تعزيز بناء المنتدى وصياغة «النسخة المطورة» للعلاقات الصينية العربية
صحيفة السفير اللبنانية:
بقلم: وانغ يي وزير الخارجية الصيني:
سوف نستقبل الممثلين من الدول العربية وجامعة الدول العربية في بكين في يوم 5 حزيران (يونيو) لعقد الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي والاحتفاء بالذكرى العاشرة لإنشاء المنتدى. وبعد ذلك خطوة ديبلوماسية هامة تتخذها الحكومة الصينية تجاه العالم العربي في ظل الظروف الجديدة، كما يعتبر حدثا كبيراً في مسيرة العلاقات الصينية العربية يكتسب أهمية كبيرة لاستعراض الإنجازات الماضية واستشراف الآفاق المستقبلية.
تأسس منتدى التعاون الصيني ـ العربي في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة في كانون الثاني (يناير) عام 2004 بالإعلان الصيني العربي المشترك وذلك آخذاً في الاعتبار التطور الطويل المدى للعلاقات الصينية العربية في القرن الجديد، ويمثل المنتدى متطلباً جديداً جاء نتيجة طبيعية للتطور المستقر للثقة السياسية المتبادلة والنضوج المتزايد للتعاون العملي بين الجانبين، كما يعتبر خطوة اتخذت أمراً مطلوباً من قبل الجانبين لمواكبة تيارات العولمة والالتحاق بمسيرة التعاون الإقليمي. فإن المنتدى يقوم على الصداقة التاريخية ويتطور بقوة دافعة جاءت من التعاون المتبادل المنفعة ويهدف إلى التنمية المشتركة، ويعبر عن الإرادة الإستراتيجية والخيار المشترك للجانبين الصيني والعربي.
عشر سنوات مضت وهي مليئة بالجهود والمنجزات، فتمت في إطار المنتدى أكثر من عشر آليات تعاون تشمل الاجتماع الوزاري واجتماع كبار المسؤولين ومؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب، وندوة الاستثمارات، وندوة العلاقات الصينية ـ العربية، والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، ومؤتمر الصداقة، ومؤتمر التعاون في مجال الطاقة، وندوة التعاون في مجال الإعلام، واجتماع كبار المسؤولين في مجال الصحة ومهرجانات الفنون المتبادلة، مما أثرى بشكل كبير مضامين التبادل الودي بين الصين والدول العربية واكتشف مزيداً من أنماط التعاون الصيني العربي على أساس المنفعة المتبادلة، وبالتالي جعل المنتدى علامة مهمة ترشد العلاقات الصينية العربية.
عشر سنوات مضت وأصبحت فيها الثقة السياسية الصينية العربية المتبادل أكثر نضوجاً وبلوغاً. أصدر الاجتماع الوزاري الرابع للمنتدى في عام 2010 إعلان تيانجين الذي أعلن فيه عن إقامة «علاقات التعاون الإستراتيجي الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة» في إطار المنتدى، الأمر الذي ارتقى بالحوار والتعاون الجماعيين بين الصين والدول العربية إلى مستوى جديد. كما تمت إقامة العلاقات الإستراتيجية بين الصين وكل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات، وأنشئت آلية الحوار الإستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. تدعم الصين دائما وأبدا جهود الدول العربية الرامية إلى استكشاف طرق تنموية تتناسب مع ظروفها الوطنية بإرادتها المستقلة، كما تدعم المساعي العربية لاستعادة حقوقها ومصالحها الوطنية المشروعة وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطين المستقلة. أما الجانب العربي، فيقدم دعما ثمينا للصين في القضايا المتعلقة بمصالحها الحيوية وهمومها الكبرى، وقد قدم مساعدات سخية للصين لما تعرضت للزلزال المدمر في محافظة ونتشوان الصينية وغير ذلك من الكوارث، ناهيك عن ان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية اعتمد لمرات في العشر سنوات الماضية قرارات تقضي بتعزيز العلاقات الصينية ـ العربية الودية في المجالات كافة، وأن دفع التعاون مع الصين أصبح رؤى مشتركة تسود العالم العربي.
عشر سنوات مضت وحقق فيها التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي قفزة وطفرة، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري الصيني العربي من 25,5 مليار دولار إلى 238,9 مليار دولار بزيادة بمعدل يتجاوز 25% سنوياً، وازداد حجم الواردات الصينية للنفط الخام من الدول العربية من 40,58 مليون طن إلى 133 مليون طن بمعدل نمو سنوي يتجاوز 12%، ووصلت قيمة العقود الجديدة المبرمة بين الشركات الصينية والدول العربية للمقاولات الهندسية من 2,6 مليار دولار سنوياً إلى 29,1 مليار دولار سنوياً بزيادة سنوية تتجاوز 27%، وأما الزيادة السنوية للاستثمارات المباشرة غير المالية التي استثمرتها الشركات الصينية في الدول العربية، فازدادت من 17,25 مليون دولار إلى 2,04 مليار دولار. وقد أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي، وأكبر شريك تجاري لتسع دول عربية. وفي المقابل، تعتبر الدول العربية سابع أكبر شريك تجاري للصين، وأهم شريك لها للتعاون في مجال الطاقة وسوقاً مهمة للمقاولات الهندسية والاستثمارات الصينية. وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون الصيني العربي زخماً طيباً للتطور في مجالات جديدة تشمل المالية والفضاء والطاقات الجديدة.
عشر سنوات مضت وشهد فيها التواصل الإنساني والثقافي الصيني العربي تنوعاً وتعدداً. إلى غاية الآن، تم فتح التخصصات المتعلقة باللغة العربية في أكثر من 20 جامعة صينية، وأقيم 11 معهد كونفوشيوس وفصل إذاعي لمعهد كونفوشيوس في 8 دول عربية، ويدرس في الصين أكثر من 10 آلاف طالب عربي في سنة. وأصبحت 8 دول عربية مقاصد سياحية للمواطنين الصينيين، ويبلغ عدد الرحلات الجوية التي تربط بين الصين والدول العربية 145 رحلة أسبوعياً. ويتجاوز عدد المسافرين بين الجانبين 830 ألف فرد/ مرة سنويا. وخلال العشر سنوات الماضية، قامت الصين بتدريب 15676 فرداً عربياً من مختلف التخصصات، وأرسلت فرقا طبية يبلغ عدد أعضائها 5338 فرداً إلى 9 دول عربية، مما قدم دعما فكرياً قوياً لتطوير مختلف القطاعات في الدول العربية. ويمكننا القول بأن الصداقة الصينية العربية أصبحت أكثر رسوخاً وعمقاً في قلوب الناس من أي وقت مضى.
وإذا أردنا تلخيص التجارب من تطور منتدى التعاون الصيني العربي والعلاقات الصينية العربية في العشر سنوات الماضية، فسنجد أنها تكمن في التزام الجانبين الدائم بمعاملة بعضهما البعض بالصدق والإخلاص والثقة والتمسك بالتعاون الإستراتيجي كالاتجاه العام، وتكمن في التزام الجانبين الدائم بالعمل بروح العملية والكفاءة والمصلحة المتبادلة وتدعيم التنمية المشتركة من خلال تقاسم الفرص، وتكمن في التزام الجانبين الدائم بالانفتاح والتسامح والسعي إلى أرضية مشتركة مع ترك الخلافات جانباً، وتحقيق التقارب فيما بين شعوب الجانبين من خلال الاستفادة المتبادلة، وتكمن في التزام الجانبين الدائم بمسايرة العصر والإبداع والإنجاز، مما حقق التكامل والتطور المشترك للتعاون الثنائي والجماعي.
في الوقت الراهن الذي تتعمق فيه التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية، ويتعزز التنوع الثقافي والمعلوماتية الاجتماعية وتولد من رحم الثورة التكنولوجية في مختلف المجالات اختراقات جديدة، تمر كلتا الصين والدول العربية كونها عضواً مهماً في العالم النامي بمرحلة حاسمة من التحول والتنمية. ووضع في الصين تخطيط إستراتيجي لتعميق الإصلاح على نحو شامل في الدورة الكاملة الثالثة من اللجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني. ويتقدم الشعب الصيني حالياً نحو تحقيق هدفي «مئة سنة» والحلم الصيني للنهضة العظيمة للأمة الصينية، بينما شهد الشرق الأوسط تطورات وتعديلات وتحولات كبيرة غير مسبوقة، وتسرع الدول العربية في خطواتها لاستكشاف طرق الإصلاح والتغيير. فينبغي للشعب الصيني البالغ عدده 1,3 مليار نسمة والشعوب العربية البالغ عددها 3 مليارات نسمة اغتنام الفرصة الظاهرة والتعاون المشترك ومجابهة التحديات سوياً، بما يحقق التنمية المشتركة.
في الدورة السادسة من الاجتماع الوزاري، سيعتمد الجانبان الصيني والعربي «إعلان بجين» و«البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني العربي بين عامي 2014 ـ 2016» و«الخطة التنموية لمنتدى التعاون الصيني العربي خلال الفترة 2014 و2024»، بما يرسم خطة طموحة لتطوير العلاقات الصينية العربية وبناء المنتدى في السنوات العشر المقبلة. كما سيوضح الجانب الصيني سياسته تجاه الدول العربية في ظل الظروف الجديدة ويطرح تصورات وإجراءات جديدة لتعزيز التعاون العملي مع الجانب العربي. فإن هذا الاجتماع لا يدشن فقط عقداً جديداً أكثر ازدهاراً في مسيرة بناء المنتدى، بل سيطلق صفارة البداية للنسخة المطورة من العلاقات الصينية العربية.
ـ ضرورة وضع أساس صلب مثل الحديد من أجل تعميق علاقات التعاون الإستراتيجي الصينية العربية. ينبغي للجانبين مواصلة الحفاظ على زخم التواصل الرفيع المستوى وحسن توظيف الاجتماع الوزاري واجتماع كبار المسؤولين وغيرهما من آليات اللقاء المتعدد المستويات في إطار المنتدى لإجراء الحوار والتشاور حول القضايا العالمية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، بما يجسد الطابع الإستراتيجي للعلاقات بين الجانبين. ويتعين على الجانبين تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والحيوية التي تهم بعضهما البعض، وتعزيز التنسيق والتعاون في الشؤون الدولية والإقليمية، بما يدفع موازين القوى الدولية نحو ما يخدم الدول النامية ويحمي المصالح المشتركة لكلا الجانبين.
ـ ضرورة ضمان المصدر الحيوي الذي لا ينضب من أجل تعميق علاقات التعاون الإستراتيجي الصينية العربية. إن الدول العربية شريك طبيعي ومهم للصين في بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري في القرن الـ21» كونها تقع في منطقة تلاقي غربية لـ«الحزام» و«طريق». فتأمل الصين في تعزيز التعاون مع الدول العربية في المجالات التقليدية مثل الطاقة والاقتصاد والتجارة والبنية التحتية، وكذلك في المجالات الناشئة مثل الطاقة النووية والفضاء والطاقات الجديدة، وتقاسم ثمار التنمية وتحقيق الازدهار المشترك. كما ترغب الدول العربية في أن تقابل انفتاح الصين على غربها بـ«إستراتيجية التوجه نحو الشرق»، وتوظف مزاياها النسبية، بما يوفر لنفسها مزيدا من الفرص والمجالات للتنمية. وينبغي على الجانبين التمسك بالتشارك في بناء «الحزام مع الطريق» كمسار أساسي لتخطيط العلاقات بينهما في السنوات العشر المقبلة، حتى يصبح مصدراً حيوياً للعلاقات الصينية العربية، إذ لا يقدر التعاون الصيني العربي المشترك على تحقيق إنجازات كبيرة ومستدامة بدون هذا المصدر الواسع والنابض.
ـ ضرورة ضمان تغذية ثقافية وإنسانية وافرة لتعميق علاقات التعاون الإستراتيجي الصينية العربية. ينبغي على الجانبين مواصلة إنجاح آليات ندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية وندوة التعاون الصيني العربي في مجال الاعلام ومؤتمر الصداقة الصينية العربية ومهرجانات الفنون الصينية والعربية وغيرها، وتوسيع التعاون في مجالات التربية والتعليم والصحة والعلوم والتكنولوجيا والسياحة وتطوير الموارد البشرية وغيرها، بالتزامن مع حسن توظيف دور وفد الشباب ووفد الخبراء والباحثين ووفد النخب التي تعرف جميعها كالمجموعة بـ«آلية الترويكا» لزيادة ترسيخ الأسس الاجتماعية للصداقة الصينية العربية. تتميز الحضارة الصينية والحضارة العربية بالأصالة العريقة والمنظومة المستقلة والسمات الفذة والاهتمام البالغ بدور الروح المعنوية، الأمر الذي يتحلى بمغزى فريد لتقدم حضارة الإنسان في عصرنا اليوم والعصور القادمة. فإن تعزيز التبادل الإنساني والثقافي الصيني العربي سيغذي التعايش المنسجم بين مختلف الحضارات بمزيد من «الحكمة الشرقية»، ويغذي قيمة نظام الحوكمة الدولية بمزيد من «العقلية الشرقية».
يقول قول صيني: «إن الذين يتقاسمون الأهداف لا تفصلهم الجبال». كان أجدادنا تجاوزوا القيود العرقية والثقافية والجغرافية ورسموا معاً صورة متناغمة للتواصل الودي الصيني العربي في طريق الحرير القديم قبل أكثر من 2000 عام. واليوم، سيتم فتح باب فرص جديدة لتطوير العلاقات الصينية العربية في تشاركنا في بناء «الحزام والطريق» والنهوض بطريق الحرير الحديث. إن الصين تحرص على بذل جهود مشتركة مع الدول العربية للتمسك بالفرصة التاريخية والعمل بروح الكسب المشترك والإبداع لتحقيق أحلامنا العظيمة للنهوض بأمتينا من خلال تعميق التعاون الصيني العربي. فلنتخذ الذكرى العاشرة لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي كنقطة انطلاق جديدة للعمل يدا بيد من الحسن إلى الأحسن لاستشراف آفاق أكثر إشراقا للعلاقات الصينية العربية ولمنتدى التعاون الصيني العربي!