي تتسم بها العلاقات بينهما. فهما يحتاجان بعضهما وهما يتممان بعضهما اقتصاديا وليسا أعداء لبعضهما.
هناك عوامل للرد على من يستخف باقتصاد الولايات المتحدة. ومثلا، وبالنسبة لمتوسط دخل الفرد فمن المرجح أن الولايات المتحدة ستبقى متقدمة على الصين لعقود عديدة مقبلة. وما الذي يعنيه كون اقتصاد الصين أكبر في حال بقيت الولايات المتحدة مركزا لعالم المستهلك؟ وطالما بقيت الشركات والمستهلكون الأميركيون أضخم سوق مستهدف في العالم، فإن الحجم النسبي لاقتصادات الولايات المتحدة والصين سيكون أقل أهمية إلى حد ما.
هناك خلاصة مشابهة يمكن التوصل إليها في مجال الابتكار. تبقى الولايات المتحدة رائدة عالميا في ذلك ومنتجاتها مثل آي باد تمثل الاجهزة التي لا يستغنى عنها بين أكثر الأجهزة التي يرغب بها لدى المستهلكين حول العالم. تقدم الإنتاجية ذات الخلاصة، وسيستغرق الأمر عقودا طويلة قبل أن تقارن الإنتاجية في الصين لتلك في الولايات المتحدة. والاهم من كل ذلك تبقى الولايات المتحدة رائدة في مسائل مرتبطة بالاستثمار المغامر مع كون الأميركيون أكثر استعدادا للمخاطرة وأكثر جاهزية على التنافس للفوز بالصفقات وأكثر ثقة بأنهم قادرون على إنجاز مهام صعبة للفوز بالصفقات. ربما تغلب المبالغات على التقارير التي تتنبأ بتراجع الولايات المتحدة كقوة اقتصادية عالمية.
الانفاق والكلفة
يمكنني أن أسهب في الاتجاه الآخر من النقاش، وهو إدمان الولايات المتحدة الحالي على الاستهلاك الذي يفوق الدخل وهو إدمان يعيش على القروض من الصين.
عجز الإنفاق في أيام إدارة جوج بوش قد تلته كلفة باهظة الثمن لإنقاذ النظام المالي وزيادة الإنفاق لتعزيز النمو الاقتصادي، وبالفعل يمكنني التلميح إلى أن تخفيض ستاندرد أند بورز لتصنيف ديون الولايات المتحدة هو أمر أكثر أهمية من لحظة تاريخية متوقعة لاحقا عندما سيصبح الاقتصاد الصيني أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة.
يبدو ذلك هو السبب الوحيد لبقاء الدولار عملة عالمية لأنه أسوأ خيار ممكن إلى أن ينظر إلى البدائل. وقد يقترح البعض أن نحبس أنفاسنا بانتظار أن تبدأ الصين بالتفوق على الولايات المتحدة في إنتاج أكبر منها من ناحية النشاط الاقتصادي الإجمالي، فالبلدان منشغلان بألعاب بعملتيهما بما لا يعزز الإنتاجية ولا النمو الاقتصادي بعيد المدى ولا التكامل العالمي القابل للاستدامة.
هذا سبب من بين أسباب أخرى عديدة تستدعي الحذر من طبيعة الاقتصاد الصيني الهائل الضخامة وتلك القائمة تطول بأسباب عديدة أخرى. قابلية استدامة المعجزة الاقتصادية الصينية وليس أقلها الجوانب البيئية، هي قضية مفتوحة. فالتلوث من الانشطة الاقتصادية والعجز في إدارة الهجرة من الريف للمناطق الحضرية وعبء زيادة عدد السكان والتخطيط انطلاقا من نظريات مع وسائل تحكم اصطناعية هي قمة جبل الثلج المختفي. وعلى مستوى الشركات والمصانع والفساد المستشري وضعف صوابط الإدارة واليد العاملة غير المدربة والمصادر الخارجية الرديئة وفضائح الجودة المتواصلة هي عينة صغيرة لقضايا مهمة. ولكن يكمن خلف النمو المتواصل أساسات اقتصادية صلبة، مثل ميزان المدفوعات الرابح بشكل هائل والنمو المتواصل للاستثمار الأجنبي المباشر والعلاقات التجارية الثنائية هي كلها على المسار الصحيح للتوجهات العالمية.
وفي الختام، فإن تأثير الولايات المتحدة والصين في مطلع القرن الحادي والعشرين لن يحدده أي اقتصاد هو الاكبر رغم أهمية ذلك. المهم هو القدرة لدى البلدين على حل مشاكلهما الداخلية وتقديم نماذج اقتصادية سليمة للعالم، والمحافظة على مكانة الشريك التجاري الذي يعول عليه.
وإذا كان لي الإشارة لتوجه واحد على أنه أفضل مؤشر للهيمنة الاقتصادية الصينية فهو النمط الحالي للاستثمارات الاجنبية المباشرة في أفريقيا. فقد تمكنت الصين من الاستفادة من احتياطي النقد الاجنبي لديها ونموذج التطور الفريد لتصبح مؤثرة جدا في أفريقيا.
خلال ذلك أظهر الصينيون أن هناك بديلا للتنمية التي تعتمد على التمويل والتجارة الحرة التي تنادي بها القوى الغربية. وبذلك أرسى الصينيون علاقات مهمة مع الاقتصادات الناشئة وأثبتوا مهارة عالية في البقاء والوقوف إلى جانب التحول الهائل في النشاط الاقتصادي في شرق وجنوب الدول المتقدمة.