زيارة أوباما الآسيوية.. موقف متذبذب يهادن ثقل الصين
شبكة الصين:
يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الآسيوية كانت محرجة وفاشلة إلى حد ما ، حيث سعى من خلالها لتجنب إثارة غضب الصين الشديد، بينما انشغل في تعزيز طمأنة اليابان والفلبين اللتين شهدتا علاقات متزايدة التدهور والتوتر مع الصين جراء نزاعات الدول الثلاث حول الأراضي والسيادة.
نشط أوباما في مواجهة الصين أثناء زيارته لليابان التي شكلت محطته الأولى في جولته، وهناك أكد في بيان أمريكي – ياباني مشترك أن جزر دياويو المتنازع عليها بين اليابان والصين، واقعة ضمن معاهدة التعاون والأمن الأمريكية – اليابانية المشتركة، الأمر الذي أثار احتجاجا كبيرا من قبل الصين.
في المقابل، كان من اللافت تغير الخطاب السياسي الأمريكي ، بعد التصريحات النارية التي أطلقها أوباما في اليابان، حيث جنح الرئيس الأمريكي خلال زيارته للفلبين، التي تعد المحطة الأخيرة لجولته الآسيوية ، نحو الحذر، بعد أن استشعر نتيجة تصريحاته السابقة المتسرعة ، فأدلى بتصريحات ودية تجاه الصين خيبت آمال الفلبين، إذ أعرب عن ترحيبه بنهوض الصين السلمي، ونوه بأهمية العلاقات البناءة بين أمريكا والصين، مؤكدا على عدم اتخاذ الولايات المتحدة أي موقف ينحاز إلى أي طرف في النزاع الصيني – الفلبيني في بحر الجنوب الصيني.
تذبذب تصريحات أوباما خلال زيارته وضعته في موقف محرج أدهش العالم، بعد أن غير تماما موقفه إزاء الصين الذي كان قويا جدا.
إن تغير موقف أوباما من الصين بين ليلة وضحاها، يجسد تنامي الثقل الصيني ومكانتها المحورية في تنفيذ أمريكا لما يسمى بسياسة إعادة التوازن المزعومة في منطقة آسيا – الباسيفيك، والتي تنوي واشنطن من خلالها زيادة التأثير الأمريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا في المنطقة.
لقد أثارت تصريحات أوباما غير العقلانية في اليابان، استياء شديدا وانتقادا كبيرا من الصين التي لن تسمح بالإضرار بمصلحتها من قبل أي طرف مهما بلغت قوته، الأمر الذي استشعره أوباما وفهمه جيداً خلال زيارته للفلبين، حيث اضطر إلى إصدار إشارة ودية تجاه الصين، ما سبب إحراجاً كبيرا للإدارة الأمريكية من جهة، ومن جهة أخرى أكد عدم إدراك وفهم الولايات المتحدة لطبيعة المنطقة وحساسيتها تجاه أي محاولة لفرض وضع دولي جديد.
يوماً بعد آخر، باتت الولايات المتحدة تدرك أكثر فأكثر أن نفوذ وتأثير الصين في المنطقة والعالم أصبح كبيرا في ميادين السياسة والاقتصاد، وأن دخولها في مواجهة مع الصين لن يعود عليها بأي منفعة، ولذلك، كان أوباما حريصاً جداً وراقب عن كثب ردود فعل الصين في زيارته الهادفة إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، تحسبا لإثارة غضب شديد من الصين.
وفي محاولة لمهادنة الصين، بعد تصريحاته غير العقلانية ، أصدر أوباما تصريحات إلى وسائل الإعلام اليابانية والفلبينية مفادها بأن الولايات المتحدة تعمل على حماية المصالح اليابانية والفلبينية، شرط ألا تؤدي للحرب مع الصين، ما صدم كلا من اليابان والفلبين وكان بمثابة صب الماء البارد على وجهيهما، بعدما أصدرتاه من تهديدات صارخة تجاه الصين.
من جهة أخرى، يمكن وصف زيارة أوباما الآسيوية بـ”الفاشلة” كونه أخفق في التوصل إلى اتفاقية الشراكة عبر الأطلنطي مع اليابان، ولا سيما بعدما أشاد بالذوق اللذيذ للـ “سوشي” الياباني.
وفي المقابل أيضاً، لم يفلح أوباما كثيرا في الفلبين، إذ تعرض لاحتجاجات محلية كبيرة على الرغم من توقيع اتفاقية تعاون دفاعي جديد بين البلدين.
مرة أخرى، وربما لن تكون الأخيرة، لا تبدو الإدارة الأمريكية مدركة بشكل فعلي لنتائج سياستها “المتذاكية” في آسيا، فما تواجهه من مصاعب كبيرة لتحقيق التوازن بين شريكها الاقتصادي الصين وحليفيها السياسيين اليابان والفلبين، يفسر تماما جهلها لطبيعة وحساسية العلاقات في المنطقة ويؤكد مجددا أنها تسير في الطريق الخطأ، لأن استغلالها لنزاعات اليابان والفلبين مع الصين بشأن السيادة والأراضي ، لن يعود عليها بالخير من جهة، ولن يحقق المصلحة الأمريكية الخاصة من جهة أخرى.
على واشنطن أن تسّلم بأنها لم تعد القوة العظمى في العالم الذي يعيش على تعدد الأقطاب والتكامل. ما يفرض عليها إذا ما رغبت في المحافظة على ماء وجهها على الساحة الدولية أن تحترم مصلحة الصين الجوهرية بما فيها ضمان السيادة، وإذا ما كانت صادقة في سعيها لبناء نوع جديد من العلاقات بين البلدين.
على واشنطن أيضاً أن تتوقف عن فرض سياسة التضييق والحصار على الصين، لأن الصين وببساطة لن تتراجع أو تساوم أبداً على ضمان أمنها ومصالحها أمام المواجهة الأمريكية.
وفي المقابل، على كل من اليابان والفلبين، إعادة تقييم علاقاتهما مع الصين بشكل جدي ومنطقي، فالحليف الأمريكي لن يجرؤ على حمايتهما على حساب مصالحه الهائلة التي سيحصل عليها إذا ما عمل بصدق على تنمية علاقات جيدة مع الصين.