صفقة الغاز الروسية الصينية تعيد رسم خريطة الطاقة العالمية
أثارت صفقة الغاز العملاقة التي أبرمتها روسيا والصين الأسبوع قبل الماضي خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين الانتباه، ليس فقط لأنها الأضخم في تاريخ صفقات الطاقة عالمياً بل لما تحمله من أبعاد سياسية، ولما حقّقه التنين الصيني خلال هذا الشهر من «اختراق» لقارة إفريقيا عبر صفقات نوعية.
الصفقة الصينية الروسية التي أبرمتها شركة غازبروم الروسية وشركة النفط والغاز الوطنية الصينية بنحو 400 مليار دولار، ستتلقى الصين بموجبها 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً على مدار 30 عاماً اعتباراً من العام 2018 ولـ 30 عاماً هلّلت لها وسائل الإعلام الروسية والصينية والغربية، وسلطت الضوء على الأسباب التي دفعت روسيا والصين إلى إتمام الصفقة بعد عشر سنوات من المفاوضات المتقطعة.
ويقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن الروسي أديب السيد إن «هذه الصفقة لا تمثل تحولاً مفاجئاً» وعدّ الأمر توجهاً روسياً قديماً أنضجته الظروف بسبب تلاقي المصالح.
ورأى السيد أن أهمية هذه الصفقة تكمن في أنها تأتي في توقيت تمر فيه العلاقات الروسية الغربية بأزمة عميقة، بعد العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا والتهديدات بأن تطال هذه العقوبات على المدى البعيد عقود الطاقة.
وتشير الصفقة إلى أن روسيا والصين ماضيتان باتجاه تشكيل قطب سياسي اقتصادي عالمي يحسب له حساب، ويؤمّن رصيداً كبيراً وثابتاً للاقتصاد الروسي لا يتأثر بتقلبات أسعار الغاز في السوق العالمية، كما ستقوّي موقف روسيا والرئيس بوتين في تحديه للضغوط الغربية، وستفرض قواعد جديدة للعبة.
وأضاف ديموف أن الاتفاقية تعد إنجازاً كبيراً يصب في مصلحة روسيا التي تسعى لإيجاد موطئ قدم لها في سوق الطاقة الآسيوية المتعطشة لموارد الطاقة الروسية. ولفت إلى أنّ الصين بتوقيعها هذه الصفقة «يمنحها شعوراً أكبر بالأمان ويقلل من اعتمادها على الطاقة من مصادر أخرى تشهد اضطرابات، لا سيما الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». كما يرى خبراء في مجال الطاقة أن روسيا تسعى لإيجاد أسواق بديلة آمنة لتسويق غازها لمواجهة إمكانية توسيع نطاق العقوبات الغربية المحتملة ضدها.
وبينما تبقى بعض بنودها من الأسرار التجارية على حد قول رئيس مجلس ادارة شركة غازبروم ألكسي ميلر ستنفق الصين 50 مليار دولار على البنية التحتية النفطية للصفقة، ومن بين ذلك تقديم 25 مليار دولار بشكل فوري لتطوير شبكة الأنابيب الواقعة على المنطقة الحدودية بين الدولتين.. يرى مدير قسم أبحاث الطاقة في الأسواق الناشئة في معهد ترستيد سورس ستيفن أوسوليفان أن أوروبا لم تستوعب هذه الصفقة بشكل تام، موضحاً أن روسيا تعتبر أوروبا والصين سوقين مكملين لبعضهما وليسا بديلين.
على أي حال، الصفقة تعتبر انقلاباً في سوق الطاقة. وأياً كان رأي المتابعين فإنّ الصفقة ستحقق للعملاقين اللذين كانا قبل ستة عقود فقط على شفا الحرب – إمكانية العمل بأريحية بعيداً عن الضغوط الغربية. ولا شك أنّ القلق تجاه، بالنسبة للغرب، مشروع.