الصين واليابان: حذار من فتح صندوق باندورا
موقع دار الحياة الالكتروني:
منذ بضعة أشهر تترجم الاحتكاكات بين الصين وبين اليابان حول جزر سنكاكو، في آن، بخطابات شديدة اللهجة وبانتهاكات بحرية وجوية من جانب العسكريين الصينيين لما يعتبره اليابانيون مياههم الاقليمية. وحتى اليوم لم يقع حادث خطير قابل للتفاقم. لكن في الوسع التساؤل عن النوايا الحقيقية للمتخاصمين.
عسكرياً، نلاحظ ان البحرية الصينية بذلت في الاعوام الخمسة عشر الماضية جهوداً ضخمة بعد ان كانت اسطولاً صغيراً نسبياً مهمته خفر السواحل اساساً ومزود بأسلحة عفّا عليها الزمن. وحول النواة التي تشكلها الغواصات والمدمرات الروسية الصنع التي اشترتها الصين نهاية القرن الماضي، بنَت الصين وهي الباني العالمي الاول للسفن التجارية، أسطولاً في غاية الأهمية يتألف من عمارات صنعت محلياً لكنها تحتوي الكثير من التكنولوجيات الغربية التي حصلت عليها بطرق مراوغة الى هذا الحد او ذاك، خصوصاً في مجالي التسليح والمحركات. وإدخال حاملة الطائرات الأولى الى الخدمة، المعتمدة على هيكل قديم سوفياتي المصدر شكل نقطة تحول. شهدنا ايضاً جهداً عملانياً بارزاً: وقفات للاستراحة في بلدان بعيدة والمشاركة في مكافحة القرصنة في عرض البحر امام الصومال، وإجلاء الرعايا الصينيين من ليبيا. على رغم ذلك، ما زالت القدرة العملانية العامة للبحرية الصينية محدودة، ويتعين عليها اكتساب الثقافة والخبرة اللازمتين. ونرى من جهة ثانية ان انشاء قيادة لمختلف الجيوش تتولى ادارة كل المجالات البحرية المحاذية للصين ما زال مشروعاً يبدو أنه مثير للجدال داخل السلطات المدنية والعسكرية في البلاد.
وتعيش اليابان منذ عقود في ظل دستور فرضه عليها المنتصرون في 1945، يحظر عليها امتلاك قوة هجومية او ان تنفق عليها ما يزيد على واحد في المئة من اجمالي الناتج المحلي. وقد انتخب رئيس الوزراء آبي لتلاؤم خطابه مع تطلع حقيقي لجزء واسع من الجمهور، وينطوي على اعادة نظر في الحظر هذا. وإذا كانت البحرية اليابانية اصغر حجماً من نظيرتها الصينية ولم تعرف تجارب عملية منذ سبعين سنة، إلا إنها ما زالت وريثة ثقافة حقيقية واستفادت دائماً من تدريبات مشتركة مع البحرية الاميركية. على الصعيد الديبلوماسي، نرى ان طوكيو ومنذ بضعة اشهر تبادر الى تقارب استراتيجي مع كل البلدان المعنية بالطموحات الصينية. فتوجهت اولاً الى رابطة دول جنوب شرقي آسيا «آسيان»، وأخيراً نحو الهند.
وينبغي ايضاً التساؤل عن الأسباب التي تحمل المسؤولين الصينيين على الانخراط في مطالبات، تارة صوب اليابان وتارة اخرى صوب بحر الصين الجنوبي، في حين تواجه البلاد مشكلات داخلية أهم تتطلب العلاج. وبدلاً من ان يركز على النقص في الاستهلاك الداخلي او التفاوت الاجتماعي او التلوث، فضل (الرئيس الصيني سي) جيبينغ الصراع ضد الفساد والنزاع مع اليابان. ربما بنبغي علينا ان نرى طريقة في الحكم ليست صينية تماماً، تقوم على تقديم العناصر التي تجمع الرأي العام، بسبب النقص في السلطات اللازمة للتصدي للمشكلات الحقيقية.
يضاف الى ذلك ان الصراع ضد الفساد يتيح إخفاء المنافسين السياسيين. وتصعيد الشعور بالعداء حيال اليابان يوقظ العمق القومي الصيني منذ عودة الفخر بأن يكون المرء صينياً بفضل الانجازات الاقتصادية ونجاح الالعاب الاولمبية في 2008 والمعرض العالمي في 2010. وفي ما يتعلق بالعالم الغربي، فإن دفع المشكلات الصينية اليابانية قدماً يساهم في العملية الجارية حالياً لجعل بحر الصين الجنوبي، بحراً صينياً، وهذه مشكلة أشد خطراً.
في منأى عن الخطابات، لا ريب في ان الجهتين لا تملكان ارادة القتال، باستثناء بعض الشرائح القومية المتطرفة. وسيفقد الاقتصادان الصيني والياباني الكثير في حال نشوب صراع مفتوح. في المقابل، وخصوصاً بسبب افتقار أكثرية البحارة والملاحين الصينيين الى الكفاءة التقنية اللازمة، فإن خطر وقوع صدام بين السفن او الطائرات، خطر دائم. ونتذكر حادثة ارغام طائرة استطلاع الكتروني اميركية على الهبوط من المجال الجوي الدولي في الاول من نيسان (أبريل) 2001. في حال وقع حادث كهذا وسقط فيه ضحايا صينيون او يابانيون، سترتفع حدة التوتر ارتفاعاً سريعاً. لكن اذا كان عدد الضحايا محدوداً فقد لا يُترجم الحادث الا عبر تظاهرات ودعوات الى المقاطعة. الأمور ستكون اشد خطراً لو ان الضحايا اميركيون.
يبقى خطر داهم. فالاقتصاد الصيني هش. وإذا واجه صعوبات كبرى فسيعمق ذلك بشدة الفوارق الاجتماعية، الهاجس الأكبر للمسؤولين الصينيين. وقد يغري ذلك المسؤولين، في سياق سعيهم الى حشد الشعب وراء قضية وطنية، بفتح صندوق باندورا على النحو الذي فعله المسؤولون الارجنتينيون في جزر المالوين.
* مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 24/4/2014، إعداد حسام عيتاني